سور "تراقيا الطويل".. تعرّف جدار أناستاسيوس حامي إسطنبول قبل 1600 عام (Others)
تابعنا

على مر مئات القرون، بنت الحضارات الكبيرة والعرقية الحصون والجدران الطويلة والعملاقة لحماية أراضيها من الهجمات الخارجية. من أشهر هذه الجدران سور الصين العظيم وسور هادريان في إنجلترا، ولكن يمتدّ سور آخر لعدة كيلومترات في إسطنبول، لا يقلّ عظمة عن هذه الأسوار، يُعرَف باسم جدران أناستاسيوس.

بنى الجدارَ البيزنطيون قبل نحو 1600 سنة على ساحل البحر الأسود في منطقة تشاتالجا شمالي إسطنبول، لحماية المدينة من هجمات البلقان. ولأكثر من ألف عام حمَت الأسوار الأرضية العظيمة التي ُبنيت في عهد الإمبراطور ثيودوسيوس، المدينة من هجمات البلغار القادمين من الشمال.

أصل الحكاية

حتى بداية القرن السابع كان التهديد الأكبر للقسطنطينية يأتي من الأراضي المحيطة بنهر الدانوب. بعد نحو نصف قرن من تأسيس المدينة على يد قسطنطين، قُتل الإمبراطور فالنس في معركة أدرنة (هادريانابوليس) عام 378 وهزم البلغار جيش بيزنطة البري.

لذلك ليس من المستغرب أن يطلق خلفاء الإمبراطور فالنس، مشروع بناء الجدران والحصون العسكرية على الطريق الرئيسي الذي يصل إلى العاصمة لحماية أراضيهم من جهة الشمال خلال العقدين التاليين. مع ذلك لم تكن هذه المحاولة العظيمة كافية، حتى مجيء الإمبراطور أناستاسيوس في بداية القرن السادس الميلادي.

وبين عامَي 491 و518 أمر أناستاسيوس ببناء آخر خط دفاع عظيم في العصور القديمة المتأخرة، المعروف باسم جدار أناستاسيوس أو سور تراقيا الطويل. من خلال هذا الجدار، الذي ارتفع كعقبة لا يمكن التغلب عليها، تمتد عبر شبه الجزيرة بأكملها، وحُصّنت مستوطنات مثل سيليفري ومرمرة إريجليسي ومنطقة تراقيا.

جدار "تراقيا الطويل"

بُني سور أناستاسيوس الطويل في بداية القرن السادس الميلادي على بعد 65 كم غرب إسطنبول (القسطنطينية) لصدّ التوغلات البلغارية المتزايدة آنذاك على الأرجح. يبدأ الجدار من منطقة تشاتالجا على ساحل البحر الأسود في الشمال وينتهي عند ساحل بحر مرمرة بالقرب من سيليفري.

وحسب أعمال التنقيب التي أجراها الباحث التركي فريدون ديريمتكين، حُدّد طول الجدار بـ52 كيلومتراً، فيما قالت دراسات أخرى إن طوله يبلغ 45 كيلومتراً.

وهو الإنجاز الذي دفع المؤرخين حينها إلى أن يكتبوا: "كان الإنجاز الأعظم الذي تجاوز الأحلام هو بناء جدار مرتفع وقوي امتدّ عبر تراقيا بأكملها. يمتدّ هذا الجدار من بحر إلى آخر، مما يسدّ طريق البرابرة ويعمل كحاجز ضد هجمات العدو".

جزء مهمّ من جدار أناستاسيوس، الذي بُني بين 507 و512 خلال الفترة البيزنطية، لا يزال يقف منتصباً شاهداً على تاريخه، خصوصاً الأجزاء القريبة من شواطئ تشاتالجا الممتدة حتى البحر الأسود.

ولأنه لم يكُن ممكناً إبقاء المحاربين على جدار أناستاسيوس، فقد بُنيَت ثكنات ومعسكرات خلف الجدران، إحداها الثكنة التي بُنيت ولا تزال آثارها قائمة بالقرب من كاراجاكوي.

تقنية البناء

في دراسة أُجريَت على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية، رُسمَت خرائط لخطّ الجدار الطويل حددت مواقع الحصون والأبراج الصغيرة، وبقايا الجدار الساتر في الغابة الكثيفة إلى الشمال.

ووفقاً لمؤرخ الفنّ خيري فهمي يلماز الذي تحدث لموقع TRT Haber، بُني الجدار بتقنية تسمى "جدار الصدر" المليء بالركام والحجر والملاط المستخدم في جميع الجدران، فيما يتراوح سمكه من 3 إلى 4.5 متر ويبلغ ارتفاع الأجزاء المتبقية منه اليوم نحو 5-6 أمتار، لكن من المحتمل أن يصل الارتفاع إلى 10 أمتار في شكله الأصلي. وتابع "نعلم أن على هذا الجدار بعض الحصون. حُدّد بعض علامات الأبراج هذه في القرن العشرين. كانت شبه دائرية إلى حد ما، كما استُخدم فيها الطوب".

وأشار يلماز إلى أنهم يحاولون تأريخ الجدار بناءً على الموادّ التي استُخدمت في بنائه، وأضاف: "بعض الأجزاء أقدم، وبعض الأجزاء لاحق... حتى القرن الحادي عشر حاول الأباطرة باستمرارٍ إصلاح هذا الجدار". وأضاف: "استُخدمت حجارة الجدار في أجزاء الجنوب كموادّ بناء في القرى المجاورة، فيما حُفظ الجدار بشكل أفضل في الغابات، حيث يمكنك المشي لمسافة كيلومترات في اتجاه واحد من هذا الجدار في الغابة داخل حدود تشاتالجا، وبالأخصّ في منطقة في كراجاكوي وحولها".

TRT عربي