بالتزامن مع اتهامات السودان إثيوبيا بإعدامها مدني وسبعة جنود سودانيين، وتعُهد الجيش السوداني برد مناسب قائلاً إن "العمل الغادر لن يمر دون ردّ"، عاد النزاع الحدودي بين البلدين حول منطقة الفشقة لتصدر المشهد مجدداً بعد فتح فصل جديد في سجل النزاع المستمر منذ عقود.
الجيش السوداني في بيانه قال إن "هذا العمل يخالف كل القوانين والأعراف الخاصة بالحرب وكذلك القانون الإنساني الدولي"، واتهم الجيش الإثيوبي بـ"عرض جثث من أُعدموا أمام الجمهور" وتعهد بـ "الرد بأسلوب مناسب على هذا العمل الجبان فالدم السوداني غالي".
من جانبها أفادت الخارجية الإثيوبية أن "الحادثة وقعت داخل أراضيها بعد توغل وحدة من الجيش النظامي السوداني تدعمها عناصر إرهابية من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، مشيرة إلى أنه سيجري التحقيق قريباً مع مليشيا محلية يعتقد أنها مسؤولة عن المناوشات، ومؤكدةً على أن الواقعة مختلقة عمداً لتقويض العلاقات المتينة بين شعبي البلدين.
نزاع مستمر منذ عقود
تعود جذور الصراع بين البلدين حول منطقة الفشقة الحدودية الخصبة إلى بداية القرن العشرين، وذلك بعد أن وقعت إثيوبيا وبريطانيا (نيابة عن السودان التي كانت تحتلها) معاهدة في 15 مايو/أيار 1902 تنص على أن حدود السودان الدولية تمتد إلى الشرق من الفشقة، ما يعني أن الأرض ملك للسودان، التي بدورها سمحت للإثيوبيين للعيش بالمنطقة وممارسة الزراعة.
لكن الحال تغير في تسعينيات القرن الماضي بعدما استولت عصابات إثيوبية على أراضي مزارعين سودانيين في منطقة الفشقة، بعد طردهم منها بقوة السلاح. وبقي الحال كذلك طوال الـ 26 عاماً الماضية، قبل أن يعيد السودان نشر قواته هناك في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ويعلن في منتصف العام 2021 بسط سيطرته الكاملة عليها.
ومنذ ذلك الحين والتوتر متصاعد بين الطرفين إذ قُتل عديد من الجنود السودانيين والمزارعين في اشتباكات مع ميليشيات إثيوبية. فيما تطالب الخرطوم بوضع العلامات الحدودية مع إثيوبيا بناء على اتفاقية عام 1902، وضم المنطقة المتنازع عليها المعروفة باسم الفشقة، التي تعتبراً مركزاً رئيسياً لزراعة وإنتاج القمح في السودان.
حشود عسكرية
قال موقع "سودان تربيون" (غير حكومي)، 8 يونيو/حزيران الجاري، إن "حشوداً عسكرية إثيوبية" بإقليم الأمهرا (شرق) بمحاذاة معسكرات أنشأها الجيش السوداني داخل حدود بلاده.
وأضافت المصادر العسكرية التي لم يسمها الموقع: "جرى نشر تعزيزات عسكرية (إثيوبية) في محورين حول المعسكرات السودانية التي جرى تشييدها بمناطق تايا وأم دبلو وود العجوز وحسكنيت بجانب مستوطنة قطراند". وأشارت إلى "اتجاه لدى القوات الإثيوبية لشن هجمات عسكرية على الجيش السوداني في تلك المناطق بإسناد مليشيات الأمهرا والمزارعين الإثيوبيين تحت إشراف قائد الجيش بإقليم الأمهرا (لم يذكر اسمه)".
وفي أعقاب التقارير التي أشارت إلى حشود عسكرية أثيوبية على حدود البلاد الشرقية، أرسل السودان جنوداً لتنفيذ عمليات في بلدة القريشة الحدودية في 22 يونيو الجاري، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات عنيفة تسببت في جرح جندي سوداني واختفاء الجنود السبعة الذين أُعدِموا وشُوّهت جثثهم مؤخراً.
هل تقرع طبول الحرب قريباً؟
بالتزامن مع تجدد الخلاف الحدودي المستمر منذ عقود بين السودان وإثيوبيا بعد أن تبادل البلدان الاتهامات بانتهاك السيادة الإقليمية للطرف الآخر، زادت المخاوف من أن يتحول الوضع إلى صراع مسلح.
وعلى الرغم من تهديد السودان بالرد في الوقت والأسلوب المناسبين، إلا أن المراقبين يرون أنه من المستبعد أن يتطور النزاع إلى حرب بين البلدين في الوقت الراهن؛ إذا أن البلدان مشغولان بصراعات ومشاكل داخلية طاحنة.
وبينما تخوض أديس أبابا حرباً مفتوحة بالشمال ضد مقاتلي جبهة تحرير شعب تيغراي، وسط مخاوف أن يدعمهم السودان ويسلحهم، كذلك الحال بالنسبة إلى الخرطوم التي تعاني من أزمة اقتصادية بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية والاضطرابات في إقليم دارفور.
في الوقت نفسه استبعد قادة البلدين الدخول في حرب شاملة، تعهد رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان خلال زيارته للمنطقة في نوفمبر الماضي 2021 بأن السودان لن يتنازل عن "شبر واحد" من أراضيه، الأمر الذي ينذر بتحول النزاع إلى حرب في ظل الحشد العسكري من الجانبين.