نجحت الاستخبارات الروسية في تحقيق اختراقات كبيرة لجهاز الأمن الأوكراني / صورة: Reuters (Stringer/Reuters)
تابعنا

لأزيد من عام تخوض الحكومة الأوكرانية وجيشها حرباً مفتوحة ضد الجارة الشمالية روسيا. وبالتزامن مع الاقتتال في الجبهات، توجد حرب لا تقل ضراوة داخل المكاتب، تقودها استخبارات كييف لتطهير أجهزة أمنها من الجواسيس الروس، الذين مهّدوا الطريق أمام قوات موسكو لتضرب البلاد وتسيطر على أجزاء مهمة من أراضيها.

ومنذ إطلاقها هذه الحملة، كشفت وزارة العدل الأوكرانية عدداً كبيراً، وهو ما "لا يمثل إلا جزءاً قليلاً منهم" وفق المسؤولين بكييف. فيما تخوض الوزارة حملات أخرى مماثلة في المدن التي استردتها، لمحاسبة الذين تعاونوا مع الروس في أثناء فترة سيطرتهم عليها.

كييف تلاحق الجواسيس الروس

قال تقرير أخير لموقع "بوليتيكو" الأمريكي إن مكتب التحقيقات والقضاء الأوكرانيين يقودان عملية تطهير في أجهزة أمن البلاد، قائلة إن "الخونة رفيعي المستوى: مهدوا الطريق لروسيا، بمساعدة قواتها للسيطرة على مدينة خيرسون الجنوبية ومحطة تشيرنوبيل للطاقة النووية في الشمال.

ونقلاً عن المتحدثة باسم مكتب التحقيقات الأوكراني تيتيانا سابيان، فإن عملاء المخابرات الروسية (FSB) تسللوا إلى جهاز الاستخبارات التابع لجهاز الأمن الأوكراني والحكومة المحلية، ما قوض البلاد من الداخل. وجرى ذلك بمساعدة المسؤولين الأوكرانيين الهاربين الموالين لموسكو الذين فروا من البلاد بعد انتفاضة ميدان في 2014.

أحد هؤلاء الجواسيس أوليه كولينيتش الذي كان يرأس سابقاً قسم شبه جزيرة القرم في إدارة أمن الدولة الأوكرانية، والذي اختتمت السلطات ملف التحقيق معه مؤخراً. ويشتبه المحققون بأنه كان يعمل مخبراً لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، ونجح في اختراق اجتماعات أمنية رفيعة المستوى في أوكرانيا، بمساعدة مسؤولين هاربين موالين لروسيا ومشرع سابق تعرض لعقوبات أمريكية.

وقالت المتحدثة باسم مكتب التحقيقات الأوكراني: "في الساعات الأولى من الغزو، أوقف كولينيش عمداً أي محاولات لإبلاغ القيادة عن الوضع الحقيقي في المنطقة (خيرسون). ولم يتخذ أي إجراءات لحماية سيادة أوكرانيا. أصدر تعليماته للموظفين لمغادرة مكان خدمتهم. ولاحقاً وزع أسلحة عادية على أشخاص لا علاقة لهم بوحدة المخابرات المركزية".

مضيفة أن "إحدى واجبات كولينيتش الرئيسية كانت تقويض عمل الحكومة المركزية من الداخل، واختراقها مع عملاء العدو، والإخلال بتوازن عملها"، وذلك منذ مايو/أيار 2019، حيث تمكن من الوصول إلى أهم أسرار الدولة وبشكل غير رسمي نسق قسم مكافحة التجسس.

وحسب رئيس جهاز أمن الدولة الأوكراني فاسيل ماليوك فإن كولينيتش تلقَّى أوامره من "مزرعة الخبرين المزعومة التي ترعاها الدائرة الخامسة لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي"، في إشارة إلى المكتب السياسي للمسؤولين الأوكرانيين الهاربين في موسكو. ووصف ماليوك ملف كولينتش بأنه عملية "تطهير ذاتي" من إدارة أمن الدولة، متعهداً بمواصلة حملة مكافحة العملاء الروس.

وكان كولينيتش لعب دوراً كبيراً بالضغط لتعيين أندريه نوموف نائب رئيس إدارة جهاز أمن الدولة الأوكراني، هذا الأخير الذي يُزعم أنه ساعد الروس بالاستيلاء على محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية في فبراير/شباط العام الماضي، وفق تقرير الموقع الأمريكي. وسابقاً ذكرت وسائل الإعلام الروسية أن موسكو عرضت اللجوء على نوموف مقابل "شهادة ضد (الرئيس فولوديمير) زيلينسكي".

وغادر نوموف أوكرانيا قبل الحرب بساعات قليلة، لكنه يواجه الآن احتمال ترحيل من صربيا ليحقَّق معه. وألقت السلطات الأوكرانية القبض على كولينيتش في يوليو/تموز الماضي، ويواجه تهماً بالخيانة العظمى.

حملة أخرى ضد المتعاونين

إضافة إلى حملتها ضد الجواسيس الروس، تقود كييف حملة أخرى على الذين تعاونوا مع القوات الروسية في المدن التي استردها الخريف الماضي من قبضة موسكو. في خطاب ألقاه في مارس/آذار 2022، تَوعَّد الرئيس الأوكراني زيلينسكي قائلاً: "أريد أن أخاطب هؤلاء المسؤولين الذين لم يمنعوا أنوفهم الدخول بتعاون مع المحتلين (...)، إذا حدث إغراء أي منكم فهو يوقّع الحكم الخاص به".

وطبق هذه الأوامر الرئاسية تقود السلطات الأوكرانية حملة اعتقالات واسعة ضد هؤلاء المتعاونين، الذي يُعَدّون اليوم بالعشرات مع غياب أي إحصاء رسمي مضبوط لعددهم، فيما يتحجَّج أغلبهم في أثناء الاعتقال بأنهم لم يكن لديهم خيار، سواء نتيجة تهديد الروس أو توقف الرواتب الأوكرانية عنهم.

وفي تقرير سابق لها، تروي "نيويوركر" على لسان نائب رئيس الشرطة في إيزوم، دينيس شكون، أن الشرطة ووحدة المخابرات العامة تتحقق من أقوال المشتبه به مقابل روايات الشهود ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي والوثائق الروسية. بهذه الطريقة، وإذا بدت لهم الأدلَّة كافية لإجراء جنائي، فإنهم ينقلون القضية إلى المدّعين العامّين، الذين يقرّرون بدورهم ما إذا كانت ستُوجَّه الاتهامات في المحكمة.

ونقلاً عن نفس المصدر، حسب المدّعي العامّ في خاركوف أندري كرافشينكو "يُعرَّف التعاون على أنه أي عمل هادف يضرّ بسيادة دولتنا وسلامة أراضيها"، لكن "بهذه الصيغة يضعنا هذا القانون أمام تعقيدات" لتحديد الاتهام بحق المشتبه بهم، وبناء الاقتناع القضائي بالإصرار على تنفيذهم تلك الأعمال.

كما يواجه القضاة معضلة الوشايات الكيدية، وهو ما تكشفه فيتا دومانسكا، مؤسسة منظمة "تشيسنو" غير الحكومية التي تعمل على تعقُّب المتعاونين وكشفهم، بقولها: "نحن ندرك التحيزات في هذا النوع من العمل. هذا هو سبب طلبنا دليلاً ملموساً، مثل المستندات الموقعة التي تُظهِر تعاوناً حقيقياً أو مقاطع فيديو تُظهِر التزاماً مؤيداً لروسيا في أثناء الاحتلال".

TRT عربي