جنين.. مقاومة تؤرّق إسرائيل ومَشاهد تهجير تُعيد مآسي النكبة إلى أذهان الفلسطينيين / صورة: AA (AA)
تابعنا

في واحدة من كبرى العمليات العسكرية في الضفة الغربية منذ 20 عاماً، يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي لليوم الثاني على التوالي عمليته العسكرية على مدينة جنين ومخيمها في الضفة الغربية المحتلة. حيث قصف جيش الاحتلال مخيم جنين للاجئين من الجو بهجمات بطائرات مسيّرة في الساعات الأولى من يوم الاثنين، أعقبها توغل بري قوبل بمقاومة صلبة من مقاومين فلسطينيين.

العملية العسكرية الأوسع منذ نهاية الانتفاضة الثانية يستضيفها المخيم ذاته. المخيم الذي كان شاهداً على هجوم عسكري وحشيّ نفّذه جيش الاحتلال الإسرائيلي عام 2002، تاركاً في أعقابه آثار دمار كبيرة. خلال معركة جنين، كما أصبحت معروفة، هدمت القوات الإسرائيلية أحياء بأكملها وشردت عدداً كبيراً من الفلسطينيين، فيما شاهد العالم وقتها سقوط ضحايا مدنيين وانتهاكات لحقوق الإنسان دون أن يحرك ساكناً.

وبينما لا تزال ندوب تلك المعركة باقية في جنين اليوم، ذكرت وزارة الصحة الفلسطينية أن عدد الشهداء جراء الهجوم المستمر منذ فجر الاثنين ارتفع إلى 10، وأُصيب أكثر من 120 آخرين بجروح، حتى صباح الثلاثاء، بالإضافة إلى تهجير أكثر من 3 آلاف فلسطيني من المدينة ومخيمها. فيما أشارت تقارير إلى إسقاط المقاومة مسيّرتين وإصابة جنديين إسرائيليين.

إذن، ما الذي دفع إسرائيل إلى مهاجمة جنين؟ لماذا الآن بالتحديد؟ وما علاقة ذلك بتطور المقاومة الفلسطينية والأزمات الداخلية التي تشهدها حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة؟

ماذا نعرف عن العملية العسكرية الواسعة؟

قبل أن ننظر في سبب الهجوم العسكري الأكبر منذ أكثر من عقدين، إليكم ملخص ما حدث في اليومين الماضيين. نحو الساعة 1 صباحاً، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي أعنف هجوم له على جنين في الضفة الغربية المحتلة منذ عدة سنوات.

شنت طائرات من دون طيار عدة غارات على المخيم، وتحرك لواء من القوات الإسرائيلية -نحو 1000 أو 2000 جندي- مدعومين بجرافات مدرعة وقناصة على أسطح المنازل دخلوا المدينة ومخيمها للاجئين، حيث واجهوا نيران المقاومة الفلسطينية.

وأظهرت مقاطع فيديو حصلت عليها شبكة "سي إن إن" من جنين، الجرافات الإسرائيلية تدمّر وتحرث الشوارع لنزع المتفجرات المحتملة، وكذلك كانت الدبابات الإسرائيلية بالانتظار خارج حدود المدينة. وبعد الضربة الأولى للطائرات، حاصرت قوات الاحتلال الإسرائيلي المخيم بالكامل مستخدمةً عشرات الآليات المدرعة، مما أدى إلى اشتباكات بين القوات الإسرائيلية ومقاومين فلسطينيين.

وقال محمد جرار، نائب رئيس بلدية جنين، إن المنازل والبنية التحتية دمِّرت، وقُطعت الكهرباء والمياه عن المنطقة. فيما قالت ضحى تركمان، البالغة من العمر 16 عاماً من جنين، لشبكة "سي إن إن": "لقد خرجنا مع أشخاص من المخيم، حيث سار الكثير من الأطفال وهم مفعمون بالبكاء مع والديهم وهم مرعوبون، ولم يفهموا ما كان يحدث لهم ولماذا. كان كثيرون في عداد المفقودين؛ كانت العائلات تبحث عن أفراد لم يتمكنوا من الاتصال بهم بسبب انقطاع التيار الكهربائي".

مَشاهد النكبة تعود من جديد

وبينما يواصل جيش الاحتلال هجماته البرية والجوية على مخيم جنين بعد أن عزز قواته البرية بوحدات أخرى، قال نائب محافظ جنين كمال أبو الرب، لـ"الأناضول"، إن سكان المخيم بدؤوا بالفرار إلى أماكن أكثر أماناً وسط قصف وهجمات إسرائيلية عنيفة.

وأضاف أبو الرب أن عدد سكان المخيم قرابة 18 ألفاً، ويُخلون تدريجياً بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، وأردف قائلاً: "المشهد يعود بنا إلى نكبة 1948"، وذلك في إشارة إلى التهجير القسري لما يقرب من 800 ألف فلسطيني من منازلهم في فلسطين التاريخية عام 1948.

من جهته، طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بوقف إسرائيل عن تهجير سكان مخيم جنين، وأضاف قائلاً: "إن الجريمة التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية، المتمثلة بتهجير أهالي المخيم، تُضاف إلى جرائم الاحتلال في تهجيرهم المرة الأولى من أراضيهم التي اقتُلعوا منها عام 1948 وتدمير قراهم ومدنهم، وما ارتُكب بحقهم عام 2002، وما يجري اليوم بحقهم".

ولفت عباس إلى أن "التعامل مع حكومة الاحتلال بالمعايير المزدوجة وعدم محاسبتها على جرائمها السابقة بحقّ شعبنا، يشجّعها على ارتكاب مزيد من هذه الجرائم".

ما الذي دفع إسرائيل إلى مهاجمة جنين؟

لأسابيع، كانت هناك تكهنات حول عملية عسكرية إسرائيلية كبيرة في الضفة الغربية، في أعقاب سلسلة من هجمات إطلاق النار ومقاومة شديدة لهجمات جيش الاحتلال الإسرائيلي في مناطق الضفة الغربية.

الشهر الماضي، قصفت طائرة مسيّرة عسكرية إسرائيلية سيارةً تُقلّ ثلاثة مسلحين فلسطينيين كانوا قد هاجموا نقطة تفتيش في شمال الضفة الغربية بالقرب من جنين، ما عُدَّ أول عملية اغتيال في الضفة الغربية منذ عام 2006.

جاء هذا الحادث بعد أيام من استخدام طائرات هليكوبتر هجومية في غارة عسكرية في جنين، استُشهد فيها سبعة فلسطينيين، من بينهم فتى وفتاة في الخامسة عشرة من العمر، كما أُصيب ثمانية جنود إسرائيليين في انفجار قنبلة كبيرة استهدف مركبتهم المدرعة خلال اشتباكات مع مسلحين فلسطينيين.

وأظهرت لقطات مصوَّرة الأسبوع الماضي، محاولة مقاومين فلسطينيين في منطقة جنين إطلاق صاروخين محليَّي الصنع على بلدات إسرائيلية. وزعمت وسائل إعلام إسرائيلية أنه عُثر على صاروخ محليّ الصنع خلال عملية يوم الاثنين في جنين، الأمر الذي يعني انتقال المقاومة الفلسطينية إلى مستوى جديد، وفقاً لما نقله موقع "ذا تايمز أوف إسرائيل".

ما هدف إسرائيل من الهجوم؟

تدّعي إسرائيل أن هجوم يوم الاثنين على جنين يعد "جهداً مكثفاً لمكافحة الإرهاب"، حسب قولها، في إشارة إلى المقاومة المتصاعدة داخل المخيم، ونُقل عن المتحدث باسم جيش الاحتلال، اللفتنانت كولونيل ريتشارد هيشت، قوله لصحيفة "نيويورك تايمز"، إن الهدف من العملية الإسرائيلية هو "كسر عقلية الملاذ الآمن" لمخيم اللاجئين، مضيفاً أن الهجوم سيستمر "لأطول فترة ممكنة".

وطبقاً للاحتلال الإسرائيلي، فإن 50 هجوماً بإطلاق النار على إسرائيليين في العامين الماضيين نشأت في جنين ولجأ 19 مشتبهاً إلى هناك في الأشهر الأخيرة، حيث وجدوا الملاذ الأمن داخل المدينة ومخيمها.

يُذكر أيضاً أن الوزراء والمشرِّعون اليمينيون في حكومة نتنياهو المتطرفة يمارسون مؤخراً ضغوطاً على المؤسسة الأمنية لإطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق في الضفة الغربية المحتلة. يتغلغل هذا الضغط في المؤسسة الأمنية والجيش الإسرائيلي نفسه، مما يخلق توتراً بين كبار المسؤولين، الذين يعتقد الكثير منهم أنه لا يوجد إجماع واسع بشأن الحاجة إلى عملية عسكرية، وفقاً لما نقلته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.

وخلال العملية العسكرية، ادّعى جيش الاحتلال الإسرائيلي أن قواته عثرت على مواقع تخزين الأسلحة، ومختبرات المتفجرات مع مئات العبوات الجاهزة، بالإضافة إلى غرف الحرب التي استخدمها مسلحون فلسطينيون لمراقبة القوات الإسرائيلية، قبل القيام بتدميرها.

تصديرٌ للأزمات الداخلية

على الرغم من أن الاحتلال الإسرائيلي يشير إلى العملية داخلياً باسم "المنزل والحديقة"، في إشارة إلى الاسم التوراتي لجنين، وهو ما قد استخدمه أيضاً رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فإن المتحدثين باسم الجيش أصروا على أن العملية ليس لها اسم رسمي، في محاولة للتقليل من حجم العملية من خلال عدم إعطائها اسماً، وفقاً لما نقله موقع "ذا تايمز أوف إسرائيل".

وتأتي العملية العسكرية في جنين في وقت تتزايد فيه الضغوط المحلية من أجل رد صارم على الهجمات الأخيرة على المستوطنين الإسرائيليين، بما في ذلك إطلاق نار الشهر الماضي أسفر عن مقتل أربعة إسرائيليين.

وفي الوقت الذي طالب فيه قادة المعارضة الإسرائيلية بتوقيف تمرير قانون التشريع القضائي الذي يحظى بمعارضة كبيرة داخل المجتمع الإسرائيلي من أجل التركيز على دعم العملية العسكرية في جنين، ألقت زعيمة حزب العمل ميراف ميخائيلي باللوم على حكومات نتنياهو السابقة فيما سمّته "تمكين الفوضى في جنين".

وقالت ميخائيلي في افتتاح اجتماعها الحزبي، إن الوضع الأمني في جنين هو نتيجة تقوية المقاومة وإضعاف السلطة الفلسطينية من حكومات نتنياهو السابقة. وأضافت أن هذه "السياسة طويلة الأمد تنفجر في وجوهنا". مشيرةً إلى استحالة تحقيق الأمن الحقيقي إلا من خلال "صفقة دبلوماسية"، داعيةً إلى حل الدولتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

وفي الوقت ذاته، اتهمت ميخائيلي التحالف اليميني المتطرف بـ"الاستفادة من العملية العسكرية" لدفع مشروع قانون لتقييد المراجعة القضائية بشأن "معقولية" قرارات المسؤولين المنتخبين.

TRT عربي
الأكثر تداولاً