أعلنت السعودية عام 2018 عن نظام مكافحة جريمة التحرش (AFP)
تابعنا

تتضارب الآراء في المملكة العربية السعودية بين من يعتبر ظاهرة التحرش، آفة مستشرية في المجتمع وظاهرة تكاد تكون اعتيادية، تتعرض لها الكثيرات من السعوديات وبشكل مستمر، بخاصة خلال الفترة الأخيرة، دون أن يجرؤ الكثير منهن على الشكاية أو حتى مجرد إثارة الموضوع، وبين من يعتبرها مجرد حالات فردية وشاذة، لا تنم عن حالة عامة في المجتمع السعودي.

ولكن يتفق الجميع في المقابل، على ضرورة مكافحة هذه الجريمة، وفرض عقوبات مغلظة بشأنها للحد من انتشارها.

وفعلاً، فرضت السلطات السعودية خلال السنوات القليلة الماضية، مجموعة من العقوبات المشددة في حق مرتكبي جريمة التحرش، ورفدتها مؤخراً بقوانين إضافية أكثر تشديداً، في محاولة منها للقضاء على هذه الآفة، وسط تساؤلات عما إذا كان سيجدي ذلك بنتيجة.

التحرش يجوب السعودية

انتشرت خلال الفترة الأخيرة، العديد من مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الإجتماعي، موثقة كثيراً من حالات التحرش في السعودية، بخاصة بالتزامن مع التظاهرات والاحتفالات الأخيرة التي انتظم بعضها لأول مرة في عدة محافظات.

وقد تبدو هذه الظاهرة مستغربة للكثيرين، في بلد كالسعودية ذي رمزية دينية، وتنتشر فيه "الشرطة الدينية" في كل مكان، إلا أنها قد أصبحت مشاعة، أو ربما قد طفت على السطح، كما تعتقد العديد من الآراء.

وبينما يؤكد محللون وسياسيون سعوديون بأن التحرش في السعودية ليس سوى "سلوك فردي لا يمثل إلا صاحبه وأن المجتمع الذي يعيش في أمان يرفض تلك الممارسات الخادشة للذوق العام"، كشفت في المقابل شهادات العديد من السعودية، في تقارير إعلامية أجنبية، استياءهن من تعرضهن المستمر للاعتداء والتحرش، في مقابل إلقاء اللوم عليهن أحياناً بالرغم من أنهم مجرد "ضحايا" وتخوف الكثيرات منهن من الضغوطات والتهديدات التي تمارسها الأسرة والمجتمع، ضد الضحية وتحميلها المسؤولية كاملة في ذلك.

ولم تتوقف هذه الجرائم عند حدود التجمعات والاحتفالات، بل تجاوزت ذلك بشكل مفزع، إلى التحرش الجنسي أثناء أداء مناسك الحج.

ففي عام 2018، تحدثت سيدات مسلمات عن تجاربهن السيئة التي تعرضن فيها إلى التحرش خلال موسم الحج، وشعرن آنذاك بـ"انهيار نفسي وشعور بالاكتئاب"، وفق ما جاء في بعض التغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتعليقاً على هذه الحادثة التي هزت المجتمعات الإسلامية والشارع السعودي، أكدت مجموعة من رجال الدين السعوديين بأن هذه الأمور "تحصل، لكنها ليست ظاهرة بل هي حالات فردية شاذة، لا تتجاوز الحالتين أو الثلاث في أقصاها".

في حين اعتبر ناشطون ومسؤولون سعوديون أن ذلك "أمر طبيعي" عندما يجتمع نحو ثلاث ملايين شخص من مختلف دول العالم في مكان واحد". ليثير هذا الرأي غضب وحنق الكثيرين وسط مطالبات بضرورة سن عقوبات كافية لمنع حدوث ذلك.

قوانين مشددة.. آخرها التشهير

وسط تداول واسع لانتشار ظاهرة التحرش في المجتمع السعودي، أعلنت السعودية منذ مايو/آيار 2018 عن "نظام مكافحة جريمة التحرش" بمرسوم ملكي صادر عن العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز، وذلك بهدف "مكافحة جريمة التحرش والحيلولة دون وقوعها، وتطبيق العقوبة على مرتكبيها وحماية المجني عليه، وذلك صيانة لخصوصية الفرد وكرامته وحريته الشخصية التي كفلتها أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة"، وفق ما جاء في الإعلان.

وأوضحت في ذلك الوقت النيابة العامة السعودية على حسابها في موقع تويتر مفهوم التحرش والعقوبات المنصوص عليها قانوناً بحق المتورطين في التحرش. وجاء في التغريدة بأن "التحرش كل قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي تصدر من شخص تجاه أي شخص آخر، تمس جسده أو عرضه أو تخدش حياءه، بأي وسيلة كانت، ومن ذلك وسائل التقنية الحديثة".

وينص قانون التحرش في السعودية على أنه "يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة مالية لا تزيد على 100 ألف ريال (نحو 30 ألف دولار أمريكي) أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ارتكب جريمة تحرش".

وقد تتضاعف العقوبة في حالة التكرار أو في حالة اقتران الجريمة بظروف أخرى، لتكون عقوبة بالسجن لمدة لا تزيد على خمس سنوات، والغرامة المالية لا تزيد على ثلاثمئة ألف ريال (نحو 78 ألف دولار أميركي)، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

ومؤخراً، وبينما لا تزال هذه الجرائم في انتشار مستمر، أضاف مجلس الوزراء السعودي، في جلسته، يوم الثلاثاء 11 يناير/كانون الثاني الجاري، فقرة جديدة إلى المادة السادسة من نظام مكافحة جريمة التحرش، تفيد بجواز نشر ملخص الحكم في الصحف المحلية على نفقة المحكوم عليه.

وبينما اعترض البعض على التشهير بالمدعين والجناة في هذه الجريمة، شددت الكثيرات من السعوديات على ضرورة تغليظ العقوبة لمنع حدوثها.

TRT عربي
الأكثر تداولاً