قصر الباب العالي (توبكابي) في مدينة إسطنبول (Others)
تابعنا

وقع الاختيار مؤخراً على القصر العثماني المسمى "الباب العالي" أو "توبكابي" بصفة أجمل قصر في العالم حسب دراسة أجريت في إنجلترا، إذ اختار موقع "money.co.uk" الإنجليزي القصر ليحل في المرتبة الأولى تاركاً وراءه العديد من القصور العالمية الشهيرة، وذلك وفقاً لمعايير "النسبة الذهبية" التي تكشف عن كمال الاتصال الرياضي والهندسي لأجزاء العمل المعماري من حيث التناغم.

ويعد قصر الباب العالي، المدرج على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي العالمي، أحد أكبر القصور العثمانية داخل حدود مدينة إسطنبول عاصمة الدولة العثمانية سابقاً، إلى جانب كونه مركزاً خاصاً لإقامة سلاطين الدولة العثمانية لقرابة أربعة قرون من عام 1478 إلى عام 1856.

وعلى الرغم من أن القصر لم يكن يحتوي على مظاهر الترف التي كانت تشتهر بها قصور تلك الحقبة الزمنية، فإنه يعد من أهم النقاط السياحية في مدينة إسطنبول التي تجذب ملايين السياح سنوياً من محبي التاريخ والثقافة العثمانية الإسلامية، كيف لا وقد تحول القصر عام 1924 إلى متحف يحوي العديد من الأثار الإسلامية المقدسة وغيرها العديد من التحف والملابس والأسلحة التي استخدمت طوال فترة الحكم العثماني.

بني بأمر من محمد الفاتح

في أعقاب فتح مدينة إسطنبول عام 1453 توافرت حاجة إلى بناء قصر كبير يليق بمكانة السلطان العثماني ومملكته الآخذة في الاتساع، ولأجل ذلك أمر السلطان العثماني محمد الثاني (الفاتح) عام 1459 ببدء أعمال بناء القصر الجديد فوق أنقاض الحصن البيزنطي الذي كان مبنياً فوق تلة مطلة على مضيق البوسفور والقرن الذهبي ومعظم مناطق إسطنبول التاريخية، بالقرب من آيا صوفيا الواقعة داخل شبه الجزيرة التاريخية.

وبحلول عام 1478، تم الانتهاء من أعمال بناء القصر الجديد الذي تحول إلى مركز إداري للدولة العثمانية ومقراً رسمياً للسلاطين العثمانيين لمدة تقارب الـ 380 عاماً، حتى قيام السلطان عبد المجيد ببناء قصر دولما بهجة ونقل مراكز الحكم إليه باستثناء وزارة الخزانة والمكتبة.

وأطلق على القصر الذي كان يقيم به قرابة 4 آلاف شخص إبان ذروة الدولة العثمانية اسم "القصر الجديد" المأخوذ من التسمية العثمانية "سراى جديد عامره"، وبقي يسمى بالقصر الجديد حتى القرن الثامن عشر، ليأخذ بعد ذلك اسمه الحالي "توبكابي" منذ عهد السلطان محمود الأول، الذي يعني بالتركية "بوابة المدفع"، وذلك بعد احتراق جزء من المبنى وإعادة تجديده.

ويذكر أن القصر أخذ اسم "الباب العدلي" في بداية القرن التاسع عشر نسبة إلى سلطان تلك الفترة محمود الثاني المعروف باسم محمد العدلي، ليطلق عليه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الاسم المعروف حالياً: "الباب العالي".

أقسام القصر

ويتألف القصر الذي بني على مساحة 700 ألف متر مربع، من أربعة أفنية رئيسية وعدد من المباني الأخرى الموزعة ما بين مساكن ومطابخ ومساجد ومستشفى وغيرها، وتبلغ مساحة المباني الإجمالية حوالي 80 ألف متر مربع. وخضع القصر لأعمال توسعة على مر العصور، وتم تجديده بعد زلزال 1509 وحريق 1665.

وكان القصر الذي بُني على هيئة مجموعة من المباني المترابطة من خلال ممرات وحدائق وساحات مقراً للسلطان وحاشيته، كما اعتبر أيضاً مكاناً رسمياً لاستقبال الضيوف والسفراء. وسمي مدخل القصر المكون من برجين على شكل منارة "الباب الهمايوني" أو "باب السلطنة". كما ينقسم القصر إلى قسمين رئيسيين هما: "بيروني" الذي يضم أبنية الخدمات في الساحة الأولى والثانية، و"أندروني" الذي يضم الأبنية المتعلقة بمؤسسات القصر الداخلية.

ويتكون القصر من عدة أجنحة، أهمها: جناح العهد، وجناح والدة السلطان، وديوان السلطان ووزرائه، وكذلك جناح لكل زوجة من زوجات السلطان، إضافة إلى متحف للهدايا التي تهدى إلى السلطان، وساحة للاحتفالات، وأجنحة الحراس والخدم. فيما يحتوي القصر الداخلي على المباني التالية: باب السلام، جناح المطبخ، باب السعادة، غرفة العرض، قصر الفاتح، غرفة الحكيم باشا، جامع الأغوات، الخزانة الداخلية، خزينة الراحة، الحظائر الست قباب، مكتبة أحمد الثالث، غرفة الختان، مقر مراد الثالث.

ومن الأقسام الرئيسية التي يضمها قصر "توبكابي" هو قسم "الحرملك" المعد خصيصاً لسكن جواري السلطان، والذي كان بالعادة يخضع لإشراف والدة السلطان نفسه. ويحوي القسم 400 غرفة يمكنها استيعاب أكثر من 300 جارية.

متحف الباب العالي

في أعقاب تأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك في 29 أكتوبر/تشرين الأول 1923، حولت الحكومة التركية القصر إلى متحف بتاريخ 3 أبريل/نيسان 1924، وانتقلت أمور إدارة القصر إلى وزارة الثقافة والسياحة التركية وحراسة الجيش التركي.

ويحتوي القصر على العديد من الأمثلة للهندسة المعمارية العثمانية التي صممها محمد الفاتح بنفسه، وأعمال وتصاميم من توقيع سنان باشا وداود آغا، وسركيس باليان. كما تحتوي غرفته وممراته أعداداً كبيرة من الخزف والألبسة والأسلحة والدروع والمنمنمات العثمانية والمخطوطات الإسلامية والمجوهرات العثمانية.

بالإضافة إلى الآثار المقدسة المحفوظة داخل ما يسمى "جناح خرقة السعاد"، كسيف النبي محمد صلى اللّه عليه وسلم، وبردته، وأثر قدمه، وقوسه، وشعيرات من لحيته الشريفة، وبعض الأغراض الأخرى. كذلك يحتوي الجناح على سيوف الخلفاء الراشدين، وعمامة تنسب إلى النبي يوسف عليه السلام.

TRT عربي