تابعنا
يلجأ الأطفال في قطاع غزة أكثر فأكثر إلى العمل لإعالة عائلاتهم، بسبب الفقر والحصار المفروض على القطاع، ويُحرمون بذلك من أبسط حقوق الطفولة. جاسر الحمامي أو بائع الجوارب الفنان واحد من هؤلاء الأطفال. اكتشف قصّته المؤثرة.

غزة ــــ دفعت الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطنون داخل قطاع غزة وانتشار البطالة والحصار الإسرائيلي، إلى أن يعمل أطفالهم في سنّ مبكرة من أجل توفير أدنى متطلبات الحياة ومشاركة ذويهم مصدر رزقهم، ورغم أن هؤلاء الأطفال يقضون أغلب أوقاتهم في الأسواق فإن كثيراً منهم يمتلكون مواهب متعددة، لكن مواهبهم مدفونة بسبب غياب الدعم المطلوب.

بائع فنان

الطفل الفلسطيني جاسر الحمامي، أو الفنان بائع الجوارب، نموذج من مئات الأطفال الذين يعولون أسرهم، انتشر له مقطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي وهو يغني بشكل مميَّز تفاعل معه النشطاء.

اضطُرّ الطفل جاسر إلى ترك المدرسة هذا العام والعمل على بسطة صغيرة لا تتجاوز مساحتها متراً واحداً، يبدأ الحمامي يومه مع الساعة الثامنة من صباح كل يوم، يخرج من بيته بحيّ الصبرة بمدينة غزة سيراً على الأقدام متوجهاً إلى شارع عمر المختار، أحد الشوارع الرئيسية للمدينة، حيث مكان بسطته الصغيرة.

فور وصوله يجلس على بسطته ويرتّب جواربه لتكون لافتة للزبائن، وإذا ما شعر بأن الزبائن لا يقبلون عليه فإنه يغني لجذبهم بصوته وبطريقته الخاصة، يصدح بصوته ببعض الأغاني الوطنية الفلسطينية، مثل "يا توتة الدار صبرك على الزمان إن جار لا بد أن تعود مهما طول المشوار"، يغنِّي لأم كلثوم والمغني المصري عبد الحليم حافظ، ونجم أراب آيدول محبوب العرب الفلسطيني محمد عساف وعديد من نجوم الفن.

يقول الطفل الحمامي (12 عاماً) وهو ينادي على بضاعته: "جرابين يا حلوين جرابين"، " تعلمت الغناء قبل أربع سنوات عندما كنت آخذ هاتف والدي المحمول وأستمع إلى الأغاني وأردّدها إلى أن حفظت عديداً من الأغاني المختلفة والمتنوعة التي أغنيها كل يوم، فخلال يوم واحد أحفظ الأغنية التي أستمع إليها".

ترك المدرسة من أجل العمل

ويضيف الحمامي: "أبيع الجوارب في الفترة الحالية لأن هذه الفترة يقبل الناس فيها على شراء الجوارب لأننا في فصل الشتاء. تركت المدرسة من أجل مساعدة عائلتي في المصاريف المنزلية، بخاصة أن والدي عاطل عن العمل ومصاب في قدمه ويحتاج إلى علاج يومي. في الأوقات التي لا يكون فيها الزبائن مقابل بسطتي أغني فيجذبهم صوتي".

ويشير الحمامي إلى أن الناس عندما يشاهدونه مارّاً من أمامهم يتحدثون بأنه "قد أتى الفنان"، وفي بعض الأحيان المطرب، ويطلبون منه الغناء ويستمعون إليه بكل تمعُّن ويشعرون بالسعادة بعد سماعه. يحلم الطفل جاسر بأن يصبح مثل محمد عساف وأن يسافر من أجل المشاركة في مسابقات غنائية على المستوى العربي.

يستمر الطفل الحمامي في مهنة البيع حتى الساعة التاسعة ليلاً، فيوم عمله شاقّ، مرهق وممزوج بالسعادة لكونه أسعد مَن حوله بصوته، فهو يحصل يوميّاً على مبلغ دولارين حصيلة بيعه، ولا يكفيه ذلك المبلغ لشراء متطلبات عائلته.

يحمل الطفل ياسر ما تَبقَّى من جوارب ويذهب إلى منزله البسيط، وعندما يصل يحتضنه والده بكل حب وحنان، في تلك اللحظة كانت الابتسامة تعلو محيَّاه، وكانت عائلته مجتمعة يتبادلون الأحاديث، يقول والده أحمد: "تَعلَّم الغناء عن طريق سماعه للأغاني عبر هاتفي المحمول، يسمع الأغنية، وبعد يوم يأتي وهو يحفظها غيباً".

ويضيف لـTRT عربي: "تعرضت لإصابة في قدمي عام 2000 وأصبحت على أثرها غير قادر على عول عائلتي التي تتكون من ثمانية أفراد؛ يساعدني جاسر على شراء الاحتياجات الأساسية للمنزل وشراء الدواء الذي يكلّف 100 دولار أسبوعيّاً".

ويتابع: "أحلم بأن يكون طفلي فناناً، لأنه يمتلك موهبة وصوتاً مميزاً، وأرجو أن تدعمه المؤسسات التي تختصّ بالفن"، مشيراً إلى أن الأوضاع الاقتصادية في هذه الفترة صعبة للغاية، لهذا ترك المدرسة من أجل العمل".

اهتمام غائب ومواهب مدفونة

من جانبه يقول الصحفي محمد عوض الذي صوّر الطفل: "في أحد الأيام الممطرة ذهبت إلى شارع عمر المختار بقطاع غزة من أجل من أجل التسوق، وفي الطريق لفت انتباهي صوت طربي جميل يخرج من بين عديد من البسطات الشعبية في ذلك المكان، رجعت إلى مكان الصوت فإذا به لطفل يبع الجوارب على قارعة الطريق على بسطة صغيرة، ويبتسم في وجهي كأنه يعرفني".

ويتابع لـTRT عربي: "وصلت إلى المكان، صوّرت الطفل جاسر الحمامي وهو يغني بطريقة جميلة وبشكل عفوي، نشرت الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي وانتشر الفيديو وتناقله النشطاء عبر صفحاتهم".

ويضيف: "يعمل عديد من الأطفال مثل الطفل جاسر، يمتلكون مواهب متعددة ويعولون أسرهم في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة، لكن مواهبهم مدفونة، فهم يحتاجون إلى تبني ودعم المؤسسات التي تهتم بمواهب الأطفال، مشيراً إلى أنه لولا تصوير الفيديو ما كانت موهبة الطفل جاسر ظهرت للعالَم".

واقع صعب

وحسب مركز الإحصاء الفلسطيني فإن نسبة الأطفال الذين يعملون في فلسطين قد بلغت 4% من إجمالي عدد الأطفال للفئة العمرية 10-17 عاماً، من بينهم 1.3% في قطاع غزة، بنحو 66782 ألف طفل منهم 64609 ذكراً و2173 أنثى.

وأخيراً، فلعلّ من أبرز أسباب انتشار عمالة الأطفال في فلسطين هو الاحتلال الإسرائيلي والحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة، مما يدفع الأطفال إلى العمل لمساعدة أسرهم في توفير تكاليف العيش.

يشير الطفل بائع الجوارب إلى أن الناس عندما يشاهدونه مارّاً من أمامهم يتحدثون بأنه "قد أتى الفنان"، بعد أن انتشر فيديو له وهو يغني (TRT Arabi)
الطفل الفلسطيني جاسر الحمامي، أو الفنان بائع الجوارب، نموذج من مئات الأطفال الذين يعولون أسرهم (TRT Arabi)
يحلم الطفل جاسر أن يصير فناناً مشهوراً مثل المغني الفلسطيني محمد عساف (TRT Arabi)
اضطُرّ الطفل جاسر إلى ترك المدرسة هذا العام والعمل على بسطة صغيرة لا تتجاوز مساحتها متراً واحداً (TRT Arabi)
TRT عربي