تابعنا
وتراجعت أسهم شركة ميرسك بنحو 16% خلال تعاملات اليوم التالي لإعلان الخسائر، إضافة إلى توقعاتها لنتائج الأعمال في العام الحالي بخسائر أساسية للأرباح قبل الفوائد والضرائب، وسط تحديات زيادة العرض وحالة عدم اليقين حول فترة ودرجة اضطرابات البحر الأحمر.

يضطر عديد من شركات الشحن العالمية تجنُّب مضيق باب المندب وقناة السويس، أهم الممرات عالميّاً في البحر الأحمر، نتيجة استهداف الحوثيين سفن الشحن والناقلات الأمريكية أو البريطانية والمتجهة إلى إسرائيل، ردّاً على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ما جعلها تُغيّر مساراتها في أغلب الأوقات باتجاه طريق "رأس الرجاء الصالح"، الذي يكلفها بذلك مزيداً من الوقت والمال.

وبسبب تصاعد التوترات وتسارعها، ارتفعت حالة عدم اليقين لدى الأسواق وشركات الشحن، إذ تكبد عملاق الشحن الدنماركي "ميرسك" خسائر صافية تُقدَّر بـ442 مليون دولار في الربع الرابع من 2023، مقارنة بأرباح قدرها 4.9 مليارات دولار في الربع الرابع من العام الذي سبقه.

تراجع في الأسهم

وتراجعت أسهم شركة ميرسك بنحو 16% خلال تعاملات اليوم التالي لإعلان الخسائر، إضافة إلى توقعاتها لنتائج الأعمال في العام الحالي بخسائر أساسية للأرباح قبل الفوائد والضرائب، التي جاءت أقل من تقديرات المحللين، وسط تحديات زيادة العرض وحالة عدم اليقين حول فترة ودرجة اضطرابات البحر الأحمر.

لكن الشركة قالت إن تأثير اضطراب البحر الأحمر في الربع الرابع كان ضئيلاً، ويؤثر فقط في نحو 36% من حجم أعمالها في قطاع (Ocean)، حسب مكالمة مناقشة نتائج الأعمال للربع الرابع من العام الماضي، كما حذرت الشركة، في بيانها الرسمي، من التأثير المحتمل لـ"حالة عدم اليقين الجديدة" في أرباحها للعام 2024، وتعليقها على الفور لبرنامج إعادة شراء أسهمها.

وفي السياق نفسه، أعلنت واحدة من أكبر 5 شركات شحن في العالم "هاباغ لويد"، عن أرباح قبل الفوائد والضرائب للعام 2023 بنحو 2.5 مليار يورو (2.70 مليار دولار)، التي تقل بنحو 86%، مقارنة بعام 2022، إذ كانت 17.5 مليار يورو.

ورجح رئيس الشركة الألمانية أن استهداف الحوثيين سفن الشحن في البحر الأحمر لن ينتهي قريباً، ما يُجبر شركات الشحن على تجنب الطريق عبر قناة السويس.

وأضافت الشركة أن إجراءات التخفيف شملت شراء مزيدٍ من الحاويات وإضافة 125 ألف حاوية نمطية بتكلفة 350 مليون دولار، لكنَّ استخدام عدد أكبر من السفن لتلبية الطلب في الوقت المحدد، وتشغيلها بشكل أسرع باستخدام مزيدٍ من الوقود ينطوي على تكاليف أكبر على العملاء.

حلول بديلة لشركات الشحن

عقب تصاعد التوترات في منطقة البحر الأحمر، ظهرت على الساحة حلول جديدة تُبحر بالبضائع بعيداً عن باب المندب، وتُعيد رسم خارطة التجارة إقليميّاً وعالميّاً، إذ بدأ كل من شركتي "تراك نت" وشركة الشحن الإسرائيلية (Mentfield Logistics) إنشاء وتجربة مسار بري جديد يربط المواني في الإمارات والبحرين بالسعودية والأردن، وصولاً إلى إسرائيل وأوروبا.

وشاركتها شركة "هاباغ لويد" في خلق طرق بديلة، إذ تسعى لربط "جبل علي" في دبي بميناءين في شرق السعودية بجدة، مع خيارات أخرى تربط "جبل علي" بالأردن، إذ يتميز الطريق البري بكفاءة أعلى وتكلفة أقل.

ويُقلل المسار الجديد زمن الرحلة، فتستغرق من "جبل علي" إلى حيفا 4 أيام فقط، مقارنة بـ10 أيام أو أكثر عن طريق "رأس الرجاء الصالح"، ما قد يساعد في خفض التكلفة الإجمالية للشحن من خلال نقل البضائع في الاتجاهين.

لكن الطريق البري يواجه تحديات ومخاطر متعلقة بعدم إمكانية نقل كميات كبيرة من البضائع مثلما تنقلها السفن، وقد يتطلب نقل البضاعة من باخرة إلى شاحنات، ومن ثم إعادة تفريغها على بواخر، ما قد يكون أكثر كلفة.

وحسب بلومبرغ، ذكر بحث لشركة "إس آند بي جلوبال" أن دول الخليج قد تتردد في ترويج هذا الممر البري، لأن الحوثيين لم يهددوا بعد الأصول البحرية الإماراتية أو السعودية، كما أن الطريق البري عبر السعودية والأردن قد لا يكون آمناً.

وكذلك شركة ميرسك أطلقت حلّاً بديلاً، وهو الحجز الرقمي للشحن الجوي "ميرسك إير"، وأعلن الرئيس الإقليمي للشحن الجوي للشركة في شبه القارة الهندية والشرق الأوسط وإفريقيا، عن امتداد تغطية الشحن الجوي لشركة ميرسك إلى 70 ألف رحلة مطار في أكثر من 90 دولة حول العالم، وتتيح المنصة الرقمية أيضاً للعميل حجز حركة الشحن لأي من رحلات المطارات، البالغ عددها 70 ألفاً من أي مكان في العالم.

سلاسل التوريد.. من النفط والسيارات إلى الشاي

بدأت آثار أزمة البحر الأحمر تظهر تدريجيّاً على سلاسل التوريد، إذ حذرت هيلين ديكنسون، الرئيس التنفيذي لاتحاد التجزئة البريطاني، من أن التحديات المستمرة في البحر الأحمر قد تعني تأخير التوريد لبعض المنتجات القادمة من الشرق الأقصى، مثل الإلكترونيات والأثاث، أو حتى السلع ذاتية الصنع، لكنَّها رجحت ألّا تؤثر في الواردات الغذائية، التي تميل إلى الوصول عبر الاتحاد الأوروبي.

ورجّح البنك الدولي أنه على المدى القريب ستستوعب صناعة شحن الحاويات العالمية الصدمة التي أصابت سعة الشحن بسبب التوترات في البحر الأحمر لضعف الطلب بشكل عام في الشهرين الماضيين من العام الجاري، ولكن إذا استمرت الهجمات في مارس/آذار وأبريل/نيسان، وهو التوقيت الذي تشهد فيه التجارة العالمية انتعاشاً موسميّاً، فقد تؤدي القيود على سعة الشحن إلى حدوث أزمة في سلاسل الإمداد مثل التي حدثت وقت فيروس كورونا في 2021-2022.

وأثارت الأزمة أيضاً مخاوف من ارتفاع تكاليف التصنيع والشحن، ما ينعكس على المستهلك، والتأثير مزدوج على الاقتصاد العالمي من تكاليف الشحن الإضافية المرتبطة بهذا الصراع في البحر الأحمر، التي قد تعني في النهاية ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلكين، ما يعني بالطبع تضخماً أسرع في الوقت الذي يبحث ويأمل العالم فيه أن تتباطأ معدلات التضخم.

وبالنظر إلى قناة السويس، فهي طريق رئيسي لحصول أوروبا على النفط، لذا سيُخلق تأثير في الطاقة بالتأكيد إذا استمر الصراع وتوسَّع، ما قد يرفع تكلفة وأسعار النفط.

من ناحية أخرى، أفادت وكالة رويترز بأن إمدادات الشاي إلى بريطانيا تواجه خطر الانقطاع بسبب أزمة البحر الأحمر، وأوضح التقرير أنه قد يُضطر البريطانيون إلى مواجهة النقص في بعض أنواع الشاي، وهو أحد المشروبات المفضلة في البلاد، بعد أن حذرت صناعة السوبر ماركت من خطر تعطل الإمدادات، وبالفعل شهدت بعض خطوط إنتاج الشاي "تعطيلاً مؤقتاً".

يُذكر أن شركة تسلا (TSLA) وقفت معظم الإنتاج مؤقتاً في مصنعها العملاق للسيارات الكهربائية في ألمانيا لأن الهجمات عطَّلت توريد قطع الغيار، وكذلك أعلن عديد من مصانع السيارات في أوروبا عن إغلاق مؤقت للإنتاج بسبب التأخير في الحصول على قطع غيار السيارات من آسيا.

بناءً على ذلك، تُعد أزمة البحر الأحمر تحدياً كبيراً لسلاسل التوريد العالمية، ولها تأثيرات مباشرة وغير مباشرة في مختلف جوانب الاقتصاد العالمي، ومن المتوقع أن تستمر هذه التأثيرات لفترة طويلة، خصوصاً إذا لم يجرِ التوصل إلى حل سريع للأزمة، سواء سياسيّاً أو عسكريّاً، وهو لا يبدو قريباً إلا بوقف الحرب على غزة.

وحسب أبحاث شركة ماكينزي الأمريكية للاستشارات المالية، فإن إعادة توجيه ممرات الشحن بسبب أزمة البحر الأحمر التي بدأت في ديسمبر/كانون الأول 2023 لا تؤدي إلى تكاليف إضافية وتأخير وتعقيدات أمنية فحسب، بل ستخلق موجات صدمة بعيدة المدى تتجاوز المواقع المباشرة المتضررة.

وعلى نطاق أوسع، فإن عدد القيود التجارية العالمية الجديدة كل عام يتزايد بشكل مطرد، من نحو 650 قيداً في عام 2017 إلى أكثر من 3000 قيد في عام 2023.

TRT عربي
الأكثر تداولاً