تستعدّ تركيا لوضع اللمسات الأخيرة على طريق دخول نادي الدول النووية، حيث ستشهد جلب الوقود النووي لمحطة "آق قويو" النووية، وهي أول محطة من نوعها في البلاد، يوم 27 أبريل/نيسان الحالي، بمشاركة الرئيس رجب طيب أردوغان.
وتحظى الخطوة بأهمية للحكومة التركية ومشروعها الذي بدأ بإنشاء أول محطة نووية في البلاد بعد وضع حجر الأساس لها قبل خمس سنوات، إذ لفت أردوغان في تصريحات له الأسبوع الماضي إلى أن جلب الوقود لأول محطة نووية "آق قويو" سيُقام ضمن مراسم بمشاركة نظيره الروسي فلاديمير بوتين، لتكون الخطوة الأولى نحو بدء تركيا الاستفادة من الطاقة النووية المدنية فعليّاً.
يُذكَر أنه في إطار اتفاقية موقعة بين تركيا وروسيا في 12 مايو/أيار 2010، عُقد تأسيس الوحدة الأولى (ضمن 4 وحدات) من محطة "آق قويو" للطاقة النووية (Akkuyu NPP) بولاية مرسين في 3 أبريل/نيسان 2018، بحضور الرئيس أردوغان ونظيره الروسي بوتين.
وعقب جلب الوقود إلى المحطة، سيجري "تحضير الوقود والاختبار والمعايرة والإنتاج المؤقت"، حسب تصريحات الرئيس أردوغان، الذي أشار أيضاً إلى أن محطة "آق قويو" النووية بعد تشغيلها ستوفر لتركيا مبلغاً قدره 6.5 مليارات دولار، وستُغني تركيا عن استيراد 7 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي.
جلب الوقود النووي للمحطة
من شأن وصول الوقود النووي إلى المحطة في 27 أبريل/نيسان أن يمنحها صفة "منشأة نووية"، تزامناً مع بدء تشغيل الوحدة الأولى، بمفاعل توليد من النوع (VVER-1200 tipi "III+")، بقوة 1200 ميغاوات وطاقة إجمالية تبلغ 4800 ميغاوات، ومن المتوقع أن تبدأ إنتاج الكهرباء في غضون عام واحد، حسب وزير الطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز، في لقاء تليفزيوني الشهر الجاري.
ووصف الوزير التركي مشروع "آق قويو" بأنه حقّق "الحلم المئوي" لتركيا، في إشارة إلى بدء تشغيل الوحدة الأولى للمحطة في 29 أكتوبر/تشرين الأول، ذكرى تأسيس الجمهورية، مشدّداً على أهمية ذلك في عملية إنتاج الكهرباء.
بدوره ثمّن رئيس مركز أبحاث تركيا لاستراتيجيات وسياسات الطاقة أوغوزهان آق ينر، خطوة جلب الوقود لمحطة "آق قويو"، إذ سيحولها إلى "منشأة نووية منتجة"، مشيراً إلى أن ذلك يأتي في سياق "تَحوُّل عالميّ نحو الطاقة النووية، يأخذ بعين الاعتبار أهمية ذلك في توفير توليدٍ ذاتي آمن للكهرباء".
وأوضح آق ينر في حديث مع TRT عربي أن أهمية ذلك تتعلق أيضاً بإنتاج "الطاقة النظيفة"، لافتاً إلى أن تركيا "قطعت شوطاً كبيراً في هذا الصدد، وبات لديها هدف رئيسي يتمثل في الحد من انبعاثات الكربون، لا سيما مع إنشاء أول طاقة نووية لأغراض سلمية مثل آق قويو".
إنتاج الكهرباء من "آق قويو"
وتوقع خبير الطاقة التركي أنه مع بدء إنتاج الطاقة الكهربائية من آق قويو، يمكن أن تحقق إمدادات الطاقة بنسبة تتراوح بين 9% و10% من توليد الكهرباء، بالإضافة إلى تحقيق أهداف أخرى مثل خفض انبعاثات الكربون في البلاد، فضلاً عن العوائد المالية للمشروع.
وحسب وزارة الطاقة التركية، فإن إنتاج ما يقرب من 80 مليار كيلووات/ساعة من الكهرباء في عام واحد، بتكلفة سنوية تبلغ 720 مليون دولار، يُغنِي تركيا عن الحاجة إلى 16 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي لإنتاج القدر نفسه من الكهرباء، إذ يكلفها ذلك قرابة 7.2 مليار دولار.
بكلمة أخرى، بدل أن تعتمد تركيا على الغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء بتكلفة مالية كبيرة، فإن محطات الطاقة النووية توفّر حجم إنتاج كهربائي كبيراً بقيمة مالية أقل بكثير.
من جانب آخر، أشار آق ينر إلى أن المفاعلات عقب جلب الوقود النووي إليها يمكن أن تعمل بنسبة 90%، وهذا "يعني إمكانية إنتاج مزيد من الكهرباء بنسبة تفوق 10% من إجمالي احتياج تركيا".
وأوضح أنه يجري وضع حزمة وقود تتكون محصلتها من 313 قضيباً، عبر تقنية المفاعل المسمّاة "VVER-1200"، وهي "تقنية خاصة من الجيل الثالث، مما يمكّنها من العمل بقوة عالية، بمعدل 90%، وهذا ما يعني إمكانية تحقيق إنتاج أكبر من الكهرباء"، حسب قوله.
وتابع: "بالنظر إلى سعة قضيب الوقود التي تغطي مدة زمنية تبلغ عاماً ونصفاً، فهذا يعني أنه اعتباراً من جلب الوقود إلى المحطة في 27 أبريل/نيسان ستتمكن المنشأة من العمل وإنتاج الكهرباء بلا توقُّف لمدة عام ونصف، وهذا تَطوُّر مهمّ للغاية".
فوائد استراتيجية
في سياق متصل، يرى الخبير التركي أن النجاح الذي قطعته تركيا في مجال الطاقة النووية سيقلّل نسبة اعتماد البلاد على المصادر الأجنبية من الطاقة، ومع بدء تشغيل جميع المفاعلات الأربعة في 2027 أو 2028، "نعتقد أنها ستقلل الاعتماد على المصادر الخارجية بنسبة 4% في معادلة الطاقة الكاملة بتركيا"، حسب قوله.
في الوقت ذاته أوضح آق ينر أن المحطة ستساعد تركيا على تحقيق هدفها في الاعتماد الكامل على الطاقة النظيفة، إلى جانب التطور التكنولوجي النووي، "إذ تنفق تركيا كثيرا من الأموال على التطورات التكنولوجية، وبوجود محطة الطاقة النووية هذه ستكون تركيا واحدة من الدول التي تستخدم التكنولوجيا النووية"، حسب قوله، مشيراً إلى أن التكنولوجيا النووية ستكون "مصدر الطاقة في المستقبل".
يشار إلى أن رئيس وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول، توقع أواخر العام الماضي 2022 أن تنمو قدرة الطاقة المتجددة في تركيا 64% في السنوات الخمس المقبلة، بما يحوّلها إلى واحدة من الدول العشر الأوائل في هذا المجال، لافتاً إلى أن تركيا تحولت بالفعل إلى "رابع أكبر سوق للطاقة المتجددة بأوروبا".