أهمها "نهر هلمند".. ماذا نعرف عن حرب المياه بين إيران وأفغانستان؟ (AFP)
تابعنا

أعلنت إيران يوم السبت إغلاق معبر "إسلام قلعة دوغارون" الذي يربط بين مدينتي هرات الأفغانية ومشهد الإيرانية، والذي يعد أهم معبر حدودي تجاري بين البلدين. وذلك بعد مناوشات نشبت بين حرس الحدود الإيراني وعناصر من حركة طالبان، إثر عمد الأخيرة إلى شق طريق يخترق في مقاطع منه الحدود الإيرانية، حسبما أوردت وكالة "تسنيم" الإيرانية.

وأكد المبعوث الخاص للرئيس الإيراني لأفغانستان حسن كاظمي قمي، في بيان، أن الطريق المذكور "اخترق الحدود بين البلدين"، وإن حرس الحدود الإيراني منع هذه الخطوة. وأردف قمي أن بلاده أثارت القضية مع وزارتي الداخلية والدفاع في حكومة "طالبان"، مشدداً على ضرورة وقف أعمال البناء وحل المشكلة في إطار لجنة الحدود المشتركة.

وتفسر الرواية الأفغانية ما حدث بأن "سيارة تابعة للقوات الإيرانية عبرت إلى الجانب الأفغاني واحتجزها مسؤولون محليون"، حسبما صرَّح به مفوض طالبان في منطقة "إسلام قلعة دوغارون" لتلفزيون "طلوع نيوز" الأفغاني. فيما هي المرة الثانية، منذ استيلاء طالبان على كابل، التي يخوض فيها الجانبان مناوشات حدودية، إذ شهدت المنطقة الحدودية بين شاجلك الإيرانية ونمروز الأفغانية اشتباكات عنيفة لنفس السبب في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

هذه النزاعات ليست إلا غيض من فيض من الملفات الخلافية بين البلدين، والتي تتعدد مواضيعها بين مشاكل الحدود لقضايا اللاجئين، ومن الإشكالات الأمنية إلى قضية المياه. فيما تعد هذه الأخيرة الأكثر احتقاناً، والأكثر تهديداً بكسر الهدوء الهش بين البلدين، ونشوب حرب مياه قد تفتح سيناريوهات عنف خطيرة.

الملف القديم الجديد

الخلاف الإيراني الأفغاني حول الماء يتمحور بالأساس حول نهر هلمند، الذي ينبع من جبال هندوكوش في الشمال الشرقي لأفغانستان، ويصب في بحيرة هامون دخل الأراضي الإيرانية، قاطعاً ما يزيد عن 1300 كيلومتر. ويعد هذا النهر أهم مورد ماء للبلدين، ومنه سبب الخلاف بينهما حول اقتسام حصصهما من تلك المياه.

في سنة 1972، أبرمت الحكومتان الإيرانية والأفغانية اتفاقية اقتسام مياه هلمند، والتي جرى بموجبها الاعتراف بحق إيران في حصة من مياه النهر تعادل 26 متراً مكعبًا من مياه نهر هلمند في الثانية، أي 850 مليون متر مكعب سنوياً، مقابل إمداد هذه الأخيرة أفغانستان بالكهرباء. هذه الاتفاقية التي صمدت إلى حدود سنة 1996، حينما قررت كابل تشييد سد "كمال خان" على مسار النهر لأجل توليد حاجتها من الكهرباء، هذا المشروع الذي سيجرى تعطيله بسبب الحرب التي عرفتها البلاد، قبل أن يُستأنف سنة 2011.

وأتمت أفغانستان بناء السد في سنة 2014، إثرها أعلنت حكومة الرئيس أشرف غني أنه لم يعد من الممكن حصول إيران على حصتها من مياه نهر هلمند بسبب التغيرات المناخية التي أثرت على مستويات تدفق النهر. متهمة إيران بانتقاد خطوة بناء سد كمال خان، لأنه أخرج أفغانستان من مساحة الحاجة إلى استيراد الكهرباء من إيران، وجعلها تقترب من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة الكهربائية.

نفس الاتهامات رددتها حكومة أشرف غني لإيران بخصوص عرقلة سد "سلما"، الذي جرى تدشينه على مسار نهر هريرود المار من ولاية هرات الأفغانية نحو إقليم خرسان الإيراني. وجرى بناء هذا السد بشراكة أفغانية هندية، إذ كان من المفترض له أن ينتج كهرباء بسعة 46 ميغاوات/ ساعة، ويروي أكثر من 80 ألف من الأراضي الزراعية.

فيما نفى القنصل العام الإيراني وقتها تلك الادعاءات قائلاً: "إن مثل هذه القضايا ليست مهمة لحكومة إيران ومعظم الرأي العام وكبار المسؤولين الأفغان يعلمون هذا. لقد ذكروا دائماً أنها مشاكل تقنية وليست أمنية (...) فإنشاء سد في تلك المنطقة الصعبة له مشاكله الخاصة التي بالتأكيد ستواجهها عملية بناء السد وتشغيله، لكن ليس من شرف الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن ترتكب مثل هذا العدوان ضد أفغانستان".

انتفاضات العطش الإيرانية

في 19 يناير/كانون الثاني المنصرم، انتشرت مقاطع فيديو توثق صمامات مياه سد "كمال خان"، ما دفع المواطنين الإيرانيين ومسؤوليهم للاحتفاء بهذه الخطوة "الودية" من حكومة طالبان العائدة حديثاً إلى حكم البلاد. بل وذهب نائب السفير الإيراني في كابول، حسن مرتضوي، إلى تأكيد النبأ قائلاً: "أُفرج عن المياه بعد محادثات مكثفة بين المسؤولين من الجانبين الأفغاني والإيراني في وقت سابق من (ذلك) الشهر".

بيد أن سلطات أفغانستان سرعان ما كذَّبت الخبر، إذ رد المتحدث باسم وزارة المياه والطاقة في حكومة طالبان، بأن بلاده فتحت بالفعل بوابات سد كمال خان "لكن ليس لإرسال مياه هلمند عبر الحدود للوصول إلى إيران، بل لري الأراضي الزراعية في محيط السد".

يأتي هذا في وقت تعيش فيه المنطقة موجة جفاف غير مسبوقة، يقطع سدي "كمال خان" و "سلما" المياه عما يعادل 4.5 مليون مواطن إيراني يعيشون على جانب حوضي كل من نهر هلمند وهريرود. ما أثار احتجاجات عنيفة في كل من ولاية خوزستان وولاية سيستان-بلوشستان، هذه الاحتجاجات التي تمثل ضغطاً على الحكومة الإيرانية من أجل التحرك العاجل في حل الأزمة الحاصلة.

وتشخيصاً لأزمة المياه الإيرانية، وحسب الصحفية المختصة في الشأن الإيراني، ليلى علي، في حديثها إلى TRT عربي، فإن "نصف مشكلة المياه في إيران يقع على أزمة الجفاف التي تمر بها بلدان كثيرة من المنطقة، ومشاكلها مع الجيران في العراق وأفغانستان بخصوص تقاسم مياه الأنهار، والجزء الثاني بسبب سوء إدارة الموارد على طول الحكومات الماضية".

بالمقابل، تقول ليلى علي، فإن الاحتجاجات الأخيرة على المياه في خوزستان " شهدت لغة ناعمة وهادئة من الحكومة الإيرانية على عكس المعتاد، خاصة بسبب طبيعة المحافظة التي عرفت احتجاجات عديدة على البطالة وسوء الأحوال المعيشية والتمييز من قبل الحكومة"، إضافة إلى "ترديد خطاب العدو الذي يقف وراء الاحتجاجات ويؤجج الفتن". وكل ما جرى فعله هو "تهدئة الاحتجاجات من خلال الحرس الثوري الذي عمل على نقل صهاريج من المياه إلى خوزستان أكتر محافظة متضررة من نقص المياه والجفاف".

وأردفت المتحدثة أنه "حالياً بدأت إيران أخذ أزمة المياه بعين الاعتبار، خاصة بعد الحرب الأوكرانية، وعلى سبيل المثال حديث خامنئي قبل أيام عن أنه حزين من أن إيران تستورد الحبوب والقمح والشعير بمبالغ طائلة من روسيا، وأنه يجب العمل على الاكتفاء الذاتي من القمح والشعير وغيره، لكن النقاد قابلوه بأزمة المياه التي حولت الأراضي الزراعية الى صحراء جافة".

وهنا يأتي ما وصفته ليلى بـ "سوء إدارة الأزمة"، إذ توضح أن الحكومة الإيرانية "دأبت على تحويل مسارات الأنهار نحو طهران تفادياً لأي انقطاع في الماء عن العاصمة" ومقابل ذلك "دفعت عدداً من المناطق الريفية لأن تتحول إلى مناطق جدباء".

وتختم المتحدثة بأنه "على المستوى القريب يمكن للحكومة الإيرانية العودة إلى التفاوض مع طالبان من أجل فتح سد "كمال خان" مجدداً كما حدث في يناير/كانون الثاني الماضي".

TRT عربي
الأكثر تداولاً