معركة كوسوفو الثانية.. عندما بلغ العثمانيون أوج مجدهم وخضعت لهم البلقان (Wikipedia)
تابعنا

في 17 أكتوبر/تشرين الأول 1448، حاول ائتلاف جيوش صليبية تقوده مملكة المجر والأفلاق بقيادة يوحنا هونياد القائد العسكري المجري المحنّك والوصي على عرش المجر وقتئذ، الانتقام من الهزيمة الثقيلة التي ألحقها بهم العثمانيون في معركة فارنا عام 1444، وذلك بإعلان الحرب ضد الدولة العثمانية، في آخر محاولة كبرى للصليبيين لتحرير البلقان من الحُكم العثماني، ومحاولة دعم القسطنطينية والتخفيف عنها تحت وطأة العثمانيين.

ووقف الجيش العثماني الباسل صامداً بقيادة السلطان مراد الثاني، وكبّد المجريين هزيمة نكراء، في معركة طاحنة دارت لثلاثة أيّام متواصلة في سهل كوسوفو، مثلما انتهت معركة كوسوفو الأولى عام 1389 التي كان الانتصار فيها حليفاً للعثمانيين.

ومن أهم نتائج المعركة تأكيد بسط الدولة العثمانية سيطرتها في منطقة البلقان، ما مهّد الطريق لفتح القسطنطينية بعدها بخمسة أعوام، وتحديداً في 29 مايو/أيّار 1453، حيث فتحها ابن السلطان مراد الثاني السلطان الشاب محمد الفاتح.

العثمانيون ما قبل الفتح

تمتّع العثمانيون ببأس شديد ورباطة جأش، لا سيما إبّان القرون الأولى لإمبراطوريتهم التي امتدّت أراضيها لقارّات العالم القديم الثلاث. وشهد النصف الأوّل من القرن الخامس عشر انتصارات متتالية فتحت لهم عديداً من أراضِي الرّوم، وتُوِّجت تلك الانتصارات بفتح القسطنطينية.

وبعد إخضاع السلطان مراد الثاني بلاد المورة (جنوب اليونان حالياً) عام 1446، ثم إخماد عديد الثورات والدسائس التي قامت ضدّ العثمانيين في جنوب شرق أوروبا، تفرّغ السلطان لمواجهة إسكندر بك، الذي تمرّد بدعم مشترك من البابا نيقولا الخامس، وحاكم المجر يوحنا هونياد، ضد الحكم العثماني.

وكان هونياد قدّر أنه يحتاج إلى أكثر من 40 ألف مقاتل لهزيمة العثمانيين، وسعى إلى ضمِّ القوات الألبانية بقيادة المتمرِّد إسكندر بك، الذي قاد تمرداً ضد الدولة العثمانية لقرابة 25 عاماً.

وفي عام 1448، عبر قائد الجيش المجري يوحنا هونياد نهر الدانوب لضمِّ قواته إلى إسكندر بك، ولكن في 17 أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته، اصطدم جيشه بالجيش العثماني.

وتراءت الفئتان عند سهل كوسوفو، بعد فشل هونياد في تحديد موقع الجيش العثماني الرئيسي وكان يعتقد أنّ الأخير لا يزال في أدرنة، العاصمة العثمانية حينئذ، إّلا أنّ الجيش العثماني بادر وفاجأ جيش هونياد على حين غرَّة، والتقى الجيشان في معركة حامية الوطيس تحديداً عند منطقة "بليمنتين" بمقاطعة بريشتينا، عاصمة كوسوفو حالياً.

أشد معركة في أول عهد العثمانيين

تعتبر مصادر تاريخية معركة كوسوفو الثانية واحدةً من أشد الحروب وأكثرها دموية في أوائل العهد العثماني، مقارنة بمعركة كوسوفو الأولى التي دارت بين الجيشين ذاتهما قبلها بتسع سنوات. حيث تضاعف حجم الجيشين عن المعركة الأولى، وتراوح عدد جيش العثمانيين بين 40 و60 ألف مقاتل، أمّا المجريين فكانوا بين 24 و30 ألف مقاتل.

وبدأ أول أيام المعركة هادئاً بعض الشيء، حيث بَنى الطرفان دفاعاتهما، وابتدأت المعركة باشتباكات منفصلة، ومناوشات بين الفرسان، واندلع الذعر في سلاح الفرسان المجريين عندما رأوا استحالة اختراق قلب الجيش العثماني، ما أدّى إلى فرار بعض أجنحة الجيش المجري من المعركة في أول أيّامها.

وفي اليوم التالي، هَزم فرسانُ العثمانيين "السباهية" (Sipahiler)، الفرسانَ المجريين هزيمة نكراء أنهتهم بالكُلِّيَّة، وتلا ذلك هجوم صليبي ليلي باستخدام العربات الحربية والمدافع ضد موقع السلطان مراد الثاني المركزي في ليلة 19/18 أكتوبر/تشرين الأول، أسفر عن الكثير من سفك الدماء ولكن دون نتائج عسكرية حاسمة.

وفي ثالث وآخر أيّام المعركة، الموافق 19 أكتوبر/تشرين الأول 1448، قتل العثمانيون عدداً هائلاً من الجيش الصليبي، ليولّي من تبقّى منهم الدُّبر.

الحسم والظفر العثماني

كان النصر حليف العثمانيين في معركة كوسوفو الثانية بفضل حنكة السلطان العثماني الذي استخدم سلاح فرسان السباهية لتطويق فرسان ميسرة الجيش الصليبي، وإلى جانب عملية التطويق، شنّ الجيش العثماني هجوماً عاماً على طول خط التماس بين الجيشين من أجل تشتيت انتباه هونياد عن الهجوم الأساسي.

ونجحت المناورة، وحصد فرسان السباهية بالسيف جميع فرسان الأفلاق ومولدافيا والمجر، فتراجع من تبقّى من الجيش الصليبي، وهرب هونياد من المعركة مُدركاً أنّه سيُهزَم.

وأنهت معركة كوسوفو الثانية أي أمل متبقٍ لدى الصليبيين في إيقاف تقدّم العثمانيين نحو القسطنطينية، حيث لم تعد لدى المملكة المجرية الموارد العسكرية أو المالية، وبات الطريق مفتوحاً أمام السلطان محمد الثاني (الفاتح) ابن السلطان مراد الثاني، لفرض حصار على القسطنطينية، ليتمّ فتحها عام 1453.

TRT عربي
الأكثر تداولاً