تحول الأزهر من كونه صرحاً شيعياً إلى أكبر منارة لنشر المذهب السني. (Others)
تابعنا

في عهد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس، وتحديداً يوم 17 ديسمبر/كانون الأول من عام 1267، أقيمت صلاة الجمعة لأول مرة في الجامع الأزهر في القاهرة، وذلك بعد أن حظرها صلاح الدين الأيوبي عقب فتحه لمصر عام 1171، بسبب التعاليم الشافعية، التي ينتمي إليها صلاح الدين ومن خلفه الأيوبيون، والتي تمنع عقد خطبة الجمعة في أكثر من مسجد في المنطقة الواحدة.

وجامع الأزهر، الذي رجّح المؤرخون أن الفاطميين سموه تيمناً بفاطمة الزهراء ابنة النبي محمد عليه السلام وإشادة بذكراها، كان قد بُني على يد جوهر الصقلي عندما دخل القاهرة فاتحاً عاماً 970، بأمر من المعز لدين الله أول الخلفاء الفاطميين في مصر.

وحتى يومنا الحالي، يعتبر الجامع الأزهر أحد أهم مساجد مصر على الإطلاق، وواحداً من أشهر الصروح الإسلامية التاريخية في العالم التي ما زالت تُعنى بنشر الإسلام وتعاليمه منذ أكثر من ألف عام.

أقدم وأشهر صرح شيعي

في أعقاب دخول الجيش الفاطمي لمصر عام 969، شرع جوهر الصقلي في تأسيس مدينة القاهرة وبناء القصر الكبير الذي سيقيم به الخليفة المعز لدين الله عند نزله واستقراره في مصر، في تلك الأثناء وبأمر المعز نفسه وضع الصقلي حجر الأساس لجامع الأزهر منتصف شهر رمضان عام 970، ليتم الانتهاء منه ويكون جاهزاً لإقامة الصلاة في شهر رمضان من عام 972.

وفور تدشينه للعبادة بداية عهد الدولة الفاطمية بمصر، أصبح الأزهر مسجداً جامعاً للمدينة حديثة النشأة أسوة بجامع عمرو في الفسطاط وجامع ابن طولون في القطائع. وإلى جانب كونه مسجداً، أعد وقتها ليكون معهداً تعليمياً لتعليم المذهب الشيعي ونشره في أنحاء مصر.

ويعتبر الأزهر منذ إنشائه قبل نحو 1049 عاماً، كثاني أقدم جامعة قائمة بشكل مستمر في العالم بعد جامعة القرويين، حيث كان الأول في مصر الذي يحتضن دروساً بتكليف من الدولة ويؤجر عليها العلماء والمدرسون، وذلك بعكس جامع عمرو بن العاص في الفسطاط الذي يستضيف حلقات الدرس تطوعاً وتبرعاً.

أفول نجم الأزهر

عقب دخول الأيوبيين إلى مصر عام 1171 بعد سقوط الدولة الفاطمية، حارب صلاح الدين الأيوبي المذهب الشيعي والحد من انتشاره وبدأ بمؤازرة المذهب السني الشافعي، ولهذا أهمل المسجد وأفل نجمه بعد أن حظر القاضي الأيوبي بن درباس إقامة الصلاة فيه، حيث إن الفقه الشافعي يرى بعدم جواز خطبتين في بلد واحد، لذلك استعيض عنه بمسجد الحاكم بأمر الله لإقامة صلاة وخطبة الجمعة.

وفي السنوات التالية، أمر صلاح الدين الأيوبي أيضاً بإزالة شريط فضة أدرجت فيه أسماء الخلفاء الفاطميين من على محراب المسجد. ومع كل ذلك لم يتجاهل صلاح الدين الأيوبي تماماً صيانة المسجد، فوفقاً لبعض المؤرخين الإسلاميين فإن إحدى مآذن المسجد رممت خلال فترة حكم صلاح الدين.

وبعد سقوط الدولة الفاطمية لم يأفل نجم المسجد وحسب، بل أفل معه نجم الأزهر كمركز للتعليم الديني، وذلك بعدما سُحب تمويل المدرسين والطلاب، الأمر الذي تسبب بتوقف دروس الفقه في المسجد وتعرضت مكتبته الضخمة للإهمال ودُمرت مخطوطات التعاليم الفاطمية التي كانت تُدرَس بين جدرانه.

منارة لنشر المذهب السني

تحسنت حظوظ الأزهر في عهد المماليك، وتحديداً في عهد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس، الذي أمر بإقامة صلاة الجمعة لأول مرة فيه بعد أن حظرت في عهد الأيوبيين لقرابة قرن من الزمن، وذلك لأن المذهب الحنفي الذي كان ينتمي إليه المماليك لم يكن يحظر إقامة الصلاة والخطبة بأكثر من مسجد، فضلاً عن التوسع السريع التي شهدته القاهرة زاد من الحاجة إلى إعادة استخدام المسجد وتجاهل تاريخه الشيعي.

ولم يستعد الأزهر شهرته كمسجد وحسب في عهد المماليك، بل رجع ليكون منارة لنشر تعاليم الإسلام وفقاً للمذهب السني الذي كان سائداً وقتها، حيث أمر بيبرس بإعادة رواتب المدرسين والطلاب.

فمنذ حقبة المماليك وحتى يومنا الحالي، أظهر كل من حكم مصر اهتماماً ملحوظاً بترميم الأزهر وصيانته وأُوقفت عليه أوقاف كثيرة، ولكثرة أعمال الصيانة والترميم التي تعرضها لها الجامع على مر العصور تغير الكثير من معالمه الفاطمية، ومع ذلك لا يزال يعد أقدم أثر فاطمي قائم بمصر.

وتجدر الإشارة إلى أن الملك فؤاد الأول أصدر قراراً عام 1930 أنشئت بموجبه كليات أصول الدين والشريعة واللغة والعربية، ليصبح الأزهر بعدها جامعة مستقلة في عام 1961. ولليوم تعتبر جامعة الأزهر الأولى في العالم الإسلامي لدراسة المذهب السني والشريعة الإسلامية.

TRT عربي