هل تستخدم فرنسا الفرنك الإفريقي لنهب القارة السمراء؟ / صورة: Getty Images (john images/Getty Images)
تابعنا

بعد إعلانها الخروج من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) الأحد، يسود الترقب حول موقف بوركينا فاسو والنيجر ومالي من الإبقاء على العملة الموحدة (الفرنك الإفريقي)، التي ورثتها دول تلك المجموعة عن الاستعمار الفرنسي.

وإلى اليوم، لا تزال فرنسا تستخدم الفرنك الإفريقي (CFA)، أداة رئيسية في هيمنتها على السياسات المالية لدول غرب ووسط إفريقيا، ووسيلة لنهب خيرات تلك البلدان الزاخرة بالموارد الطبيعية. في وقت يتنامى فيها العداء الشعبي للهيمنة الاستعمارية الفرنسية، وتتزايد المطالبات بالقطع مع العملة الموحدة.

عداء متنامٍ لـ "الفرنك الإفريقي"

في بيان مشترك الأحد أعلنت قيادات الدول الثلاث قرارها السيادي "الانسحاب الفوري لبوركينا فاسو ومالي والنيجر من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا"، مرجعة ذلك إلى كون "هذه الكتلة ابتعدت عن قيم المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وآبائها المؤسسين والوحدة الإفريقية (...) وأصبحت تحت تأثير قوى أجنبية".

ودفع هذا الإعلان عدداً من المحللين، إلى طرح تساؤلات حول ما إن كانت الدول الثلاث ستحافظ على العملة الموحدة التي تربطها بالمجموعة. وأتت الإجابة على لسان رئيس المجلس العسكري لبوركينا فاسو إبراهيم تراوري، قائلاً إن الخروج من الاتحاد النقدي لدول غرب إفريقيا "أمر مطروح" على طاولة المجلس الحاكم بالبلاد.

بالمقابل، نفى وزير الخارجية المالي عبد الله ديوب، عزم بلاده القطيعة مع الفرنك الإفريقي. وقال في تصريحات لوكالة رويترز: "مالي تنسحب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) لكنها ستظل عضواً في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا".

وفي شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، أشارت تقارير صحفية، إلى أن مالي والنيجر وبوركينا فاسو، يسعون لتأسيس اتحاد اقتصادي ومالي خاص. وأتى ذلك عقب تصريحات لرئيس المجلس العسكري للنيجر، الجنرال عبد الرحمن تياني، قال فيها: "بالإضافة إلى المجال الأمني، يجب أن يتطور تحالفنا في المجال السياسي وفي المجال النقدي".

وقبل ذلك، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أصدر وزراء مالية الدول الثلاث بياناً مشتركاً أوصى فيه بتشكيل لجنة خبراء لدراسة موضوع الاتحاد الاقتصادي والاتحاد النقدي. وهو ما جرى اعتباره "مبادرة تاريخية" لإعادة ترسيخ سيادتهم النقدية من خلال إنشاء عملة مشتركة تسمى "الساحل"، ومواجهة الهيمنة الاستعمارية الفرنسية.

وتأتي هذه التصريحات بعد تنامي العداء الشعبي في الدول الثلاث، كما في باقي دول غرب إفريقيا، من استمرار الهيمنة الاقتصادية الاستعمارية الفرنسية عليها. ومن الممكن أن يشجع خروج تلك الدول من الاتحاد الاقتصادي والمالي لدول غرب إفريقيا، باقي شعوب الاتحاد للدفع نحو تحركات مماثلة.

وهو ما أكده الأستاذ الباحث المختص في الشؤون الإفريقية إسماعيل محمد طاهر، في حديثه إلى TRT عربي، أن النيجر وبوركينا فاسو ومالي، بقرارهم الخروج من "إيكواس"، هم "ماضون قُدماً في استقلاليتهم عن القوى الغربية المتمثلة في فرنسا"، قد "يحفز الشعوب في عدد من الدول الأعضاء الآخرين في المجموعة (...) إذ تحظى هذه الدول الثلاث بتعاطف كبير من قطاع واسع في تلك الشعوب".

كيف تستخدم فرنسا "الفرنك" في نهب إفريقيا؟

يعود تأسيس "الفرنك الإفريقي" إلى عام 1945، على يد الاستعمار الفرنسي في مستعمراته في إفريقيا جنوب الصحراء. وإلى اليوم لا تزال هذه العملة مستعملة في 14 دولة في غرب ووسط القارة السمراء.

وتنقسم هذه العملة إلى قسمين: الأول فرنك غرب إفريقيا، الذي تستخدمه بنين وبوركينا فاسو وغينيا بيساو وساحل العاج ومالي والنيجر والسنغال وتوغو. والثاني فرنك وسط أفريقيا، ويستخدم في الكاميرون، وإفريقيا الوسطى، وتشاد، وغينيا الاستوائية، والجابون، وجمهورية الكونغو. بالإضافة إلى فرنك جزر القمر.

وإلى اليوم لا تزال هذه الدول تستخدم تلك العملات، التي صُممت أساساً لتمنح الاستعمار الفرنسي امتيازات مالية كبيرة، إذ جرى ربطها بالفرنك الفرنسي أولاً، وبعد ذلك باليورو. ما يعني أنه يضمن للبنك المركزي في باريس تحكماً مطلقاً في السياسات المالية لتلك الدول الإفريقية، وعلى رأسها احتياطيات العملات الصعبة.

ويفرض على الدول التي تستخدم الفرنك الإفريقي أن تودع ما لا يقل عن 50% من احتياطاتها من العملة الصعبة في الخزينة العامة الفرنسية، أي إن الدول الإفريقية مجبورة على اقتسام ما تحصله من تصدير خيراتها ومواردها الطبيعية مع فرنسا. كما لا يسمح لحكومات تلك الدول بإنفاق سوى 20% من إيرادات مواردها من العام السابق.

وناهيك بعملية النهب هذه، فإن التحكم الفرنسي في العملة الإفريقية يضع تلك الدول في أزمة سيولة دائمة، وبالتالي تضخم مزمن، وهو ما يضرب في مقتل أي مساعٍ محلية للتنمية. بالإضافة إلى إقدام فرنسا مراراً على تعميق هذه الأزمات بقراراتها الأحادية لتخفيض قيمة "الفرنك الإفريقي".

ولحماية استراتيجيتها الاستعمارية، غالباً عمدت فرنسا إلى زعزعة استقرار تلك الدول الإفريقية، واغتيال قادتها الذين عملوا على مواجهة تلك الهيمنة، وأبرزهم الرئيس البوركينابي السابق توماس سانكارا والرئيس الأول لجمهورية مالي موديبو كيتا والرئيس التوغولي سيلفانوس أوليمبيو.

TRT عربي