تابعنا
الغرض الأساسى من فعل التهام الموزة هو أن "يخلق صدمة ويجعل عالم الفن يقف ويعيد التفكير في معنى الفن والغرض منه وما يمثّله فى حياتنا المعاصرة، وفي نفس الوقت يسخر من القيم الفنية السائدة".

تداولت وسائل الإعلام منذ أيام خبراً يفيد بأن طالباً كورياً التهم موزة قيمتها 120 ألف دولار، وهي العمل الفني الشهير للفنان الإيطالي ماوريتسيو كاتيلان، ويتضمن موزة مُلصَقة بشريط على الحائط، سبق أن أثارت جدلاً حول مفهوم الفن.

قال الطالب نوه هيون سو الذي يدرس الفنون في جامعة سيول، بعد أن أزال الموزة عن حائط متحف "ليوم" إنه "تناولها بسبب الجوع"، مضيفاً أن "إتلاف عمل فني معاصر قد يكون أيضاً نوعاً من الفن".

أعاد الطالب إلصاق القشرة على الحائط، ثم استبدل بها القائمون على المتحف موزة طازجة. وقال المتحدث باسم المتحف إنّ "ذلك حدث فجأة ولم يُتّخذ أي إجراء خاصّ، كما أبلغنا الفنان كاتيلان بالحادثة، لكنه لم يتخذ أي رد فعل".

ويصف الفنان التشكيلي المصري سمير فؤاد إبراهيم ردّ فعل الطالب على هذا العمل بأنه مشابهة لرد الفعل عندما عرض الفنان الفرنسي مارسيل دوشامب مبولته المشهورة أو "النافورة" كما أطلق عليها، وقد أثارت جدلاً واسعاً بين النقاد والجمهور حينها، أو لوحة "الحب في سلة المهملات" للفنان الإنجليزي بانكسى التي مُزّقت إلى شرائح أمام الجمهور في صالة المزادات بعد دقائق من بيعها بأكثر من مليون جنيه إسترليني.

ويرى إبراهيم في حديثه لـTRT عربي أن الغرض الأساسى من فعل التهام الموزة هو أن "يخلق صدمة ويجعل عالم الفن يقف ويعيد التفكير في معنى الفن والغرض منه وما يمثّله فى حياتنا المعاصرة، وفي نفس الوقت يسخر من القيم الفنية السائدة".

وعن سبب انتشار الخبر على نطاق واسع يقول إبراهيم إن "الفنان الإيطالى موريزيو كاتالان مشهور فى عالم الفن بأعماله التى يستخدم فيها السخرية كسلاح حادّ ينفذ به داخل حواسّ المشاهد ليثيرها وليستفزّ رد فعل، إيجابياً كان أو سلبياً".

"هنا أتساءل: لو كان صانع هذا العمل فناناً مغموراً، هل كان سيلقى نفس ردّ الفعل أم سيُرفَض ويُهمَل على أنه عمل سطحي وتافه؟"، على حد قول إبراهيم.

وأصبحت موزة كاتيلان أحد أبرز الأحداث في عالم الفن عندما بيعت مقابل 120 ألف دولار في معرض "آرت بازل ميامي بيتش" في ديسمبر/كانون الأول 2019.

وقال مؤسس المعرض حينها، إيمانويل بيروتين لـCNN إن الموز يمثّل "رمز التجارة العالمية، وشكلاً كلاسيكياً للعبث الذي نعيشه في عالمنا"، مشيراً إلى أن الفنان يحوّل الأغراض إلى فكرة بطابع مبهج وساخر في الوقت ذاته.

ويذكر أنه عند شراء هذا العمل الفنّي، يتحمّل المالك مسؤولية تأمين الموزة والشّريط اللّاصق، لكنّه يحصل على دليل التّعليمات لتثبيته وشهادة الأصالة.

الموزة التي أُكلَت مرتين

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يؤكل فيها عمل كاتيلان، فبعد بيع الإصدار الأول من العمل الذي يطلق عليه "Comedian" في 2019، التقط الفنان المسرحي دايفيد داتونا الموزة المعروضة في "آرت بازل" بميامي، وأكلها فيما يتابعه رواد المعرض بدهشة.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يؤكل فيها عمل كاتيلان، فبعد بيع الإصدار الأول من العمل الذي يطلق عليه "Comedian" في 2019، التقط الفنان المسرحي دايفيد داتونا الموزة المعروضة في "آرت بازل" بميامي، وأكلها فيما يتابعه رواد المعرض بدهشة. (Reuters)

وعن سؤال ما الذي دفعه إلى ذلك، أجاب داتونا: "بعد أن عرضت موزة كاتيلان كان الجميع يفكر كيف سنردّ عليه، ثم قررت أن آكل عمله الفني، وأعتقد أن هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يأكل فيها فنان عمل فنان آخر"، واستكمل بأنه كان عرضاً فنياً من جهته ​بعنوان "فنان جائع".

وأخبر داتونا صحيفة "الغارديان" بأنه بينما يُعتبر كاتيلان "عبقرياً"، فقد اعترض على المبلغ الهائل الذي حصل عليه من موزة تكلّف 20 سنتاً، وقال داتونا: "لقد سافرت 67 دولة حول العالم، وأرى كيف يعيش الناس. الملايين يموتون بلا طعام، ثم يضع فنان ثلاث موزات على الحائط مقابل نصف مليون دولار؟!".

عند شروعه في هذا العمل الفني، جرب كاتيلان تصنيع تمثال لموزة من البرونز والراتنج، قبل أن يقرّر أنّه لا يمكن أن يتفوّق أيّ شيء على الموزة الطّبيعية حسب ما قاله مسؤول المعرض لـCNN.

وعن عمل الموزة يقول الفنان التشكيلي سمير فؤاد إبراهيم لـTRT عربي: "هذا العمل الذي أنجزه كاتيلان عام 2019 وأطلق عليه اسم (المهرج) هو اسم على مسمّى، فهو وإن كان يندرج تحت مظلّة الفن المفاهيمي، وهو الفن الذي يكون العمل فيه وعاء للفكرة ويكون الغرض منه تحفيز المشاهد على التفكير، فإن عمل كاتيلان يجعل المشاهد يضحك وغالباً ينتابه الإحساس بأن الفنان ليس جادّاً في ما يفعله".

أبرز الأعمال المثيرة للجدل لكاتيلان

شارك كاتيلان بأول عمل فني له في معرض جماعي عام 1988 في بولونيا بإيطاليا، وأقام أول معرض خاصّ بنفس المدينة في العام التالي، وقد حصل على 4 جوائز فنية، ويشتهر الفنان الإيطالي المولود في 1960 بالقطع المثيرة للجدل حول الفن المفاهيمي التي تتحدّى الثقافة الشعبية، وأبرزها:

أمريكا (2016)

أحد الأعمال الفنية الأخرى لكاتيلان التي شهدت انتشاراً واسعاً، هو مرحاض مصنوع من الذهب عيار 18 قيراطاً يحمل اسم "أمريكا"، قُدّر ثمنه بنحو 6 ملايين دولار، ووُضع لأول مرة في متحف غاغنهايم بنيويورك في 2016، وكان مفتوحاً لاستخدام الزوار واستخدمه نحو 100 ألف شخص بين سبتمبر/أيلول 2016 وصيف 2017.

وفي وقت لاحق من عام 2019 عُرض في بلينهايم بإنجلترا حيث سُرق، ولم يُعثر عليه بعدها.

وقابل ماوريتسيو كاتيلان الخبر بردّ فعل مثيرة للجدل أيضاً، إذ قال لـ"نيويورك تايمز": "عندما أُوقِظتُ وأُبلِغتُ بالحادثة، ظننت أنها خدعة، فمن يريد سرقة مرحاض؟ ونسيت للحظة أنه مصنوع من الذهب".

وأردف: "أريد التحلّي بالإيجابية وأفكر أن تلك السرقة هي بمثابة عمل خيري مستوحى من شخصية روبن هود الخيالية التي كانت تسرق الأغنياء لتساعد الفقراء".

الحب (2010)

وُضعَ العمل المعروف بـ"L.O.V.E" في ساحة بيازا ديجلي أفاري في ميلانو، وهو منحوتة رخامية بارتفاع 4-5 أمتار ليد مقطوعة الأصابع عدا الوسطى. عند كثير من الناس عنوان القطعة رسمياً هو اختصار لـLiberta, Odio, Vendetta, Eternita، وتُترجَم من الإيطالية إلى "الحرية، والكراهية، والانتقام، والخلود".

أما الفنان نفسه فقد أوضح أن اسمها يرمز إلى الحب، ولكن يمكن للجميع القراءة بين السطور.

أحد الأعمال الفنية الأخرى لكاتيلان التي شهدت انتشاراً واسعاً، هو مرحاض مصنوع من الذهب عيار 18 قيراطاً يحمل اسم "أمريكا"، قُدّر ثمنه بنحو 6 ملايين دولار (AFP)

بلا عنوان (2007)

يُظهِر العمل خمسة خيول محنطة قفزت واختفى رأسها في الحائط، استخدم كاتيلان التحنيط لتجميد الخيول في المكان والزمان، فهم ليسوا أمواتاً ولا أحياء.

عندما يُنظَر إلى الأحصنة، يمكن الاستنتاج أن القطيع قفز إلى الحائط محاولاً الهرب من خطر ما، أو رغبة في الانتحار. ثُبّت هذا العمل لأول مرة في معرض كابوت بازل بسويسرا. وكتب الناقد الفني فرانشيسكو بونامي: "إن قفزة الحصان المنفرد هي وهمية، لكنها بطولية، أما الخيول الخمسة فتَحوَّل وهمها إلى ذعر والجهد الفردي إلى حشد".

الأطفال المعلَّقون (2004)

ويتضمن ثلاث دُمىً أطفال بلاستيكية بوجوه هادئة وأعيُن واسعة شاخصة إلى السماء، معلَّقة في شجرة بلوط قديمة في ساحة 24 مايو بميلانو. وكانت المارَّة تتجمَّع لمشاهدة العمل والجدال حوله، وبحلول إحدى الليالي، صعد أحد المارة الذي استفزه العمل على الشجرة لقطع الدمى. وفي أثناء انتزاعها سقط وكُسر رأسه وأمضى الليلة في المستشفى مصاباً بارتجاج في المخّ.

وبعد تلك الحادثة أُزيلَ هذا العمل عن الشجرة.

هو (2001)

إنه تمثال لأدولف هتلر في وضع راكع، وعند الاقتراب منه من الخلف، يبدو أنه صبي صغير راكع في صلاة صامتة. وعند رؤيته من الأمام، يرى المشاهد واحداً من أكثر الأعمال الفنية إثارة للقلق التي ظهرت في حقبة ما بعد الحرب، حتى إن ماوريتسيو نفسه قال إنه يريد تدمير التمثال، وغيّر رأيه ألف مرة كل يوم.

عُرض العمل عام 2012 في غيتو وارسو، ما أثار جدلاً واستفزازاً، وبِيعَ عام 2016 بمبلغ 13.330.400 يورو.

الساعة التاسعة (1999)

تصوّر المنحوتة المعروفة بـ"La Nona Hora" البابا يوحنا الثاني مُلقىً على الأرض بعد أن صدمه نيزك. وكان للعمل قراءات مختلفة، فيعتقد البعض أنه يشير إلى التدهور المأساوي للكنيسة نتيجة التغيير السريع للقيم الاجتماعية، ويرى آخرون أنه يشير إلى أنه حتى أكثر مقاعد السلطة رسوخاً يمكن أن يصبح عرضة للخطر.

عُرض العمل لأول مرة في الأكاديمية الملكية في لندن، واعتبره كثيرون عملاً شائناً وتجديفيّاً.

تصوّر المنحوتة المعروفة بـ"La Nona Hora" البابا يوحنا الثاني مُلقىً على الأرض بعد أن صدمه نيزك. (AFP)

دائماً تثير أعمال كاتيلان الجدل، ويعي الفنان ذلك إذ قال لصحيفة إيطالية: "سينتزع دائماً شخص إحدى دُمايَ أو يسرق مرحاضاً ذهبياً أو يأكل الموزة، وكل هذا يدعم نوعاً من السرد حول عملي".

وفي هذا السياق وعن أعمال الفنان الإيطالي، يقول الفنان التشكيلي والدكتور بكلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية ياسين حراز لـTRT عربي: "أعتبر أن هذه الأعمال فرقعة فنية لا أكثر ولا أقلّ، تنتهي سريعاً كما بدأت"، ويستكمل: "لا أستسيغ هذا النوع من الفنون، فهو يلهث وراء إثارة الجدل والتساؤلات فقط".

ويؤكّد حراز أن أعمال كاتيلان "ترتبط بالفن المفاهيمي، الذي يتخلى عن المهارة والجمال كمقاييس للفن".

TRT عربي
الأكثر تداولاً