تابعنا
نشرت منظمة "The Roundup" المهتمة بالتوعية البيئية والاستدامة تقريراً إحصائياً، يكشف أنّ الإنتاج السنوي للملابس يصل إلى 100 مليار قطعة، يذهب منها 92 مليون طن إلى المخلفات كل عام.

تعدّ الأزياء ثالث أكبر قطاع صناعي بعد السيارات والتكنولوجيا، ويعمل فيه نحو 300 مليون شخص، ووفق التقارير فهو سادس مصدر تلوث، ومسؤول عن نسبة 8% من الانبعاثات الكربونية عالمياً.

وقد نشرت منظمة "The Roundup" المهتمة بالتوعية البيئية والاستدامة تقريراً إحصائياً، يكشف أنّ الإنتاج السنوي للملابس يصل إلى 100 مليار قطعة، يذهب منها 92 مليون طن إلى المخلفات كل عام؛ وخاصةً بعد تضاعف إنتاج الملابس العالمي بين عامَي 2000 و2015، بسبب زيادة الطلب على الملابس الرخيصة.

وتفيد التقارير أنّ 87% من المواد والألياف المستخدمة في صناعة الملابس ينتهي بها الأمر إما في المحارق وإما في مدافن النفايات. وعليه، تشكّل الملابس والمنسوجات حالياً نحو 7% من إجمالي كمية النفايات العالمية.

وتجمع 20% من المنسوجات لإعادة استخدامها، لكن يُعاد تدوير 1% فقط منها إلى ملابس جديدة.

تأثير صناعة الموضة في المناخ

تُزال آلاف الهكتارات من الغابات القديمة والمهدّدة بالانقراض سنوياً، وتُستبدل بها مزارع الأشجار المستخدمة في صناعة الأقمشة، ما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة عالمياً؛ إذ إنّ الغابات المطيرة تساهم في امتصاص غازات الاحتباس الحراري.

ويبين الصحفي المختص بقضايا البيئة والمناخ، زاهر هاشم، أنّ الوقود الأحفوري الذي يُعدّ أهم عوامل الاحتباس الحراري، يرتبط بكل جزء من سلسلة التوريد في صناعة الأزياء، بدءاً من عملية زراعة القطن والنقل والشحن إلى المصانع، مروراً بعملية التصنيع، وأخيراً النقل والتوصيل إلى المتاجر وصولاً إلى المستهلك النهائي.

ويضيف لـTRT عربي، أنّ البوليستر الذي يُعدّ أكثر الخيوط الصناعية التي تدخل في إنتاج الأزياء، هو بالأصل أحد مشتقات النفط، ويتطلب تصنيع مثل هذه الخيوط استهلاك الكثير من الوقود الأحفوري.

ويشير إلى أنّ ثلثَي البصمة الكربونية للملابس يأتي من إنتاج الخيوط الصناعية، التي تمثل اليوم 65٪ من جميع المواد النسيجية، مبيناً أنّ تلك الألياف مسؤولة عن 1.35% من استهلاك النفط العالمي، وهو رقم هائل يعادل استهلاك 1.29 مليار برميل من النفط كل عام.

ويطلق غسل الملابس المُصنّعة من تلك الخيوط 500 ألف طن من الألياف الدقيقة في المحيطات سنوياً -وفقاً لهاشم-، وهذه المواد البلاستيكية الدقيقة غير قابلة للتحلّل، وتفتك بالحياة البحرية، ويُمكن أن تصل إلى جسم الإنسان عن طريق تناول الأسماك الملوثة.

ويلفت الصحفي المختص بقضايا البيئة والمناخ إلى أنّ شراهة الاستهلاك تزيد من الأثر البيئي لصناعة الموضة، إذ تذهب أطنان من الملابس يومياً إلى مكبّات النفايات قبل أن تستهلك نصف عمرها الافتراضي، مستطرداً أنّ كل هذه العمليات تنتج عنها أطنان من غازات الدفيئة التي تفاقم تغيّر المناخ.

وعن الكميات الهائلة من المياه التي تُهدر في إنتاج الأزياء، يقول هاشم إنّ "صناعة المنسوجات تعتبر ثاني أكبر ملوث للمياه في العالم، وغالباً ما يجري التخلص من المياه المتبقية من عملية الصباغة في حُفر في التربة أو في الجداول والأنهار"، مبيناً أنّ التقديرات تشير إلى أنّ صناعة الأزياء مسؤولة عن 20% من إجمالي تلوث المياه.

دعوات عالمية

برعاية الأمم المتحدة، اجتمعت أشهر شركات صناعة الأزياء لإصدار ميثاق يُعد الأول من نوعه في قطاع الموضة، وعلى رأس أهدافه استخدام مصادر الطاقة المتجددة في الإنتاج، والوصول إلى "صفر انبعاثات كربونية" بحلول عام 2050.

وفي أبريل/نيسان الماضي، اعتمدت لجنة البيئة في البرلمان الأوروبي توصياتهم لضمان إنتاج المنسوجات بطريقة دائرية ومستدامة.

ولمعالجة الإفراط في الإنتاج والاستهلاك للملابس والأحذية، دعت اللجنة المفوضية ودول الاتحاد الأوروبي إلى اعتماد تدابير تضع حدّاً لـ"الموضة السريعة"، بدءاً بتعريف واضح للمصطلح يعتمد على "إنتاج الكميات الكبيرة من الملابس الرخيصة ذات الجودة المنخفضة"، وانتهاءً بتثقيف المستهلكين بهذا الشأن لمساعدتهم على اتخاذ خيارات مسؤولة ومستدامة.

وتشمل التوصيات، تقليل الانبعاثات واستخدام الطاقة المتجددة في عملية الإنتاج، بالإضافة إلى إعادة تدوير المنسوجات وحظر حرق السلع النسيجية غير المبيعة والمرتجعة، وسنّ قواعد واضحة لوضع حدّ لممارسات الغسل الأخضر الذي تمارسه الشركات الكبرى بدلاً من الاستدامة الحقيقية.

بدائل مستدامة

قد يعتقد الناس أنّ مصطلح "الموضة المستدامة" يتمثل فقط في شراء الأزياء من العلامات التجارية الصديقة للبيئة، والتي عادةً ما تكون مكلفة، ولا يستطيع البعض تحمّل نفقاتها، وذلك نظراً لاختلاف عملية إنتاجها واعتمادها على مواد خام طبيعية.

لكن هناك أشكال عدّة من الاستدامة، يستطيع جميع من يرغب في تقليل تأثير الموضة السريعة في البيئة تطبيقها، فإلى جانب شراء الملابس المصنوعة من الألياف الطبيعية القابلة للتحلّل الحيوي، ولا تستهلك كثيراً من الماء كالحرير والخيزران، يمكن للمستهلكين إعادة تدوير واستخدام ما لديهم، مثل صُنع ملابس جديدة من القطع القديمة، أو حتى تغيير شكلها بإضافة التطريز والزخارف المختلفة.

وتؤكد منسقة الأزياء ومُدوِّنة الموضة المستدامة، نهى زهران أهمية الوعي بضرر الموضة السريعة علي البيئة والصحة، وضرورة الحدّ من الاستهلاك المفرط لها.

وتضيف نهى لـTRT عربي، أنّ الجميع يستطيع تقليل الأثر السلبي لصناعة الأزياء في البيئة من خلال أشكال عدّة وسهلة التطبيق، سواء بخلق قطع أخرى من الملابس القديمة بمساعدة خياطة، أم إعادة تصميمها في المنزل.

وتشير إلى أنّ تبديل الأزياء بين الأصدقاء وأفراد الأسرة، أو التبرع بها للجمعيات الخيرية، أو بيعها لمحال الملابس المستعملة، من الحلول الجيدة والسهلة للمساهمة في تقليل الأثر الضار في البيئة للتخلص منها.

ومع انتشار الشراء عبر الإنترنت، اختلف مفهوم التسوّق، وأصبح المستهلكون يشترون بشكل غير واعٍ ملابس أكثر من حاجاتهم، وترتب عليه إعادة نسبة كبيرة من هذه المشتريات بعد تجربتها. وقد وجدت شركات الأزياء والتجار أنّ التخلص من تلك البضائع المعادة سواء بإحراقها أم بإلقائها في النفايات بدلاً من محاولة بيعها مرة أخرى أقل تكلفة، وضاعفت هذه الممارسات من الانبعاثات الضارة للبيئة.

وفي هذا السياق توضح نهى أنّ التسويق عبر الإنترنت، سياسة يتبعها صُنّاع الموضة والمسوّقون للتأثير في سيكولوجية المستهلك، متعمّدين توصيل أخبار الصيحات الجديدة والجذابة له عبر البريد الإلكتروني أو رسائل الهاتف؛ لإثارة شعور دائم عنده بالحاجة للتسوق واقتناء كل ما هو جديد وعدم الاكتفاء بما لديه.

وتنصح منسقة الأزياء المستهلكين بعدم تسجيل البريد الإلكتروني أو رقم الهاتف بتلك العلامات التجارية غير المتماشية مع أذواقهم وقيمهم، لتصعيب الوصول المباشر والدائم وانتهاك خصوصيات المستهلكين.

وتلفت إلى مصطلح "التسوّق من الخزانة" الذي يُعرف بالتنسيق المستدام، وهو الوعي بالقطع الأساسية واللازمة لبناء خزانة مستدامة واقتناء القطع المناسبة للذوق الخاص بالأشخاص، ومعرفة كيفية تنسيقها لخلق إطلالات مختلفة ومتماشية مع صيحات الموضة، وذلك من خلال الاستثمار في الأساسيات مثل الجينز، والجواكت والبلوزات والسراويل ذات الألوان المحايدة، بنسبة 80% في الدولاب، لتسهيل عملية التنسيق وعدم الاحتياج غير الواعي للشراء.

TRT عربي
الأكثر تداولاً