يشار إلى النمط الطبيعي للتعافي بعد حرائق الغابات باسم "التعاقب البيئي"، فهل تعد حرائق الغابات وسيلة لتجدد الطبيعة نفسها؟ (Mesut Karaduman/AA)
تابعنا

بالتزامن مع الحرائق التي تجتاح الغابات من أستراليا إلى الأمريكيتين، مروراً بدول حوض البحر الأبيض المتوسط، تزايدت المخاوف من خطورة الكارثة وما سينتج عنها من تدمير للغطاء النباتي وقتل للحيوانات والأحياء العضوية. فضلاً عن أنه بات من الصعب تقدير حجم وشكل الخسائر الحقيقية الناتجة عن الحرائق، فإلى جانب خسارة آلاف الهكتارات من الغابات والأراضي الزراعية سنوياً، هناك تخوف من تبعات أخرى لا تقل خطورة وضرراً عن الحرائق، ومن أبرزها حدوث سيول وانهيارات طينية في مواسم هطول الأمطار بسبب زوال الغطاء النباتي، بالإضافة إلى زيادة حدة الاحتباس الحراري.

وبينما تعالت الأصوات التي تطالب بإعادة إحياء الغابات المحترقة في أسرع وقت عن طريق أعمال التشجير والبذر، أشار علماء الطبيعة ومختصو الغابات إلى أنه لا حاجة إلى مداخلة بشرية، خصوصاً أن النظام البيئي للغابات تطور عبر ملايين السنين وأصبح يعتمد على حرائق الغابات الدورية من أجل إحلال التوازن، كما أن بعض النباتات والحيوانات تعتمد اعتماداً كلياً على الحرائق من أجل التجدد والتكاثر وتوسعة رقعتها الخضراء أيضاً.

ويشار إلى النمط الطبيعي للتعافي بعد حرائق الغابات باسم "التعاقب البيئي"، وهي العملية التي تتحرك فيها الأرض والنباتات والحياة البرية عبر مراحل بيئية مختلفة من أجل العودة إلى حالة الاستقرار النسبي، إنه مثل الضغط على زر "إعادة الضبط" في دورة حياة الغابة.

الغابات بحاجة إلى الحرائق

في تقرير لـ"ناشونال جيوغرافيك" بعنوان "الفوائد البيئية للحرائق"، أُشير إلى أن حرائق الغابات هي قوى مدمرة يمكن أن تحدث بشكل طبيعي (مثل البرق)، أو من خلال حوادث من صنع الإنسان (مثل السجائر وحرائق المخيمات)، أو حتى أعمال الحرق المتعمد. ولذلك تطورت بعض النباتات والحيوانات لتعتمد على حرائق الغابات الدورية لتحقيق التوازن البيئي.

ولفت التقرير إلى أن البشر منذ آلاف السنين يقومون بافتعال حرائق الغابات لأسباب متعددة ومختلفة. لكن اليوم، يتم استخدام الحرائق المفتعلة الخاضعة للسيطرة بشكل أساسي لتعزيز صحة الغابات البيئية، ومنعاً للحرائق الكبرى والأكثر ضرراً التي يصعب السيطرة عليها.

وكما تحتاج بعض النباتات والحيوانات إلى الحرائق من أجل البقاء والتكاثر، تستفيد العديد من النُظم البيئية الأخرى من حرائق الغابات الدورية، لأنها تزيل المواد العضوية الميتة والمتحللة التي تغطي سطح التربة، والتي تمنع الكائنات الحية داخل التربة من الوصول إلى العناصر الغذائية أو تمنع الحيوانات الموجودة على الأرض من الوصول إلى التربة، فضلاً عن تشكيل هذه الطبقة العضوية الميتة لغطاء يمكن أن يؤدي إلى خنق نمو النباتات الصغيرة أو الجديدة.

وعلاوة على ذلك، فإن العناصر الغذائية المنبعثة من المواد المحترقة، والتي تشمل النباتات والحيوانات الميتة، تعود بسرعة أكبر إلى التربة ممَّا لو كانت قد تلاشت ببطء بمرور الوقت. وبهذه الطريقة تزيد النار من خصوبة التربة بسبب ما تخلفه من رماد يحتوي على المغنيسيوم والكبريت والبورون والبوتاسيوم والفوسفور وعناصر أخرى لازمة لنمو النباتات، بالإضافة إلى قضاء النيران على الأعشاب والشجيرات الصغيرة التي تمنع دخول الشمس أراضي الغابة ولا تسمح بنمو الأشجار الجديدة، وهي ميزة استغلها المزارعون لقرون.

تجدد تلقائي

مع هطول الأمطار تعود الحياة مرة أخرى إلى الغابات المحترقة، وتبدأ الأشجار والنباتات الجديدة بالنمو مجدداً في المناطق المتفحمة، حيث تبدأ البذور المخزنة في أرضية الغابة في الإنبات، وتبدأ بعض الأشجار في إنبات أغصان جديدة نضرة الخضرة من براعم وجذوع الأشجار المحترقة.

وهناك أنواع من الأشجار تعتمد على الحرائق من أجل التكاثر وإعادة الإنبات، على سبيل المثال، بذور أشجار الصنوبر (الذي ينتشر في غابات حوض البحر الأبيض المتوسط ومناطق بحر إيجة) مختومة برابطة راتنجية لا يمكن تكسيرها إلا من خلال درجات الحرارة المرتفعة المرتبطة بحرائق الغابات، وربما من هنا جاء القول السائد: "إن الحرائق هي طريقة الطبيعة من أجل تجديد غاباتها".

فبينما يرفض بعض العلماء والخبراء أعمال التشجير والبذر لإعادة إحياء الغابات المحترقة مجدداً، يؤكد البعض الآخر ضرورة حماية التنوع البيولوجي الخاص بالغابة المحترقة، ويشددون على ضرورة زراعة أشجار من بذور الغابة نفسها وألَّا يتم جلب أشجار غريبة عن المنطقة من أماكن أخرى حتى وإن كانت من نفس نوع فصيل الأشجار المحترقة.

غابات وأشجار جديدة

في بعض الأحيان، تنشأ غابات جديدة بمساحات واسعة في مناطق جديدة، وذلك بسبب تطاير ملايين البذور من الأشجار المحترقة التي يلعب الهواء الساخن دوراً مهماً في نقلها إلى أماكن جديدة، فضلاً عن أن بعض الأشجار مثل الصنوبر الأحمر قام عبر ملايين السنين بتطوير استراتيجية تجدد تعتمد على النيران، حيث تقوم بإطلاق حاويات بذورها إلى مسافة تصل إلى نحو 500 متر من أجل التكاثر والانتشار.

وفي السياق ذاته، أيد البروفيسور شاتاي تافشان أوغلو الذي استضافه برنامج (Teke Tek) على قناة "خبر تورك"، فكرة ترك الأمر للطبيعة لإعادة تجديد الغابات المحترقة، وألَّا يتم أيه مداخلة بشرية مطلقاً حتى ولو لم تنم الغابة مجدداً، مفسراً ذلك بأن أراضي الغابات بحاجة إلى الاستراحة من وقت لآخر، الأمر الذي يسمح ببدء غابات جديدة في مناطق مختلفة. ولفت إلى أنه في بعض الأحيان تنمو أنواع مختلفة من الأشجار مكان تلك المهيمنة التي احترقت، معتبراً ذلك أمراً ضرورياً في مسار التطور الطبيعي.

وتأكيداً لكلام تافشان أوغلو، ونقلاً عن موقع (swissinfo)، يقول توماس فوهلغيموت، رئيس مجموعة البحث حول الاضطرابات البيئية في المعهد الفيدرالي السويسري للأبحاث حول الغابات والثلوج والمناظر الطبيعية: "كلما ازدادت الحرائق، نما مجدداً عدد متزايد من أشجار البلوط، وكلما اندثر المزيد من أشجار الصنوبر".

TRT عربي