اللغة الروسية تغادر أوزباكستان والتركية تعود للهيمنة (TRT 2)
تابعنا

في الفترة التي كانت بها أوزبكستان تحت مظلة الاتحاد السوفييتي بين عامَي 1917 و1991 عانت اللغة الأوزبكية على حساب اللغة الروسية، خصوصاً بعد أن أصبحت الأخيرة لغة رسمية للبلاد حالها كحال اللغة الأوزبكية. وخلال تلك الفترة، كانت تُعتبر اللغة الروسية لغة النخبة والمفكرين فضلاً عن حلولها كحلقة الوصل بين الأقليات العرقية الأخرى (غير التركية).

وبعد عديد من المحاولات التي استمرّت لعقود، نجحت أوزبكستان الشهر الماضي في إعادة الصفة الرسمية مجدداً للغة البلاد الأصلية، اللغة الأوزبكية. فقد أصدر رئيس الدولة شوكت ميرزاييف، تعميماً إلى مؤسسات الدولة باستخدام اللغة الأوزبكية والحروف اللاتينية في كتابة أسماء الأماكن والطرق والمؤسسات والوثائق الرسمية بدءاً من 1 أغسطس/آب الجاري.

وفور إعلان إدارة أوزبكستان أنه من أجل القضاء على الالتباس وتنفيذ الأحكام الدستورية بالكامل، عُلّق استخدام الأبجدية السيريلية وحُوّلت إلى الأبجدية اللاتينية التي تشمل أيضاً الحروف التركية، جاءت التهاني من تركيا تباعاً، مشجعة وداعمة لهذه الخطورة. ومن أبرزها ما كتبته النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، الدكتورة فاطمة أكسال، التي كتب مغرّدة على حسابها الشخصي على موقع تويتر "مبروك للأخت أوزبكستان".

محاولات متواصلة

في طريق تخلّيها عن الأبجدية السيريلية (الأقرب إلى الروسية) وبدء استخدامها الأبجدية اللاتينية التي تحوي الأحرف التركية، تخطّط أوزبكستان للتخلي أيضاً عن اللغة الروسية تماماً اعتباراً من 1 من يناير/كانون الثاني 2023، وفتح المجال أمام اللغة التركية الأوزبكية لتصبح اللغة الرسمية الوحيدة في البلاد.

يُذكر أنه بعد تفكُّك الاتحاد السوفييتي، وبالتزامن مع محاولات دول مثل أوكرانيا وليتوانيا وإستونيا ولاتفيا للحد من الاعتماد على اللغة الروسية، حدثت محاولات مشابهة أيضاً في جمهوريات آسيا الوسطى لإعادة هيمنة اللغة التركية، لغة القبائل التركية هناك، إذ لم تتوقف مساعي كل من كازاخستان وأوزبكستان لنقل لغتَي البلاد من الأحرف السريانية إلى اللاتينية.

وفي عام 1993 نجحت أوزبكستان لأول مرة باستخدام الأبجدية اللاتينية لكتابة اللغة الأوزبكية، إلا أن المحاولات الروسية لم تتوقف لثني إدارة البلاد عن هذا القرار، متذرعةً بأن هذا الانتقال من شأنه أن يُلحِق ضرراً بإلمام الشعب باللغة الأوزبكية. لكن ضغوط روسيا تلك لم تكن بهدف حماية اللغة الأوزبكية، فضلاً عن مصالح السكان المحللين، بل خوفاً من أن تسلك جمهوريات آسيا الوسطى نفس الطريق الذي سلكته أوزبكستان في التحول باتجاه الأبجدية اللاتينية.

اللغة الأوزبكية

يُطلَق على السكان الذين يستوطنون أوزبكستان "الأوزبك"، وهم إحدى الجماعات أو القبائل التركية التي سكنت وسط ما يُعرَف اليوم بآسيا الوسطى، ويتكلمون اللغة الأوزبكية التي هي فرع من شجرة اللغات التركية، كما يُعَدّ الأوزبك الشعب الثاني بعد الأتراك الذي يتحدث باللغة التركية، إذ يتحدث بها قرابة 35 مليون شخص، 27 مليوناً منهم في أوزباكستان.

واللغة الأوزبكية التي تعود أصولها إلى مجموعة اللغات التركية الشرقية أو الأويغورية التركية، إلا أنها تحوي عديداً من الكلمات والمصطلحات من عدد من اللغات التي تأثرت بها على مدار قرون ماضية، وأبرزها العربية والفارسية والروسية والمنغولية والطاجيكية، كما أن الأوزبكية تمتاز بحروف العلة التي دخلتها من اللغتين الفارسية والطاجيكية.

وتُعتبر اللغة الأوزبكية اللغة الأم لنحو 27 مليون أوزبكي من مجموع السكان الإجمالي البالغ 32 مليون نسمة، لكن حالها كحال جميع اللغات تقريباً، فعلى الرغم من وجود لهجه أوزبكية فصحى، يوجد عديد من اللهجات المحلية التي تُستخدم بكثرة عند التكلم بالأوزبكية، الأمر الذي يشكّل صعوبة في التواصل أحياناً بين مكونات الشعب الواحد.

وإلى جانب الأوزبك، تتحدث الأقليات العرقية الأخرى التي تسكن أوزبكستان اللغة الأوزبكية، كما يشير بعض الإحصائيات إلى وجود قرابة 4 ملايين شخص من المتحدثين بالأوزبكية في أفغانستان المجاورة، بالإضافة إلى مليون في طاجيكستان، و900 ألف آخرين في قيرغيزستان، ونحو 300 ألف في تركمانستان، وعدد جيد في الصين التي تعترف رسمياً بالأوزبك كأقلية عرقية يسكنون أراضيها.

رحلة الأبجدية الأوزبكية

كُتبت اللغة التركية الأوزبكية بثلاث أبجديات مختلفة على مدار القرون الماضية، بدءاً من الأبجدية العربية التي استُخدمت منذ القرن الثامن، مروراً بالأبجدية السريانية التي فرضها الاتحاد السوفييتي بين عامَي 1917 و1991، وصولاً إلى الأبجدية اللاتينية التي استُخدمت بشكل رمزي بعد نيل الاستقلال عام 1991، والتي أضحت الأبجدية الرسمية للبلاد منذ بداية الشهر الجاري.

وتُعتبر الأبجدية العربية الأبجدية الأطول هيمنة على اللغة الأوزبكية بين الأبجديات الأخرى، إذ استُخدمت منذ القرن الثامن الميلادي تزامناً مع دخول الأوزبك الإسلام والانصهار الثقافي الذي عاشوه مع العرب والفرس على حد سواء، وحتى بداية فترة الحكم السوفييتي للبلاد منذ عام 1917، بقيت الأبجدية العربية مؤثرة في لهجات العامة ومسؤولي الدولة طوال فترة الحكم السوفييتي.

ولكن بعد دخول أوزبكستان تحت مظلة الحكم الروسي السوفييتي الاستعماري، تسارعت المحاولات الروسية لسلخ الهوية الإسلامية عن أوزبكستان وإلباسها لباس العلمانية الشيوعية، ولإنجاح ذلك غيّرت الأبجدية الأوزبكية التي تستخدم الأحرف العربية إلى الأبجدية اللاتينية عام 1928، ومن ثم استبدلت بها الأبجدية السريانية بدءاً من عام 1940، في أطار المساعي الروسية الرامية إلى فرض الروسية لغةً رسمية لجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق.

وفور نيل أوزبكستان استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، توالت المحاولات لاستحداث أبجدية لاتينية جديدة للغة الأوزبكية، في إشارة إلى تحرُّرها من الحكم السوفييتي وهيمنته الثقافية. ومنذ ذلك الوقت صدر عديد من القرارات لاعتماد الأبجدية اللاتينية، إلا أنها لم ترقَ إلى مستوى التغيير الحقيقي والجذري لغاية الإعلان عن الإصلاحات الأخيرة في مايو/أيار 2019، وما لحقها من صدور للقرار الرئيسي الذي أوصى مؤسسات الدولة باستخدام اللغة الأوزبكية والأحرف اللاتينية في كتابة أسماء الأماكن والطرق والمؤسسات والوثائق الرسمية بدءاً من 1 أغسطس/آب الجاري.

TRT عربي