تابعنا
يبدو أن قصة الحب غير التقليدية كما هي فيلم Her بدأت التسلل إلى واقعنا، وأنّ شركات التكنولوجيا اختارت أن تكون طرفاً في تحديد خياراتنا العاطفية، فهل نحن مستعدون لذلك وهل سنوافق عليه؟

دارت أحداث فيلم "Her" الذي جرى إطلاقه عام 2013 بقيام بطل الفيلم "خواكين فينيكس" بتطوير نظام ذكاء صناعي يتكلم بصوت أنثوي جميل.

ومع تطوّر أحداث الفيلم يقع فينيكس في حب تلك الفتاة الافتراضية التي تتكلم معه وتبادله نفس المشاعر وتملي عليه الفراغ الذي يعيشه بسبب عزلته.

يبدو أن قصة الحب غير التقليدية تلك بدأت التسلل إلى واقعنا، وأنّ شركات التكنولوجيا اختارت أن تكون طرفاً في تحديد خياراتنا العاطفية، فهل نحن مستعدون لذلك وهل سنوافق عليه؟

تتحكم الخوارزميات وأنظمة الذكاء الصناعي بكثير مما نفعله على الإنترنت، فهي تخبرنا بما يجب شراؤه من متجر Amazon، ومكان التقدم للوظائف المناسب على منصة LinkedIn، والأصدقاء الذين تجب إضافتهم على Facebook.

يمكن القول إن الذكاء الصناعي (AI) هو بالفعل الأداة التي لا غنى عنها في القرن الحادي والعشرين.

تتنامى قدرات تلك الخوارزميات بشكل يوماً بعد آخر، تقريباً لم يبقَ مجال لم تدخله أنظمة الذكاء الصناعي.

ومع اصطدام المستقبل بنا بسرعات أعلى من أي وقت مضى، فإن الطرق التي نعيش بها وطرق اختيار شريك الحياة باتت مهيأة للتغيير ربما بشكل أكثر دراماتيكية، وهو المجال الذي بدأ التنامي خلال السنوات القليلة الماضية، فكيف سنتأثر بها، وكم نحن مستعدون لذلك التغير؟

الحب الرقمي  (Getty Images)

الحب الرقمي.. العزلة.. اختيار الشريك.. كيف ستكون بعصر الخوارزميات؟

قبل ما يقارب 8000 عام قبل الميلاد، وتحديداً بعصر "الثورة الزراعية" تشكَّلت أولى صور الزواج المعروفة إلى يومنا هذا.

في ذلك الوقت تُختار الزوجة المناسبة للزوج حصراً من قبل كبار السن في العائلة من الجد أو الجدة أو الأبوين من دون أي رأي للعروسين، المهم الحفاظ على نسل العائلة بالاستمرار وبما يضمن تجدد الأيدي العاملة في الحقل.

بدأت الأمور تتغير بالقرن الـ18، فانتزعت الثورة الصناعية ملايين الناس بعيداً عن العمل الزراعي إلى المدن الحديثة حيث المصانع المنتشرة في كل مكان.

في تلك الفترة في أوروبا ولأول مرة بدأ الشباب الاختلاط بشابات وشبان خارج حدود العائلة، وفي هذه المرحلة كان للشباب دور في اختيار شريك الحياة وتأسيس عائلة والسكن ضمن وحدات سكنية صغيرة.

لكن مع الانفجار التكنولوجي الذي حدث أواخر القرن الـ20 وانتشار خوارزميات الذكاء الصناعي بشكل غير مسبوق في السنوات القليلة الماضية، تغيّرت أشكال التعارف مرة أخرى. إذ فرضت التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي شكلاً جديداً على الحياة، بات الناس أكثر انعزالية من ذي قبل، ووسيلة تعارفهم الرئيسية باتت الشبكات الاجتماعية.

ووفقاً لِمسح أمريكي أجري حديثاً فإنّ ما يقرب من 40% من الأزواج التقوا عبر الإنترنت.

مع الانفجار التكنولوجي، تغيرت أشكال التعارف بين الناس مرة أخرى (Getty Images)

ولكن يوجد سؤال يطرح نفسه، هل الخوارزميات قادرة على حل مشكلات الانعزال والزيجات الفاشلة بين الناس؟

لإجابة هذا نأخذ اليابان مثالاً، في اليابان ظاهرة تسمى "هيكيكوموري" انتشرت بشكل كبير، وتعني الانسحاب الاجتماعي أو العزلة لدى المراهقين والبالغين.

وزارة الصحة اليابانية تطلق هذا المصطلح على الأشخاص الذين يرفضون الخروج من منازلهم ويرفضون التفاعل مع المجتمع عن طريق اعتزالهم في المنزل لفترة زمنية طويلة تزيد على ستة أشهر.

ونظراً إلى قلق الحكومة اليابانية من انخفاض معدل المواليد أعلنت السنة الماضية أنها سَتنفق قرابة 20 مليون دولار لدعم برنامج قائم على الذكاء الاصطناعي يعمل على الموافقة بين الشباب وترشيح خيارات مناسبة لهم.

ما المواعدة عبر الإنترنت؟

المواعدة عبر الإنترنت هي التوفيق بين الأشخاص عبر الخوارزميات.

تطرح عليك معظم التطبيقات المخصصة لهذا الغرض سلسلة من الأسئلة أو تطلب منك سرد التفضيلات التي تقيَّم إجاباتها بخوارزمية تستخدم لترشيح أقران مناسبين.

تفترض تلك التطبيقات أن "الحب" قابل للقياس إلى حد ما، الحب له أنماط وخصائص تختلف من شخص إلى آخر، وهذه الخوارزميات تستفيد من تلك الأنماط للتوصية بشركاء متوافقين عبر الشبكة.

بلغت إيرادات الشركات المتخصصة بالمواعدة مليار دولار عام 2019، ومن المتوقع أن تصل إلى 1.1 مليار دولار عام 2024.

يوجد الآن قرابة 45 شركة خاصة بتطبيقات المواعدة، أبرزها شركة "Match" و"OkCupid" و"Tinder".

جمعت شركة Match ومنافسيها مجموعة غنية من البيانات الشخصية يمكن للذكاء الصناعي تحليلها للتنبؤ بكيفية اختيار الشركاء.

على سبيل المثال يحتوي التطبيق على روبوت محادثة مدعوم بالذكاء الاصطناعي يُدعى "Lara" يجري محادثة مع المستخدمين ويقدم قرابة 50 اقتراح بناءاً على بياناتهم.

كيف تجمع خوارزميات المواعدة البيانات؟

توجد طرق عدة تجمع فيها الشركات بيانات وتفضيلات الأشخاص المناسبة لتحليل نفسيتهم وسلوكهم وتقديم خيارات للشركاء، أهمها:

منصات التواصل الاجتماعي:

من خلال منصات التواصل الاجتماعي يمكن للشركات جمع قدر كبير من البيانات من خلال فحص المنشورات العامة لشخص ما على مواقع التواصل مثل فيسبوك وتويتر وانستغرام.

الواقع الافتراضي والألعاب الافتراضية مكان آخر لجلب البيانات:

الواقع الافتراضي بدأ بإثبات نفسه خلال السنوات القليلة الماضية، إضافة إلى تطبيقات الواقع الافتراضي توجد ألعاب الواقع الافتراضي الشهيرة مثل لعبة "Second Life" التي يبني بها المستخدم حياة افتراضية بالكامل، وضمن فقرات اللعبة اختيار شريك الحياة المناسب.

طريقة عمل الخوارزميات

بعد جمع البيانات من مصادر عدة تضع الخوارزميات تقييمات وإحصائيات مختلفة، بدءاً من التفضيلات المناسبة، إلى مقارنة المستوى الثقافي والفكري، إلى تفضيلات المستخدمين وإعجاباتهم على منصات التواصل.

كلما زاد حجم التطبيق الذي يسحب البيانات زادت احتمالية العثور على شخص يلبي التفضيلات التي يرغبها المستخدم.

على سبيل المثال يضع المستخدم مجموعة من المواصفات التي يرغب بها المستخدم، ثم تعمل تلك الخوارزميات بإضافة تلك المواصفات مع البيانات التي جمعتها وتحللها ضمن معادلات رياضية، بعد ذلك تطرح على المستخدم اقتراحات مختلفة ضمن نسب متدرجة تناسب بياناته.

من أشهر خوارزميات الذكاء الصناعي التي تستخدم للمواعدة خوارزمية تدعى "Gale-Shapley" التي ترتكز عليها أغلب برامج المواعدة في الوقت الحالي.

TRT عربي