"تركوا منازلهم في 15 دقيقة".. ماذا تعرف عن تهجير تتار القرم من وطنهم؟ (Others)
تابعنا

في مثل هذا اليوم قبل 79 عاماً، وفي ذروة الحرب العالمية الثانية، اتهم الاتحاد السوفيتي تتار القرم بالتعاون مع القوات الألمانية، مما أدى إلى سلسلة من الأحداث التي أدت إلى الترحيل الجماعي لتتار القرم من وطنهم بعد أن أصدرت السلطات السوفيتية أمراً بالإزالة القسرية لجميع سكان تتار القرم من شبه جزيرة القرم يوم 18 مايو/أيار 1944.

وبقرار من زعيم الاتحاد السوفيتي جوزيف ستالين، كان الترحيل سريعاً ووحشياً، حيث مُنحت العائلات 15 دقيقة فقط لجمع متعلقاتهم قبل إجبارهم على ركوب عربات القطار المخصصة لنقل الحيوانات ونقلهم إلى مناطق مختلفة من الاتحاد السوفيتي، وبالأخص دول آسيا الوسطى، في ظروف غير إنسانية اتسمت بالعنف والارتباك واليأس، حيث فصلت العائلات عن بعضها، وكانت الرحلة نفسها شاقة تسببت في وفاة الكثير بسبب المرض والجوع والعطش والمعاملة السيئة.

معاناة تتار القرم الأتراك، التي بدأت عندما خرجت القرم من سيطرة الإمبراطورية العثمانية، لم تنتهِ أبداً. وبينما أصبحت الأناضول العنوان الأول لأتراك القرم المنفيين، إذ لجأ العديد من أتراك تتار القرم إلى الدولة العثمانية بسبب ضغط القيصرية الروسية، فقد تزايد عدد المنفيين مع بداية تنفيذ سياسة قيصرة روسيا كاترين الثانية لإبادة أتراك القرم التتار، والتي استمرت بشكل تقليدي خلال حقبة الاتحاد السوفيتي، وفقاً لما أورده تقرير نشره موقع TRT Haber.

من هم تتار القرم؟

ينحدر تتار القرم من جبال القوقاز، وهم أمة تركية موطنها الأصلي شبه جزيرة القرم. استقروا بشبه الجزيرة خلال العصر العباسي، ومنذ القرن الثامن الهجري ظهرت بقوة دولتهم ومدّت نفوذها إلى المناطق المجاورة لها، بل وفرضت ذات يوم الجزية على موسكو.

وفي وقت لاحق، ضُمت القرم إلى مظلة الدولة العثمانية، إلى أن تمكّن الروس بعد قرابة القرن من غزو شبه جزيرة القرم وضمها إليها في عام 1783. وإبان الحقبة السوفيتية، تمتعت القرم بالحكم الذاتي كجمهورية من جمهوريات الاتحاد، لكن شعبها التتاري عانى من ويلات التهجير القسري في عهد الزعيم السوفييتي السابق جوزيف ستالين الذي بدورة ضمها إلى جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية، إذ مثلت جزءاً لا يتجزَّأ منها حتى بعد سقوط الاتحاد سنة 1991، إذ مُنحت حكماً ذاتياً.

وإبان الأزمة الأوكرانية عام 2012، رأى تتار القرم أن العيش في ظل أوكرانيا أو الاتحاد الأوروبي يفتح لهم آفاقاً أوسع في مجال الحقوق والحريات، ولم تغب عنهم ذكريات الماضي في ظل الحكم السوفييتي. حتى عاد إليهم مجدداً في شكل ضم لتلك الأراضي إلى حكم موسكو، في 16 مارس/آذار 2014، عبر استفتاء من جانب واحد، لم يعترف به دولياً.

حكاية التهجير

بدأت روسيا السوفيتية، التي فقدت شبه جزيرة القرم بعد وقت قصير من بدء الحرب العالمية الثانية، في الضغط على شعب تتار القرم بعد استعادة شبه الجزيرة من ألمانيا النازية، فيما طالب زعيم الاتحاد السوفيتي جوزيف ستالين بنفي تتار القرم إلى مناطق مختلفة في آسيا الوسطى بتهمة التعاون مع الألمان.

دخل قرار ستالين السري حيز التنفيذ في منتصف ليل 18 مايو/أيار 1944. بعد القرار، جرى تحميل ما يقدر بـ250 ألفاً من تتار القرم، معظمهم من كبار السن والأطفال والنساء، في العربات المخصصة لنقل الحيوانات في غضون 15 دقيقة، وجرى نفيهم إلى آسيا الوسطى في ثلاثة أيام دون طعام أو ماء.

كانت عواقب الترحيل القسري مدمرة، فقد اقتُلع تتار القرم قسراً من منازلهم. وبينما مات الآلاف خلال الرحلة أو في السنوات الأولى من المنفى بسبب الظروف القاسية وسوء التغذية والمرض، واجه أولئك الذين نجوا تحديات هائلة في التكيف مع محيطهم الجديد وإعادة بناء حياتهم.

عواقب مدمرة

على الرغم من مرور 79 عاماً على جريمة الترحيل القسري، لا يزال تهجير تتار القرم من وطنهم فصلاً مؤلماً في تاريخهم. كان لنزوح تتار القرم آثار طويلة الأمد على كل من الأفراد والمجتمع ككل. فقد عانوا من اضطراب ثقافي، حيث واجهت لغتهم وتقاليدهم وعاداتهم سياسات القمع والاستيعاب التي نفذها النظام السوفيتي.

كما صادرت الحكومة السوفيتية ممتلكاتهم وأعادت توزيعها بين الجماعات العرقية الأخرى، مما جعل العودة إلى وطنهم أكثر صعوبة.

وفي أواخر الثمانينيات، مع بداية عملية التحرر السياسي والاجتماعي في الاتحاد السوفييتي، تمكن تتار القرم من التعبير عن مطالبهم بالعدالة والعودة إلى وطنهم. ومع تفكك الاتحاد السوفيتي في عام 1991، أصبحت القرم جزءاً من أوكرانيا المستقلة، مما فتح إمكانيات جديدة لتتار القرم لتأكيد حقوقهم.

منذ ذلك الحين، قطع تتار القرم خطوات كبيرة في رحلتهم نحو العدالة والمصالحة. ومع ذلك، فإن كفاحهم لم ينته بعد. ففي عام 2014، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، مما أدى إلى تجدد الشعور بانعدام الأمن والتمييز لمجتمع تتار القرم.

TRT عربي
الأكثر تداولاً