بعيداً عن النفط والغاز.. كيف يعتمد الغرب على روسيا لتوفير اليورانيوم المخصب؟ (DPA)
تابعنا

في الوقت الذي يركز فيه الغرب على استهداف الوقود الأحفوري الروسي للحد من استخدامه كورق ضغط من قبل موسكو على دول الاتحاد الأوروبي التي تستعد لدخول شتاء قارس جراء شح إمدادات الغاز، تواصل الولايات المتحدة ودول أوروبا استيراد الوقود النووي الروسي الذي لم يخضع لأي عقوبات حتى الآن.

ولا تقتصر هيمنة روسيا على سوق الطاقة العالمي على الوقود الأحفوري من نفط وغاز وفحم، بل يمتد أيضاً إلى إمدادات الوقود النووي والتقنيات النووية. فإلى جانب هيمنتها على تكنولوجيا بناء المفاعلات النووية، تعتبر روسيا أكبر مورد في العالم للوقود النووي الذي يستخدم في تشغيل المفاعلات النووية، وذلك من خلال سيطرتها على أكثر 40% من احتياجات العالم من اليورانيوم المخصب.

وحسب وكالة رويترز، تعتمد صناعة الطاقة الأمريكية على روسيا وحليفتيها كازاخستان وأوزبكستان للحصول على ما يقرب من نصف اليورانيوم لتشغيل محطات الطاقة النووية. ونقلت رويترز عن مصدر مطلع قوله إن قطاع الصناعة الأمريكي ضغط على البيت الأبيض لعدم شمل اليورانيوم القادم من روسيا بحظر واردات الطاقة الذي أعلن عنه الرئيس بايدن مطلع مارس/آذار 2022 رداً على غزو روسيا لأوكرانيا.

هيمنة روسية

نقلت شبكة CNBC الأمريكية عن ورقة بحثية أعدها مركز جامعة كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية في مايو/أيار الماضي قولها إن روسيا لا تعتبر لاعباً مهيمناً في سلاسل التوريد العالمية لتكنولوجيا المفاعلات النووية وصناعتها وحسب، بل هي أيضاً المتحكم الأكبر في توريدات الوقود النووي لأوروبا والولايات المتحدة.

وحسب الورقة البحثية، في عام 2021 كان هناك 439 مفاعلاً نووياً قيد التشغيل حول العالم، 38 منها في روسيا، و42 مفاعلاً إضافياً جرى تصنيعها باستخدام تكنولوجيا المفاعلات النووية الروسية، بالإضافة إلى 15 مفاعلاً أخرى يتم بناؤها حالياً باستخدام التكنولوجيا الروسية. إذ إن "روساتوم" تعد أكبر مصنّع للمفاعلات النووية في مختلف أنحاء العالم.

ووفقاً للتقرير، على الرغم من أن روسيا تستخرج ما يقرب من 6% فقط من إجمالي اليورانيوم الخام المنتج سنوياً، إلا أنها مع ذلك تهيمن على أعمال تحويل وتخصيب اليورانيوم ليصبح جاهزاً للاستخدام كوقود في مفاعل نووي.

وأشارت الدراسة التي نشرها المركز إلى أن روسيا تمتلك نحو 40% من إجمالي البنية التحتية لتحويل اليورانيوم في العالم في عام 2020، وحوالي 46% من إجمالي قدرة تخصيب اليورانيوم في العالم في عام 2018.

وتتحكم شركة "روساتوم" (Rosatom)، وهي شركة مملوكة للدولة أسسها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عام 2007، في إنتاج اليورانيوم في روسيا والعالم بعد أن أصبحت واحدة من أكبر الجهات الفاعلة في سوق الطاقة النووية. وتعد الشركة مصدراً مهماً للإيرادات لموسكو، ومن المرجح أن يؤدي إعفاء واردات اليورانيوم الغربية إلى إثارة تساؤلات مستمرة حول دعم الشركات الأمريكية والأوروبية الاقتصاد الروسي في ظل استمرار الحرب الأوكرانية.

وحسب بلومبيرج، تعتبر "روساتوم" هدفاً حساساً لأنَّها والشركات التابعة لها مسؤولة عن نحو 35% من عمليات تخصيب اليورانيوم على مستوى العالم، ولديها اتفاقيات لشحن الوقود النووي إلى دول تقع في أنحاء قارة أوروبا كافة.

إدمان غربي على الوقود النووي الروسي

وبينما تعول دول أوروبية، لاسيما ألمانيا، على فرنسا لتعويض نقص إمدادات الطاقة القادمة والاستعاضة عنها بالكهرباء التي تولدها المفاعلات النووية الفرنسية، يتجاهل البعض مسألة الحصول على اليورانيوم اللازم لتشغيل محطات الطاقة النووية، حيث يتعين على فرنسا الاعتماد على روسيا وحليفتها كازاخستان، وحتى الصين لتوليد الكهرباء.

وعادةً ما تحتاج المفاعلات إلى التزود بالوقود خلال فترة تترواح ما بين 18 إلى 24 شهراً، وهنا تحديداً تظهر قوة روسيا كمورد عالمي مهم للوقود النووي التجاري. ففي عام 2020، حصلت دول الاتحاد الأوروبي على ما يقرب من 20.2% من احتياجاتها من اليورانيوم من روسيا، فيما جاءت 19.1% أخرى من كازاخستان، وفقاً لتقرير نشره موقع Clean Energy Wire.

ونظراً لأن الوقود النووي القادم من روسيا يعد رخيصاً نسبياً إذا ما قورن بالمنتجات المحلية التي توقفت عن الإنتاج بسبب المنافسة الشرسة، باتت الدول الغربية، ولاسيما الولايات المتحدة، مضطرة للاعتماد على روسيا في هذا المجال رغم المخاطر السياسية التي تحثها على خفض حصتها لتقليل مخاطر انقطاع الإمدادات المحتملة، وفقاً لما قاله رئيس معهد الطاقة الوطني نيما أشكيبوسي.

وحسب تقرير نشرته بلومبرج في يونيو/حزيران 2022، تدفع إدارة بايدن المشرعين لدعم خطة 4.3 مليار دولار لشراء اليورانيوم المخصب مباشرة من المنتجين المحليين كي تستغنى الولايات المتحدة عن الواردات الروسية من وقود المفاعلات النووية، خصوصاً أن روسيا تستحوذ على 16.5% من اليورانيوم المورد إلى الولايات المتحدة في عام 2020 ونحو 23% من اليورانيوم المخصب اللازم لتشغيل المفاعلات النووية التجارية الأمريكية.

وقود روسيا النووي معفى من العقوبات

تزامناً مع بدء تطبيق العقوبات الأمريكية على روسيا قبل 7 شهور، توقع الخبراء الإغلاق الشامل لمحطات الطاقة النووية الأمريكية في حالة فرض حظر على اليورانيوم أو أوقفت روسيا صادراتها منه إلى الولايات المتحدة، وهو ما دفع ممثلي شركات الطاقة النووية الأمريكية للطلب من الرئيس جو بايدن عدم حظر واردات اليورانيوم الروسي لتجنب ارتفاع أسعار الكهرباء، وصولاً إلى درجة الانهيار النووي وفقاً لما وصفه تقرير نشرته TRT World.

واستمراراً للنهج الذي اتبعته إدارة بايدن، لم تقترح المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، استهداف القطاع النووي الروسي في حزمة العقوبات الثامنة التي استهدفت فيها قطاعي النفط والغاز الروسيين. وهو الأمر الذي دفع مجموعة السلام الأخضر الفرنسية المعنية بالبيئة إلى شجب الشحنات الجارية ودعت إلى وقف جميع التجارة في الوقود النووي، والتي قالت إنها "تمول الحرب في أوكرانيا، وتمدد اعتماد (أوروبا) على الطاقة وتأخير الانتقال إلى الطاقة المتجددة"، وفقاً لتقرير نشره موقع ABC News.

وحسب التقرير الذي نُشر في نهاية سبتمبر/أيلول، قالت وزارة الخارجية الفرنسية لوكالة أسوشيتد برس إن الطاقة النووية المدنية لا تتأثر بهذه العقوبات، وأضافت إن دول الاتحاد الأوروبي "لا تعتبر هذا مجالاً مهماً لإنهاء العدوان الروسي على أوكرانيا". بالمقابل، تضغط أوكرانيا من أجل فرض عقوبات أوروبية في هذا المجال.

TRT عربي