زيلينسكي يؤكد أن أوكرانيا تتعاطى “بحذر شديد” مع إعلان روسيا سحب قواتها من خيرسون / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

أعلنت وزارة الدفاع الروسية في بيانها اليومي، الخميس، أنها بدأت "بما يتفق بدقة مع الخطة المعتمدة" في الانسحاب من خيرسون، العاصمة الإقليمية الوحيدة التي استولت عليها موسكو منذ بداية الحرب الأوكرانية.

ووفقاً لـ رويترز، سيؤدي الانسحاب الروسية من الضفة الغربية لنهر دنيبرو في جنوب أوكرانيا إلى تقريب القوات الأوكرانية من شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو في عام 2014 وتقول كييف إنها تهدف إلى استعادتها، ويبدو أيضاً أنها ستنهي أحلام روسيا في توسيع ممر بري متجاور غرباً إلى مدن ساحلية أوكرانية أخرى أو إلى مولدوفا.

وفي الوقت الذي يشتبه فيه البعض أن روسيا قد تكون بصدد نصب فخ للقوات الأوكرانية المتقدمة لاستعادة خيرسون، أشار بن باري، زميل بارز في الحرب البرية في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن، إلى ما أسماه عنصر "الواقعية" في إستراتيجية روسيا بعد تعيين الجنرال سيرجي سوروفكين قائداً روسياً جديداً في أوكرانيا الشهر الماضي، ولافتاً أيضاً إلى أن موسكو لا تزال قادرة على أخذ زمام المبادرة إذا كان بإمكانها إعادة تجميع صفوفها لشن هجوم جديد أو شن هجمات مضادة حاسمة.

انسحاب روسي صريح

تتناقض الطريقة المصممة والصريحة التي أعلنت بها روسيا خططها للانسحاب بشكل حاد مع الطريقة التي قدمت بها انعكاسَيْن كبيرَيْن سابقين، رحلتها من كييف في مارس/آذار ومن منطقة خاركيف في الشمال الشرقي في سبتمبر/أيلول.

وعلى الرغم من إعلان روسيا انسحابها من المنطقة، قالت كييف إنها قلقة من الاندفاع وحذرت من أنه قد يكون فخاً نصبه الكرملين. فيما قال العميد أوليكسي جروموف في إفادة صحفية إن تصرفات القوات المسلحة الأوكرانية لم تترك للقوات الروسية أي خيار سوى الانسحاب. لكن في الوقت الحالي لا يمكننا تأكيد أو نفي المعلومات حول ما يسمى بانسحاب القوات الروسية من خيرسون. وقال "سنواصل عمليتنا الهجومية وفقاً لخطتنا".

وقال الخبراء الذين يتابعون بوتين من كثب إن قراره بالتخلي عن خيرسون كان أيضاً تذكيراً باستعداده لتقديم تنازلات تكتيكية عند الضغط عليه. وعن القول الشائع بأن بوتين لا يتراجع أبداً، قالت المحللة السياسية تاتيانا ستانوفايا إن هذا يظهر مرة أخرى أن بوتين يمكن أن يكون براغماتياً. وأضافت: "من الواضح أن هذا القرار كان قراراً عاطفياً للغاية له لكنه اتخذه. يمكن أن يكون عقلانياً".

وتوقع الخبراء العسكريون لأسابيع أن روسيا ستكافح للحفاظ على خيرسون لأنها لم تعد قادرة على دعم القوات التي انقطعت في الغالب عن خطوط إمدادها. فيما رأى البعض أن انسحاب خيرسون فضح الوضع العسكري السيئ لموسكو على الأرض، وهو أمر صارخ للغاية بحيث لا يمكن لبوتين تجاهل تحذيرات سوروفكين بعد الآن.

هل نحن أمام استراتيجية روسية جديدة؟

تتطور استراتيجية روسيا الخاصة بالهجوم في أوكرانيا. فبينما لم يذهب الهجوم بعيداً كما كان يتوقعه بوتين وقادته العسكريون في فبراير/شباط، كان عليهم أن يغيروا باستمرار "نظرية النصر". فبحسب موقع "أي بي سي نيوز"، مع اقتراب فصل الشتاء من أوروبا، تسعى روسيا للاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من الأراضي أثناء التحضير لحملة العام المقبل.

أما التقرير التحليلي الذي نشرته حديثاً صحيفة الغارديان البريطانية فأنه يرى أن بوتين يعتزم "تجميد" الصراع فيما يعيد جيشه الذي تضرر بشدة، فضلاً عن تجميع وتدريب الأعداد الكبيرة من الجنود الذين جرى حشدهم حديثاً، والتي تتجاوز أعدادهم المعلنة 300 ألف وفقاً للأرقام الرسمية.

ويرى تقرير الغارديان أن بوتين ليس في عجلة من أمره، خصوصاً وأنها بات يرى أن الحرب تحولت إلى صراع طويل وواسع النطاق مع الغرب. وعليه، فإن استراتيجيته الآن تتمثل في رؤية كيف تسير الأمور بحلول نهاية الشتاء ثم إعادة تقييم الاستراتيجية.

ما ركائز الاستراتيجية الروسية؟

قال خبراء عسكريون إن روسيا بدت حريصة على تجنب الأخطاء التكتيكية التي ارتكبت خلال انسحاب خاركيف الفوضوي وغير المنظم، والذي وضع مئات القطع من الدروع الثقيلة الروسية المهجورة في أيدي أوكرانيا. تعلماً من درس خاركيف ووقفاً للتقدم الأوكراني غير المرغوب، أمضت القوات الروسية قبل أسابيع من إعلان الانسحاب تحصين مواقع دفاعية على الضفة الشرقية لنهر دنيبرو، حيث من المتوقع أن تتخذ باقي قوات الجيش مواقعها.

وحسب موقع "أي بي سي نيوز"، ترتكز الاستراتيجية الروسية الجديدة إلى 5 عناصر أساسية، هي:

* الركيزة الأولى تمثلها روايتهم الاستراتيجية بأن هذه حرب لمقاومة عدوان الناتو والقضاء على "النازيين" الذين يديرون أوكرانيا.

* العنصر الثاني في استراتيجية روسيا هو حرب الطاقة الإستراتيجية المستمرة ضد الغرب. لا يزال بوتين يأمل في أن يتمكن من الاستفادة من فصل الشتاء البارد وأسعار الطاقة المرتفعة لتشكيل الرأي العام الغربي في نصف الكرة الشمالي ودفع تدخل أوروبي يفرض وقف إطلاق النار. بالتوازي مع ضرب الروس للبنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، مما يتسبب في نقص الطاقة وانقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء البلاد.

* يتمثل الجانب الثالث من الاستراتيجية في حملة "القصف الاستراتيجي" في أوكرانيا. الروس يستهدفون المدن والبنى التحتية والمدنيين. ليس من الواضح بالضبط ما يأمل الروس في تحقيقه من هذه الحملة.

* الركيزة الرابعة للاستراتيجية الحالية هي التعبئة. فيما في بعض الأجزاء فوضوية، جرى تصميم برنامج التعبئة الجزئية الروسي لتعويض خسائرهم من الأفراد وإعادة بناء جيش للعمليات الهجومية المستقبلية. يوجد أيضاً جانب صناعي لهذا، والذي يهدف إلى استبدال المعدات المفقودة وتحسين إنتاج التصنيع العسكري.

* فيما يتمثل الجزء الأخير من استراتيجية روسيا في الاحتفاظ بالأراضي التي استولت عليها بالفعل القوات الروسية. وهذا يشمل أجزاء من خمس ولايات أوكرانية أعلن بوتين ضمها رسمياً في سبتمبر/أيلول.

TRT عربي