تابعنا
بسبب عجزها عن إنتاج الغذاء وتحقيق اكتفاءها الذاتي، تستورد البلدان العربية أكثر من نصف احتياجاتها من المواد الغذائية الأساسية من عدة مصادر أجنبية، ما جعلها سوقاً مهماً للتنافس التجاري، تنامت أهميته عقب انتشار جائحة كورونا وما ترتب عليها من تداعيات.

إلى جانب الأمن العسكري والأمن المائي يحظى تحقيق الأمن الغذائي كشرط أساسي للبقاء باهتمام كبير لدى بلدان العالم العربي، التي لم تتمكن من سد عجزها في تحقيق الاكتفاء الذاتي رغم من كل الجهود والاستراتيجيات التي وضعتها وعملت بها طيلة عقود.

ومع ارتفاع معدلات النمو الديمغرافي لديها خلال السنوات الأخيرة، ازدادت حاجة هذه البلدان لاستيراد المزيد من المواد الغذائية الأساسية، خوفاً من شبح المجاعة الذي بات يهدد كثيراً منها.

وانتهزت في الأثناء العديد من البلدان الأجنبية، الفرصة في الاستفادة من هذه السوق التجارية، التي تتنامى حاجياتها يوماً بعد يوم، ولا تزال عاجزةً عن تلبيتها منفرداة. وعملت في هذا الإطار العديد من الأطراف على تنويع منتجاتها بما يستجيب لمتطلبات السوق العربي، وازداد التنافس وفق ذلك خلال السنوات الأخيرة، مع محاولة بعض هذه البلدان تخطي التحديات التي فرضها انتشار جائحة كورونا ومنها، تفكيك سلاسل الإمداد العالمية.

تنافس هندي برازيلي على السوق العربية

حافظت البرازيل على موقعها كأهم مزود للمواد الغذائية الأساسية للعالم العربي، وتفوقت بذلك على العديد من المنافسين العالميين ومن بينهم الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي والهند وغيرها.

ولكن، شأنها شأن بقية بلدان العالم التي عانت من التداعيات السلبية لانتشار فايروس كورونا المستجد، شهدت البرازيل تراجعاً حاداً في صادراتها الغذائية إلى الدول العربية، وذلك لأول مرة منذ حوالي 15 عاماً.

ويفسر ذلك خبراء ومحللون، أن جائحة كورونا قد أضرت بالخدمات اللوجستية في العالم، وأدت إلى انقطاع سلاسل الإمداد. وبالتالي فمن الطبيعي أن يلقي ذلك بظلاله على البرازيل، التي تعتمد على طرق شحن تقليدية وتحتل موقعاً جغرافياً بعيداً عن السوق العربية.

ووفق ما أشار إليه تقرير صادر عن الغرفة التجارية العربية البرازيلية، فقد استحوذت البرازيل عام 2020 على حوالي 8.15% من إجمالي منتجات الأعمال التجارية الزراعية التي استوردتها نحو 22 دولة عربية، وذلك مقابل 8.25% لصالح الهند من هذه التجارة.

لتتخطى الهند البرازيل لأول مرة في إمداد العالم العربي باحتياجاته من المواد الغذائية الأساسية.

ويعود تفوق الهند على البرازيل، بالأساس إلى قربها الجغرافي من بعض البلدان العربية كالمملكة العربية السعودية، الذي سمح لها بشحن الفواكه والخضروات والسكر والحبوب واللحوم في فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز الأسبوع. في حين أن البرازيل قد أصبحت تحتاج نحو 60 يوماً للوصول إلى هذه الأسواق.

ولكن هذا التفاوت لا يلغي حقيقة أن البرازيل لا تزال بالرغم من كل التحديات تمثل قطباً مهماً لإمداد العالم العربي بحاجياته الغذائية. حيث ارتفعت الصادرات الزراعية البرازيلية إلى الدول العربية بنحو 1.4% فقط من حيث القيمة إلى 8.17 مليار دولار عام 2020.

وبينما تمثل السوق العربية فرصة ثمينة ومسرحاً للتنافس التجاري بين مختلف البلدان الأجنبية، فإنها تمثل مؤشراً خطيراً بالنسبة لهذه البلدان التي لم تتخطى بعد عجزها في سد هذه الفجوة مع تزايد عدد سكانها، لتصبح مهددة بالمجاعة و نقص الغذاء.

ويشير تقرير صادر عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية التابعة لجامعة الدول العربية، أن قيمة الورادات الغذائية العربية قد قدرت بنحو 100 مليار دولار سنوياً، وتستورد بلدان العالم العربي نحو 63.5% من احتياجاتها من القمح والذرة. كما تستورد حوالي 55% من احتياجاتها من الأرز، و65% من السكر، و55% من الزيوت النباتية، ونحو 30% من استهلاكها من لحوم الدواجن.

البرازيل تتجه إلى العالم الإسلامي

لم تقف البرازيل عند حد تغطية احتياجات السوق العربي، بل حاولت في إطار حرصها على زيادة حصتها في تجارة الغذاء العالمية، إلى الاتجاه إلى سوق العالم الإسلامي الذي يضم حوالي 57 دولة، والعمل على تلبية متطلباته من الغذاء.

وقد صرح في هذا السياق نائب وزير الزراعة البرازيلي للعلاقات التجارية، فلافيو بيتاريللو قائلا إن :" البرازيل، وهي أكبر دولة مصدِّرة في العالم لمواد غذائية مثل البن ولحوم البقر وفول الصويا، حريصة على زيادة صادراتها من المنتجات الزراعية للدول الإسلامية."

وتحدثت العديد من التقارير الإعلامية، عن محادثات مكثفة بين البرازيل وإندونيسيا ولبنان والمغرب ومصر، لتزويدها بمنتجات زراعية أخرى بخلاف الذرة ولحم البقر والدواجن والسكر الخام.

وفي سياق متصل، تعد البرازيل من أهم مصدري ومنتجي اللحوم الحلال في العالم، بما في ذلك لحوم البقر والدجاج التي تُربى وتُذبح وفق الشروط والضوابط الإسلامية. وبالتالي تمكنت من منافسة العديد من الدول في الوصول إلى السوق الإسلامية.

وقد أظهر تقرير صادر عن غرفة التجارة العربية البرازيلية، أنه بينما تستورد دول منظمة التعاون الإسلامي مواد غذائية بقيمة 190.5 مليار دولار، من بينها القمح والذرة والسكر والأرز والحليب، فإن قيمة الصادرات البرازيلية في ذلك تبلغ نحو 14.1 مليار دولار.

ولا تزال تحاول العمل على توسيع مشاركتها في السوق الغذائية لبلدان العالم العربي والإسلامي، وبخاصةِ مع بداية انحسار المشكلة اللوجستية خلال الأشهر الماضية.

TRT عربي