اليونان مستمرة في تسليح الجزر منزوعة السلاح شرقي بحر إيجة، وتركيا تههد بإعادة بحث مسألة السيادة عليها. (Others)
تابعنا

عاد ملف تسليح اليونان جزر إيجة إلى تصدر واجهة الخلاف بين تركيا واليونان، الأمر الذي دفع أنقرة للتهديد مجدداً بإعادة بحث مسألة السيادة على هذه الجزر. فيما أكد وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو، نهاية الشهر المنصرم، أن على اليونان أن تتوقف عن انتهاك الوضع القائم في جزر شرق بحر إيجة، وإلا فسيبدأ بحث مسألة السيادة.

ورداً على الاستفزازات اليونانية المستمرة، قال الرئيس أردوغان خلال حضوره مناورات "أفس 22" العسكرية: "ندعو اليونان إلى وقف تسليح الجزر بوضع غير عسكري والعمل وفقاً للاتفاقيات الدولية". وأردف: "نحذّر اليونان، تماماً مثل قرن مضى، للابتعاد عن الأحلام والأفعال التي ستؤدّي إلى الندم، والعودة إلى رشدها. لن تتنازل تركيا عن حقوقها في بحر إيجة ولن تتردد في استخدام الصلاحيات المعترف بها في الاتفاقيات الدولية بشأن تسليح الجزر".

يذكر أن جزر منتشه يُطلق عليها في الإعلام جزر الاثني عشر، وغالباً ما يُطلق عليها خطأً الاثنتا عشرة جزيرة ظناً أن عددها 12 جزيرة، إلا أنها في الحقيقة عبارة عن 14 جزيرة، إضافة إلى 10 جزر صغيرة وتجمعات صخرية. أما سبب التسمية فيرجع إلى أن كل جزيرة كانت تضم مجلساً محلياً مكوناً من 12 شخصاً يهتمون بالأمور الإدارية الداخلية للجزر، وقد واصل العثمانيون تطبيق هذا بعد فتحهم الجزر. فيما يُطلق عليها اليونانيون اسم "Dodace-Nissas".

أصل الحكاية

بالتزامن مع إعلان اليونان استقلالها عن الدولة العثمانية في أبريل/نيسان 1830، انتقلت تبعية بعض الجزر "المذكورة بالاسم" إلى اليونان، في حين استمرت السيادة العثمانية على معظم جزر بحر إيجة، وبقي الحال كذلك إلى أن اندلعت مواجهات طرابلس بين الدولة العثمانية وإيطاليا التي احتلت مجموعة جزر منتشة عام 1912، والتي رفضت التخلي عنهم رغم اتفاقية أوشي أو لوزان الأولى الموقعة في عام 1911، بحجة أن انسحابها سيعطي فرصة لليونان لاحتلالها خلال حرب البلقان.

لكن اليونان بالمقابل استغلت فرصة انشغال الدولة العثمانية بحرب البلقان وفرضت سيطرتها على معظم جزر إيجة باستثناء جزر غوكتشه وبوزجه، بالإضافة إلى ميس التي بقيت تابعة للدولة العثمانية. إلا أن خسارة الحرب العالمية، أجبر الدولة العثمانية على التنازل عن حقوقها في الجزر المحتلة من إيطاليا، والاعتراف بسيادة اليونان على الجزر التي احتلتها، بالإضافة إلى التخلي عن الجزر التي تُركت لها قبل ذلك بموجب قرار الدول الست الكبرى.

وعلى الرغم من تمكن أتاتورك ورفاقه من تحرير الأراضي التي احتلتها الدول الغربية وتأسيس الجمهورية التركية عام 1923 فلم يتغير حال الجزر المحتلة كثيراً، إذ بقيت الجزر تابعة لليونان وإيطاليا. ولاحقاً تنازلت إيطاليا عن جزرها لألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، والتي انتقلت ملكيتها لبريطانيا ومن ثم إلى اليونان وفقاً لمعاهدة السلام الموقعة بين الحلفاء وإيطاليا عام 1947.

تسليح الجزر

رغم الشروط الواضحة التي كفلتها الاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقيات لوزان (1923) وباريس (1947)، والتي تنص بشكل واضح وصريح على عدم تسليح الجزر القريبة من تركيا، عمدت اليونان منذ عام 1960 إلى تحويل جزر بحر إيجة إلى مخازن أسلحة من خلال تسليح عديد من الجزر. وحالياً، تنشط قوات عسكرية يونانية في جزر مثل "سمدرك" (ساموثراكي) و"مدللي" (لسبوس) و"ساموس" و"بطمس" و"ليروس" و"كاليمنوس" و"استنكوي" (كوس) و"ايلكي" و"كربه" (كارباثوس) و"سومبكي" (سيمي) و"رودوس" و"ميس" (كاستيلوريزو).

تركيا من جانبها تؤكد أن تسليح اليونان للجزر يشكل تهديداً صارخاً للأمن القومي التركي، وهو الملف الذي يعد من أبرز ملفات الخلاف بين أنقرة وأثينا، والذي من شأنه أن يتسبب في نشوب أزمات دبلوماسية حقيقية بين البلدين قد تتطور إلى حد المواجهة العسكرية المباشرة كما حدث في أزمة جزيرة قارداق عام 1995.

بالمقابل لا ينفي المسؤولون اليونانيون الأنباء المتعلقة بسياسة تسليح جزر إيجة المتواصلة، بحجة أن هذا الإجراء حق من حقوق الدفاع عن النفس، بدعوى أن تركيا تشكل "تهديداً" على الجزر. وفي السياق ذاته، قال وزير الدفاع اليوناني نيكوس بانايوتوبولوس في عدة مناسبات، إن تركيا تشكل "مصدر تهديد" على بلاده، لذلك لا يمكن "نزع سلاح الشخص الذي يتعرض للتهديد". الأمر الذي يعتبر اعترافاً واضحاً وصريحاً بأن أثينا تخالف الاتفاقيات الدولية التي هي طرف رئيسي فيها.

تركيا تهدد ببحث مسألة السيادة

بالتزامن مع التصعيد اليوناني المتواصل، غرد الناطق باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، عمر جليك عبر حسابه على تويتر: "إن اليونان عبر تسليحها الجزر في بحر إيجة تفضّل أن تسلك طريقاً غير قانوني"، واصفاً ذلك بأنه "طريق مسدود".

وفي يوليو/تمّوز 2021، تقدمت تركيا بشكوى إلى الأمم المتحدة نددت من خلالها بسياسات وممارسات الجانب اليوناني التي تنتهك وضع جزر بحر إيجة الشرقية. وشدد فريدون سنرلي أوغلو، الممثل الدائم لتركيا لدى الأمم المتحدة في الرسالة على "قرب الجزر المذكورة، بما في ذلك جزيرة ميس، من البر التركي، وتسليح هذه الجزر يشكل تهديداً على أمن تركيا وفق ما جاء في معاهدتي لوزان وباريس للسلام".

وفي نهاية مايو/أيار الماضي، قال وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو، إن اليونان انتهكت الوضع القائم في جزر شرق بحر إيجة، وأكد أن عليها نزع الأسلحة وإلا فسيبدأ بحث مسألة السيادة. وأضاف: "اليونان انتهكت الوضع القائم في الجزر، لذلك عليها نزع الأسلحة منها، وإلا فسيبدأ بحث مسألة السيادة، لأن الجزر وُضعت تحت سيطرتها (اليونان) وفقاً لهذا الشرط".

TRT عربي