سمية الكومي
اختُتمت أمس السبت في مدينة إسطنبول، فعاليات منتدى قناة TRT World الإنجليزية، التابعة لشبكة الإذاعة والتليفزيون التركية، في نسخته السابعة، بجلسة "الارتباط الحاسم بين أمن الغذاء والماء والطاقة"، التي ناقشت المشكلات الغذائية في مناطق الحروب، وعلى رأسها غزة، ووقف المتحدثون والحضور بدايةً دقيقة صمتاً وحداداً على أرواح المدنيين الفلسطينيين الذين راحوا ضحايا العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.
وجمع المنتدى خلال فعالياته، التي امتدت ليومين، 153 متحدثاً من المفكرين والأكاديميين والصحفيين والسياسيين المعروفين عالميّاً من مختلف الدول، في 9 جلسات مفتوحة و8 أخرى مغلقة.
وناقش المنتدى في يومه الأول عدداً من القضايا العالمية من أجل اقتراح حلول لها، على رأس تلك القضايا الأزمة الفلسطينية، التي أُفردت مساحةٌ لها في معظم الجلسات، فضلاً عن ندوة بعنوان "حرب إسرائيل في غزة: الأزمة الإنسانية وآفاق السلام".
وشارك في الجلسة الافتتاحية للمنتدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، والمدير العام لمؤسسة الإذاعة والتليفزيون التركية "TRT"، محمد زاهد صوباجي، وألقى نائب الرئيس التركي، جودت يلماز، كلمة بعنوان "رؤية مئوية تركيا الجديدة: تركيا باعتبارها عنصراً فاعلاً في بناء النظام العالمي".
كما شغلت القضايا الإقليمية حيزاً في المنتدى، الذي حمل شعار "الازدهار معاً: المسؤوليات والإجراءات والحلول"، إذ تحدثت رئيسة دولة كوسوفو، فيوزا عثماني، في ندوة بعنوان "المرونة الإقليمية: تعزيز العلاقات بين دول البلقان من أجل مستقبل أفضل"، ومن الموضوعات التي طُرحت أيضاً "الجغرافيا السياسية: المنافسات وإعادة التحالفات في القرن الجديد".
وبمشاركة رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، فُتح نقاش تحت عنوان "الإعلام الحكومي في العالم الرقمي.. التحديات والفرص"، كما عُقدت ندوة "إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي" بمشاركة وزير الاقتصاد والمالية محمد شيمشك، وكذلك "الذكاء الصناعي: إمكانات إبداعية أم كارثة مدمرة؟" بمشاركة وزير الصناعة والتكنولوجيا، محمد فاتح كاجر.
وفي خطابه في افتتاح المنتدى ندَّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، لافتاً إلى مقتل الصحفيين في قطاع غزة إثر الهجمات الإسرائيلية، وأعرب عن شكره الإعلاميين الذين أظهروا جهداً وتضحياتٍ استثنائية ليوصلوا المأساة الإنسانية في غزة إلى العالم.
وشدَّد الرئيس أردوغان على أن الإعلام التركي سيواصل إظهار حقيقة ما يحدث في غزة، معرباً عن تقديره لوكالة الأناضول وشبكة "تي آر تي"، وأثنى على جهود مركز مكافحة التضليل، التابع لدائرة الاتصال في الرئاسة التركية، الذي فضح أكثر من 130 كذبة إسرائيلية.
وفي سياق متصل، أكد ألطون، قائلاً: "فضحنا مئاتٍ من أكاذيب إسرائيل على الصعيدين الوطني والدولي، وبدلاً من ذلك قدّمنا المعلومات الحقيقية".
آفاق جديدة للشباب
منتدى TRT منصة عالمية، يضع القضايا الحسَّاسة في صدارة جدول أعمالها والبشر في قلب القصة، ويركز على مسؤولية الإعلام في توصيل الصورة الحقيقية في عالم دائم التغير، ومن هذا المنطلق، شارك آلاف الحضور، بينهم عدد لافت من الطلاب والشباب.
بتول أكر، صحفية تركية مستقلة، تشارك للمرة الأولى في المؤتمر، إذ يتعلق المنتدى بصميم اهتمامها وعملها، تقول بتول لـTRT عربي إن اجتماع أكثر من 150 مفكراً من مختلف دول العالم في مكان واحد هو شيء قيّم للغاية، وهذا ما جذبها للحضور وسماع الآراء والأفكار المتنوعة من مختصين في ظل وجود عديد من المنصات الإعلامية العالمية التي ترعى التضليل المعلوماتي.
وتشير إلى أن تجمُّعاً مثل ذلك يستطيع أن يؤثر في إيصال الحقيقة، لافتة إلى أن أكثر الموضوعات التي نوقشت وأثارت اهتمامها في المنتدى كانت قضية المعلومات المضللة وكيفية مكافحتها في العصر الرقمي الحالي.
وتقول خلود بن حاجر، طالبة تونسية تدرس ماجستير إدارة الأعمال في تركيا، إنها مهتمة بالسياسة العامة والاقتصاد، وتتابع لـTRT عربي، أن المنتدى يساعد الشباب في اكتشاف آفاق جديدة في ما يخص اهتماماتهم، لافتة إلى أن هذه هي المرة الثانية التي تحضر المنتدى، إذ ترى أنه "فرصة للتواصل وبناء شبكة علاقات جيدة".
وتتابع خلود إنها تهتم بشكل خاص بالسياسة التركية، كما أن حضورها منتدى يجمع سياسيين أتراكاً وينظَّمه التليفزيون التركي يجعلها تشعر بالانتماء إلى البلد الذي تدرس وتُقيم فيه.
حضور قوي لقضية غزة
من ناحية أخرى، ترى زينب الشريف، طالبة ليبية تدرس في كلية هندسة الحاسوب بإحدى الجامعات التركية، أن ما يميز مؤتمر هذا العام من مؤتمر العام الماضي، بجانب أنه منظَّم بشكل عالي الدقة، خصوصاً من الناحية التقنية، هو طرح موضوع أزمة غزة وإفراد مساحة جيدة لها في كل الجلسات على مدار يومي المؤتمر، وعبَّرت في حديثها لـTRT عربي عن أنها تتمنى أن يُعقد كثير من هذه المؤتمرات ليصل صوت الفلسطينيين إلى العالم أجمع.
ويعتقد الصحفي التركي محمد طاهر أوغلو أن منتدى TRT World السنوي نقطة التقاء مهمة يجتمع فيها السياسيون والمفكرون والصحفيون حول العالم، ويتابع لـTRT عربي أن المنتدى هذا العام عُقد في وقت هام للغاية في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة، التي أخذت حيزاً جيداً جدّاً من اهتمام المنتدى، إلى جانب وقت دخول تركيا في مئوية جديدة ومناقشة رؤية مئوية تركيا الجديدة.
ويرى طاهر أن مثل تلك المؤتمرات لها وزنها، ولا يمكن القول إنها غير مؤثرة، مضيفاً: "يوجد حضور دولي يعتمد على شخصيات لها تأثيرها، سواء على صعيد السياسة أو الاقتصاد أو الفكر، وبالتأكيد سيكون للمنتدى صدى دولي مؤثر".
أما الطالبة بكلية إدارة الأعمال، شادن، التي جاءت من اليمن للدراسة في تركيا، تقول إنها اهتمت بالموضوعات التي طٌرحت في المنتدى عن الصحافة والسياسة العامة، مشيرة لـTRT عربي إلى أن ما يميز منتدى TRT World مواكبته الأحداث العالمية ومناقشته أهم القضايا العصرية بشكل حديث.
وسيلة لفهم السرد
وأكد الأمين العام لاتحاد إذاعات آسيا والمحيط الهادئ (ABU)، أحمد نديم، أن مثل هذه المؤتمرات الدولية تساعد في تنقية الأجواء وفلترة ما هو خطأ وما هو صواب، وتابع في حديثه لـTRT عربي: "لذلك، أعتقد أن الدور الأكبر لوسائل الإعلام العامة هو إرشاد الناس إلى الحق والحقيقة، نحن لسنا هنا لنقول لهم ما يجب عليهم فعله أو العكس، ولكن المهم مساعدتهم على فهم المعلومة الصائبة".
ويشير نديم، وهو واحد من الشخصيات المتحدثة في المنتدى، إلى أنه في ظل سهولة الحصول على المعلومات من كل مكان، قد لا يمكن للناس التمييز بينها، لذا فإن "وسائل الإعلام العامة هي وسيلة في فهم السرد، وإلا فسوف يضيع الناس حقّاً، وهذا ما يحدث الآن، يبدو أن الجميع ضائعون، لكن يمكن مساعدتهم".
من ناحية أخرى، ناقش المنتدى دور المؤسسات العالمية في الأزمات المختلفة في جلسة بعنوان "الأمم المتحدة المنقسمة: العمل من أجل تعددية فعالة"، وأخرى بمشاركة وزيرة الأسرة والخدمات الاجتماعية ماهينور أوزدمير غوكطاش، بعنوان "تمكين الإنسانية: معالجة الأزمات الاجتماعية وعدم المساواة"، مسلّطين الضوء على الموقف العالمي والأممي في أزمة غزة.
ومنذ انطلاقه للمرة الأولى عام 2017 في إسطنبول، ضم المنتدى 1300 ضيف، و707 متحدثين من عديد من البلدان، بين مفكر وصحفي وسياسي، كما تضمَّن 82 جلسة مفتوحة، و59 اجتماع طاولة مستديرة.
