تابعنا
يؤكد الدكتور محمود سليمان مدير موقع التراث العالمي جزيرة مروي لـTRT عربي أن وجود قوات عسكرية في مواقع أثرية يمثل تهديداً، وأن "الآثار الشاخصة" ستكون المتضرر الأول في حال حدوث اشتباكات، لتأثرها بالاهتزازات الناتجة عن الأسلحة والانفجارات

تتزايد المخاوف المحلية والدولية يوماً بعد يوم من امتداد رقعة الحرب في السودان نحو المناطق الأثرية ومواقع التراث العالمي في السودان.

وأعربت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) عن قلقها من إقامة عمليات عسكرية في المواقع الأثرية في السودان، وحدّدت المواقع الأثرية المدرجة في قائمة التراث العالمي، يأتي ذلك عقب رصد تسلل عدد من أفراد الدعم السريع إلى موقعَي النقعة والمصورات الأثريين في ولاية نهر النيل.

وقالت يونسكو في بيانها المنشور في 19 يناير/كانون الثاني الماضي إنها تلقت تقارير تكشف عن وجود نشاطٍ عسكري في جزيرة مروي الأثرية.

التصعيد العسكري يهدد الآثار

نشر أفراد قوات الدعم السريع صوراً لهم في موقعَي النقعة والمصورات الأثريين في جزيرة مروي على مواقع التواصل الاجتماعي، وسرعان ما تداولت المنصات المختلفة هذه الصور، إذ أبدى مهتمون مخاوفهم من امتداد الصراع إلى المناطق التاريخية والأثرية في السودان، وعقب ذلك أعلن الإعلام الحربي في 16 يناير/كانون الثاني الماضي عن تصدي الفرقة الثالثة مشاة، التابعة لشندي، لمجموعة من العربات القتالية التابعة للدعم السريع في منطقة النقعة والمصورات بولاية نهر النيل.

ويؤكد الدكتور محمود سليمان مدير موقع التراث العالمي جزيرة مروي لـTRT عربي أن وجود قوات عسكرية في مواقع أثرية يمثل تهديداً، وأن "الآثار الشاخصة" ستكون المتضرر الأول في حال حدوث اشتباكات، لتأثرها بالاهتزازات الناتجة عن الأسلحة والانفجارات.

وأدانت وزارة الخارجية السودانية وجود قوات الدعم السريع في منطقتَي النقعة والمصورات الأثريتين، عبر بيانٍ في 17 يناير/كانون الثاني الماضي، معربة عن مخاوفها من تدمير التراث الثقافي في السودان، الذي شمل حتى الآن تخريب متحف السودان القومي ودار الوثائق القومية وعدد من الجامعات والمكتبات العامة وأماكن العبادة التاريخية.

وقالت الخارجية إن النقعة والمصورات يُعَدّان من أبرز المواقع الأثرية المحمية، فيهما مبانٍ يعود تاريخها إلى نحو ثلاثة آلاف سنة، وهما ضمن قائمة التراث الإنساني منذ عام 2011.

مخاوف من سرقة الآثار

شهد موقع النقعة، وهو أحد مواقع التراث العالمي المدرجة في قائمة يونسكو، حادثتين لدخول قوات الدعم السريع، المرة الأولى في 3 ديسمبر/كانون الأول 2023، والمرة الثانية في 14 يناير/كانون الثاني الماضي.

وحول ذلك يقول الدكتور محمود سليمان إنه من خلال متابعتهم "لم يحدث صدام داخل الموقع، ولم يتأثر بالمواجهات التي حدثت، حسب رواية شهود عيان".

ويضيف سليمان أن "الظروف الحالية هي مجال خصب لعمليات الاتجار غير المشروع في الآثار وسرقتها"، مؤكداً أن هناك "تضافراً للجهود لأجل المحافظة على الآثار والعمل على حمايتها بكل الطرق الممكنة، وأنهم لم يشهدوا أي حادثة حتى الآن لسرقة آثار".

وتجري حماية المواقع الأثرية بالحضور الدائم للعاملين فيها، والحرص على التنسيق بين الجهات الأمنية والعاملين في الهيئة العامة للآثار والمتاحف، وعلى تقصي المعلومات والاستجابة المبكرة لأي حادثة، وفق سليمان.

تاريخ العالم والعلوم

وتمثل هذه المناطق الأثرية أهمية قصوى، ليست فقط للسودان وإنما للعالم أجمع، وذلك لوجود علوم فيها لم تُكتشَف حتى الآن، كما يقول الباحث في التاريخ الدكتور عباس أحمد الحاج، مؤكداً أن "انتقال الحرب إلى هذه المنطقة يُعَدّ جرماً عظيماً".

ويضيف أحمد الحاج لـTRT عربي أنه توجد في هذه المنطقة أهرامات الكنداكات، وهي ذات أهمية، حيث آثار أول نساء حكمن في تاريخ العالم كُن في هذه المنطقة.

المواقع الأثرية في جزيرة مروي في السودان. المصدر: يونسكو (Others)

وفي تلك المنطقة بكرة البئر التي توضع في الآبار العميقة، حيث هناك بئر الشاوي التي يُجَر فيها الدلو بالإبل وتقطع الإبل مسافات طويلة حتى يخرج الدلو من البئر، مما يطرح تساؤلات عميقة، منها: كيف حُفرت هذه الآبار؟ وكيف بُنيت بالحجارة؟ وأين وجدوا الأكسجين ليصلوا إلى كل هذه الأعماق؟ حتى الآن لا أحد يعرف كيف حُفرت هذه الآبار العميقة.

ويؤكد الباحث في التاريخ أهمية هذه المنطقة التي تتضمن المرسم الفلكي في البجراوية، الذي كان أهل البجراوية يعرفون به المسافة إلى القمر، وكان أهل مروي يعرفون المسافة إلى القمر والمسافة إلى كل النجوم باستخدام علم الفلك وحساب المثلثات، إذ يسير أهل السودان حتى الآن في الصحارى بهذه النظرية القديمة، وتوجد فيها الرسومات الموجودة في المصورات الأثرية الفريدة، التي رُسِم فيها علم الفلك، ورُسِمت على الجدران علوم لم يصل إليها العالم حتى الآن.

ويوضح أحمد الحاج أن "انتقال الحرب إلى المناطق الأثرية بالسودان يمثل أمراً خطيراً، وأن الآثار في منطقة النقعة والمصورات من أقدم آثار العالم، حيث شهدت مناطق مروي والبجراوية والنقعة والمصورات أهم الحروب في تاريخ العالم".

رجل يسير بجوار المقابر الملكية لأهرامات مروي في البجراوية بولاية نهر النيل بالسودان، 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2019. المصدر: رويترز (Reuters)

ويشير إلى أن منطقة مروي شهدت عدداً من الأحداث التاريخية المهمة، فقد شهدت هزيمة الروم سنة 42 ق.م شمال مروي، وشهدت المنطقة هزيمة الإمبراطور الفارسي قمبيز المفقود سنة 525 ق.م الذي كان عدد مقاتليه نحو 50 ألف مقاتل، وتوجد بمروي مُعَدّات علم الميكانيكا الخمسة.

دعوة لحماية الآثار

وقدّم عدد من المهتمين بالآثار والسياحة دعوات لحماية مناطق الآثار والمناطق التاريخية من خطر الحرب، ودعوا لإبعاد خطر الحرب عنها، فيما أدانت الشبكة الإقليمية للحقوق الثقافية (السودان) دخول قوات الدعم السريع لموقعَي النقعة والمصورات الأثريين للمرة الثانية.

وقالت في بيانها المنشور بتاريخ 16 يناير/كانون الثاني الماضي إن "هذه المواقع الأثرية تُعتبر من أهم المواقع التاريخية المسجلة ضمن قائمة التراث العالمي"، معربة عن مخاوفها من تعرض المواقع الأثرية للتخريب والدمار والنهب والسرقة، وحذرت من مغبة تحويل مناطق الآثار التاريخية والثقافية إلى ساحات معارك بين الجيش والدعم السريع.

وانطلقت الحرب في السودان يوم 15 أبريل/نيسان عام 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ودُمّر على إثرها عدد من المباني التاريخية والمعالم الأثرية في ولاية الخرطوم.

TRT عربي
الأكثر تداولاً