تابعنا
حين يدخل الزوار والسيّاح إلى مسجد السليمانية ستبهرهم الأجواء الروحانية والسكينة التي تغمر المكان، فضلاً عن الهندسة المعمارية الفريدة والرمزية التاريخية التي يمثلها المسجد الذي بُني في عهد السلطان سليمان القانوني.

لم تكن دايانا ناهورنيوك تعلم وهي تخطو خطواتها الأولى في مسجد السليمانية بمدينة إسطنبول، أن هذه الزيارة السياحية ستغير حياتها إلى الأبد، فلم تمضِ شهور قليلة بعد ذلك حتى اعتنقت الإسلام وبدأت تعلُّم القرآن وصوم رمضان.

قصة ديانا ليست حالة منفردة، بل يعتنق مئات غيرها الدين الإسلامي وتتغير حياتهم، وكل هذا يبدأ من مسجد السليمانية.

وقف التواصل الثقافي "KİM"

حين يدخل الزوار والسيّاح إلى مسجد السليمانية ستبهرهم الأجواء الروحانية والسكينة التي تغمر المكان، فضلاً عن الهندسة المعمارية الفريدة والرمزية التاريخية التي يمثلها المسجد الذي بُني في عهد السلطان سليمان القانوني.

لكنْ يلفت الانتباه هناك أمر آخر، متطوعو المسجد الذين يدعون زوار المسجد (وهم مئات يومياً) إلى دخول الإسلام، ويشرحون لهم مبادئ الدين الحنيف، هؤلاء المتطوعون يتبعون وقف التواصل الثقافي "KİM".

تأسس وقف التواصل الثقافي عام 2010، ويهدف إلى إيصال رسالة الإسلام إلى السياح القادمين من مختلف دول العالم إلى مدينة إسطنبول، وبالأخص زوّار مسجد السليمانية، الذي يقع مقرّ الوقف بالقرب منه.

يقول مدير الوقف عبيد الله تانريوفر إنهم لا يكتفون بالتواصل مع السياح القادمين إلى المسجد، بل تَوسَّع التواصل مع السياح في إسطنبول عامة.

ويضيف تانريوفر لـTRT عربي أن الوقف يقيم أنشطة خاصة في شهر رمضان، منها دورات لتعليم المسلمين الجُدد، ودعوة غير المسلمين إلى الإفطار خلال رمضان في مقر الوقف من أجل تَعرُّف الإسلام، وتزويدهم بالكتب والمنشورات المطلوبة لفهم الدين.

ويلفت إلى أنه "منذ مطلع العام الحالي يشهد المسجد دخول 1-3 أشخاص إلى الإسلام يومياً، وكثير منهم يعود إلى إسطنبول لإكمال تَعلُّم الدين، وبعضهم أيضاً يتواصل عبر الفيديو مع متطوعي المسجد حول ذلك".

ويردف: "أما في شهر رمضان فشهد العام الماضي وحده اعتناق 95 شخصاً الدين الإسلامي، ونسعى ليبلغ العدد هذا العام حدّ المئة".

عبيد الله تانريوفر مدير وقف التواصل الثقافي "KİM" (صورة: TRT عربي)

التطوع.. تجربة رائعة

خلف هذه المجهودات الكبيرة تقف منظومة متكاملة تُطوَّر باستمرار، حسب تانريوفر، إذ يضمّ وقف التواصل الثقافي 70 متطوعاً من بلدان مختلفة منها تركيا والعراق وسوريا ومصر ولبنان والمغرب والهند وباكستان وبريطانيا واليابان، ويتحدث جميع المتطوعين اللغة الإنجليزية بطلاقة، إضافة إلى لغات أخرى.

ويلفت تانريوفر إلى أنه في المجموع يقدم الوقف خدماته بـ15 لغة، تتضمن اللغات الرئيسية مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية والبرتغالية وغيرها.

ولا يفتح وقف التواصل الثقافي "KİM" أبوابه للراغبين في تَعلُّم الإسلام واعتناقه فقط، بل يستقبل مزيداً من المتطوعين شهرياً، ويخضع المتطوعون الجُدُد لاختبارات وتدريبات مكثفة تتعلق باللغة وطرق الدعوة قبل الانخراط داخل المسجد، ويمضي المتطوعون شهراً كاملاً للتعلُّم من المتطوعين القدامى في المسجد حتى يصلوا إلى مرحلة يستطيعون التواصل مع السياح بمفردهم.

ويطوّر الوقف باستمرار منظومة تأهيل الدعاة لضمان تراكم الخبرات ونقلها إلى المتطوعين الجدد، وفي الوقت ذاته يتواصل الوقف مع المؤسسات الدعوية الأخرى حول العالم لتبادل التجارب والخبرات. وقد كان متطوعو التواصل الثقافي ضمن المشاركين خلال حملات الدعوة في كأس العالم 2022 في قطر.

ويقول أمير قادر أوغلو، وهو أحد متحدثي اللغة الروسية الذي تَطوَّع في مسجد السليمانية منذ عام 2020، إن الدعوة إلى الإسلام تجربة رائعة تضيف إليه يومياً.

ويضيف أمير لـTRT عربي: "تطوعت هنا منذ أعوام عدّة، وأتحدث يوميّاً مع الزوار الناطقين باللغة الروسية، بعض منهم من يقبل الإسلام مباشرة، وبعضهم يرفض بالطبع، وبعضهم يريد تعرف الإسلام أكثر فيعود لدراسته في بلده الأصلي".

ويبيّن أن "الأجواء داخل مسجد السليمانية تساعد كثيراً على التواصل مع السياح لأجل الحديث عن الإسلام أو على الأقلّ خلق انطباع محبب لديهم عنه، خصوصاً في ظل التشويه الذي يطاله في وسائل الإعلام".

دايانا ناهورنيوك إحدى المسلمات الجديدات في مسجد السليمانية (صورة: TRT عربي)

في السلمانية.. قصص اعتناق الإسلام

جاءت دايانا، وهي سائحة أوكرانية، إلى مسجد السليمانية في صيف عام 2021 برفقة والدتها، قبل أن تلتقي أحد المتطوعين في المسجد لتسمع منه عن الإسلام، وتبدأ رحلتها نحو الدين الجديد.

وتقول دايانا لـTRT عربي: "رغم أني لم أعتنق الإسلام مباشرة، فحين غادرت المسجد قالت لي أمي إنها ترى الإسلام في عيني، وإن اعتناقي الدين الجديد مسألة وقت".

وتضيف أنها "بدأتْ بقراءة بعض الكتب، والتواصل أكثر لتعلُّم مبادئ الإسلام وما قد يساعدها على فهمها للدين، وكان رمضان قريباً، فقرّرَت صوم رمضان وقراءة القرآن".

وتردف: "في نهاية رمضان كنت قد قرّرت اعتناق الإسلام، لكنني أردت أن أنطق بالشهادة في المسجد، هناك حيث بدأ كل شيء، وهكذا نطقتُ بالشهادتين في احتفال جميل أقامه الوقف داخل المسجد، وحضره عديد من المتطوعين ورواد المسجد وقتها".

ماريا زايكيفسكا سائحة أوكرانية اعتنقت الإسلام في السليمانية (صورة: TRT عربي)

كان من بين الحاضرين عند نطق دايانا الشهادة، صديقتها المقرَّبة ماريا زايكيفسكا، وقد شدّ انتباهها مقدار الاحتفاء من الحاضرين بدخول صديقتها دايانا الإسلام، وكانت ماريا تبحث عن الحقيقة هي أيضاً، صحيح أنها وُلدت مسيحية، لكنَّ أمراً ما كان يشغل بالها كثيراً حول عبادة الله وحده والدعاء له وحده، وهكذا كانت الفرصة مواتية لدعوتها إلى الإسلام، وفي مسجد السليمانية أيضاً.

بعد عودتهما، استمرت دايانا وماريا في التعلّم مع متطوعي الوقف، وبعد أشهر عدّة، عادت ماريا مرة أخرى، لا لزيارة المسجد بصفتها سائحة هذه المرة، لكن للنطق بالشهادة أيضاً، لتدخل الإسلام رفقة صديقتها في احتفال أيضاً.

تقول ماريا لـTRT عربي إنها وجدت في الدين الإسلامي السلام والطمأنينة، وما تحتاج إليه لتنظيم حياتها العملية أيضاً.

وتضيف: "أعمل في إحدى الدول الأوروبية الغربية، والحياة معقَّدة هناك، وكان لديَّ كثير من التساؤلات حول كثير من القضايا المثيرة للجدل، لكنني عندما تعرفت على الإسلام، وجدت كل الأجوبة التي تلامس قلبي وتتوافق مع الفكر المنطقي الذي أحمله".

وتبيّن ماريا أنها لم تتردد كثيراً في اعتناق الإسلام، وما زالت حتى هذه اللحظة تواصل التعلّم، وقد صامت رمضانها الأول بعد إسلامها، كما أنها تصوم رمضانها الثاني هذا العام، وتتردد على مسجد السليمانية، حيث بدأ التغيير الأكبر في حياتها.

TRT عربي