العنصرية في المغرب (Getty Images)
تابعنا

تحتفظ الشابة المغربية فاطمة الزهراء قتبو في جراب ذكرياتها بمواقف من مرحلة الطفولة كانت فيها ضحية سخرية وإساءة بسبب لون بشرتها الأسمر وشعرها المجعد.

كبرت الطفلة وتخرجت مهندسة من مدارس فرنسية ودخلت غمار العمل، لكنها ظلت تحتفظ بتلك الذكريات، وبقدر ما آلمها التنمر الذي تعرضت له استاءت لكون المجتمع حولها اعتبر تلك الإهانات أمراً عادياً ومقبولاً.

وقررت فاطمة الزهراء رفع صوتها لوقف تلك الممارسات، فأسست مجموعة على مواقع التواصل الاجتماعي أطلقت عليها اسم "تجمع السود".

في هذه المجموعة يحكي ذوو البشرة السوداء المغاربة قصصهم مع التمييز والإساءات داخل المجتمع وأيضاً قصص نجاحهم، كما يتبادلون النقاش حول الموضوع ويتجادلون بشأن معجم الدارجة والأمازيغية الذي يحبل بألفاظ وعبارات التنقيص والاستهانة بالسود.

تقول فاطمة لـTRT عربي إن العنصرية ضد السود وذوي البشرة السمراء موجودة بالمغرب، لكن المجتمع يتعامل معها بحالة إنكار، فبحسبها "الكل يرى ويصمت في تواطؤ اجتماعي غريب، إذ يعتبر الكثيرون مناداة شخص بعزي أو كحلوش أو حرطاني أو السخرية من شعره أمراً طبيعياً على الرغم من أنه ليس كذلك".

وتشير إلى مظاهر أخرى لهذا التمييز كأن ترفض الأسر تزويج بناتها وأبنائها من أشخاص بشرتهم سوداء، كما أن بعض المناطق في الجنوب يتم التمييز فيها حتى بين الموتى، إذ تخصص مقابر للبيض وأخرى للسود.

لوحة عنوانها "السود لديهم أسماء" للفنان التشكيلي المغربي مبارك بوهشيشي (TRT Arabi)

حوادث عنصرية

وطفت إلى السطح في الآونة الأخيرة حوادث وقعت في زمن متقارب يجمع بينها العنف اللفظي والتمييز بسبب لون البشرة، إذ تعرض مدرب نادي جمعية سلا السينغالي موسى نداو إلى استفزازات وصفها بالعنصرية خلال إحدى المباريات، ما أطلق حملة تضامن واسعة معه من مختلف الفرق الكروية.

وأثير جدل إثر وصف مستشار جماعي البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية عزوها العراك بتعابير عنصرية، عندما نعتها بالحرطانية بسبب لون بشرتها، ويطلق اسم الحرطاني على العبد.

واستنكر برلمانيون وأحزاب سياسية هذه الممارسة التمييزية، واعتبرها بعضهم "جريمة مكتملة الأركان تستوجب تدخل القانون أكثر من التضامن".

عنصرية عفوية

تفتقر خزانة العلوم الاجتماعية إلى أبحاث تدرس مسألة التمييز والعنصرية بسبب اللون وتحللها، غير أن دراسة للباحث في علم الاجتماع ياسين أسني حول "وضع المرأة السوداء في المغرب بين وصمي اللون والنوع الاجتماعي" تعد من الدراسات القليلة التي تناولت الموضوع ميدانياً.

وخلص الباحث إلى أن المرأة المغربية السوداء لا تعاني عنصرية لونية مؤسساتية، بل هي ضحية عنصرية عفوية تعبر عنها كلمات ونظرات ولقطات سينمائية ولا مرئية إعلامية، وفظاعة الصور النمطية التي تختزلها في مكانة اجتماعية دونية.

ويضيف أن وضع المرأة السوداء، على الرغم من أنه يلتقي كثيراً مع الوضع الذكوري الأسود في العديد من الصور النمطية والتمييز الاجتماعي، فإنه يبقى وضعاً متميزاً لأنه ملتقى وصمين، وصم النوع (امرأة) ووصم لون البشرة (سوداء).

ويخلص الباحث إلى أن المرأة السوداء تعيش تجربة تمييزية تتقاطع فيها الهيمنة الذكورية والعنصرية، فكونها امرأة يجعلها ضحية سهلة أمام العنف الذكوري الذي يهاجم جسدها من خلال نعوت وعبارات قدحية، كما أن لون بشرتها يبعدها عن وسائل الإعلام المرئية ويحصر حضورها الكمي الباهت في أدوار نمطية تتأرجح فيما بين دور الأمة في الأعمال السينمائية التاريخية ودور الخادمة.

من جهتها، لم تهتم الجمعيات الحقوقية بموضوع التمييز على أساس اللون إلا مع تدفق المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء نحو المغرب، ما بين عابرين نحو أوروبا ومقيمين في البلاد.

الحملة التضامنية مع المدرب السينغالي موسى نداو الذي تعرض لموقف عنصري (مواقع التواصل الاجتماعي)

وأُطلقت أول حملة لمكافحة العنصرية تجاه المهاجرين من جنسيات دول جنوب الصحراء في عام 2014 من طرف تحالف منظمات حقوقية، ورفعوا خلالها شعار "لا تدعوني عزي" أي لا تناديني بالأسود، ومنذ ذلك الحين توالت حملات موسمية، أحياناً ميدانية وفي أحيان أخرى افتراضية.

جذور تاريخية

وبحسب علي الشعباني الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، فلهذه الممارسات جذور تاريخية ترجع إلى فترة كان فيها المغرب يهيمن سياسياً على دول جنوب الصحراء، حيث كانت تلك الدول تدين له بالولاء وكان يجلب منها العبيد.

ويضيف أنه مع انتفاء الرق والعبودية والهيمنة ظلت تلك النظرة الاستعلائية راسخة في لاشعور الإنسان المغربي، لتظهر في سلوكه الثقافي المعتاد فيقدم على ممارسات فيها نوع من التمييز والإساءة دون أن يشعر أو ينتبه إلى أنها كذلك.

ويشير الشعباني في حديث لـTRT عربي إلى أن التمييز ضد السود يظهر في الوظائف والمكانة الاجتماعية وأيضاً في الفن، لافتاً إلى أن التصنيفات ما زالت راسخة في لاشعور المغربي سواء انتبه إليها أو لم ينتبه، ولا تتعلق بذوي البشرة السوداء فقط، بل تتوسع لتشمل التصنيف على أساس عرقي (عربي وأمازيغي)، وعلى أساس مجالي جهوي (جبلي سوسي وعروبي).

ويرى الشعباني أن الحديث عن هذه القضية وإثارة النقاش حولها داخل المجتمع سينشر حتماً الوعي بين الناس، وينبههم إلى تلك الإساءات التي يمارسونها قصداً أو بلا مبالاة.

وبالنسبة إلى فاطمة الزهراء قتبو فإن أول خطوة في طريق مكافحة الممارسات والأفعال التي تنتقص من السود وذوي البشرة السمراء تبدأ بالاعتراف وتجاوز حالة الإنكار.

ففي نظرها "إذا ظل الموضوع مسكوتاً عنه وفي عداد التابوهات الممنوع النقاش حولها، فستستمر العنصرية ويصمت ضحاياها، ويعتقد الفاعلون أن ممارستهم مقبولة اجتماعياً وطبيعية".

TRT عربي
الأكثر تداولاً