تابعنا
يشهد متحف 15 تموز بإسطنبول على كلّ لحظات الانقلاب العسكري الفاشل الذي شهدته تركيا عام 2016، لحظات الفقد والألم، لكنْ أيضا لحظات المجد والانتصار.

وحدها رائحة الرصاص غائبة هنا في متحف ذاكرة 15 تموز في إسطنبول. كل طلقة رجّت جسر البوسفور الذي أقيم المتحف على مدخله، وكل صرخة هتف بها الأتراك في تلك الليلة الصيفية الحارة، وكل نقطة دم سالت يوم الانقلاب الفاشل، محفورة هنا.

حتى مشهد أولئك الذين وقفوا بصدورهم العارية أمام دبابات العسكريين الانقلابيين، وشاهدها الآلاف على شاشات التلفاز، تسترجعها لحظة دخولك المتحف.

فتبتسم لذكاء اختيار اسمه "ذاكرة 15 تموز". ترتدي كمامتك وتعقم يديك، ثم تدخل.

يأخذك المتحف، حتى لو لم تكن ممن عايشوه على الأرض، إلى تفاصيل ساعات عصيبة أخمد فيها الشعب انقلاباً عسكرياً، وسجلت فيه المعارضة موقفاً تاريخياً حين انحازت إلى تطلعات الشعب.

وكانت تركيا قد شهدت منتصف يوليو/تموز 2016، محاولة انقلاب فاشلة نفذتها عناصر محدودة من الجيش، تتبع لتنظيم "كولن" الإرهابي، حاولوا خلالها السيطرة على مفاصل الدولة، ومؤسساتها الأمنية والإعلامية.

قصص لا ينساها الأتراك

على يمينك تستقبلك سيارة دمرتها دبابات الانقلابيين، وحولها شاشات تستعرض مشاهد من ليلة الانقلاب.

بعضها من أمام مطار أتاتورك الذي حاولت القوات الانقلابية اقتحامه. وأخرى للمذيعة في قناة TRT التي أُجبرت على قراءة بيان الانقلاب.

وعلى جدران المتحف، كانت شاشات كثيرة تحكي كل صورة منها قصة لا ينساها الأتراك.

وما بين زواياه، تجد أحذية شهداء تصدَّوا لمحاولة الانقلاب، تعلوهم مجسمات صغيرة بيضاء لطيور ترفرف في كل أرجاء المتحف.

لم يكن يخطر ببال من نزلوا الشوارع تلبية لدعوة الرئيس رجب طيب أردوغان في تلك الليلة، أن 49 منهم سيصبحون ذكرى يخلّدها المتحف.

أسماء الشهداء محفورة في كل زواياه

إلى جانب المدنيين الـ49، راح ضحية الانقلاب 90 من قوات الجيش التركي و41 عنصراً من الشرطة وعسكريَّين اثنين، لتكون الحصيلة 251 شهيداً حُفرت أسمائهم على جدارية ضخمة في المتحف وخارجه.

المتحف الذي يتألف من طابقين، افتتحه أردوغان في 15 يوليو/تموز 2019.

حينها قال: "ماضينا مليء بالنضالات الملحمية مثل الفتوحات، والانتصارات، ومعارك جناق قلعة وكوت العمارة. ولأننا شعب يكتب التاريخ، فإننا مع الأسف لا نظهر النجاح ذاته بخصوص تسجيله وإحيائه ونقله إلى الأجيال القادمة".

وأكد أن تذكُّر 15 تموز يعتبر مهمة مشتركة للجميع من فنانين وسينمائيين ومعلمين وطلاب وأكاديميين.

وقد جذب المتحف خلال الأشهر الثلاثة والنصف بعد افتتاحه 191 ألفاً من الزوار المحليين والأجانب. وفي عيد الجمهورية التركية، 6 آلاف شخص على الأقل زاروا المتحف.

وفيما كانت التوقعات أن يجذب الملايين هذا العام، فإن جائحة كورونا سيكون لها تأثير عليه وفق ما ذكرت الشابة حنيفة، المرشدة السياحية في المتحف.

"كان المئات يأتون يومياً إلى المتحف قبل فيروس كورونا، وبعدما بدأت تعود الحياة تدريجياً الآن، نأمل أن يزداد عدد الزائرين".

تخبر حنيفة TRT عربي عن السياح الذين كانوا يتوافدون إلى المتحف، وتقول: "بالنسبة إليهم، هنا يعرفون القصة بالكامل، يفهمون ما جرى ويشاهدون بأعينهم مقتنيات خلَّفتها تلك الليلة الصعبة".

إحدى المقتنيات التي كانت حنيفة تتحدث عنها، هاتف خليوي للمذيعة التركية هاندة فرات، الذي استطاع الرئيس أردوغان من خلاله مخاطبة الشعب التركي عبر شاشات التلفزة، ومحفظة وصورة لمصابين، وقبعة ضابط الصف عمر خالص دمير وغيرها الكثير.

قوبلت المحاولة الانقلابية تلك الليلة باحتجاجات شعبية عارمة في معظم المدن والولايات، إذ توجه المواطنون بحشود غفيرة نحو مقرَّي البرلمان ورئاسة الأركان بالعاصمة، والمطار الدولي بمدينة إسطنبول، ومديريات الأمن بعدد من المدن.

عودة الزيارات بعد جائحة كورونا

كل هذه المقتنيات، وُضعت في قوالب زجاجية تحميها. فيما يعتليها مجسم ضخم يضم مئات الصور لليلة الانقلاب وما أعقبها من أيام وليالٍ لم يغادر فيها الأتراك الشوارع.

وكغيره من الأماكن السياحية التي بدأت تفتح أبوابها من جديد لاستقبال السياح، كانت إجراءات التباعد وكذلك الوقاية من كورونا حاضرة.

على مدخل المتحف، وُضعت تعليمات تمنع دخول من لا يرتدي الكمامة. وعند المرشدة أمينة، التي تخبر الزائرين بتفاصيل ما يضم المتحف، تجد معقمات يُسمح للجميع باستخدامها.

"لن يكون الوضع كالسابق بسرعة، لكن بدأنا نستقبل الزوار من جديد، الجميع يرتدي الكمامات ولن تكون مشكلة".

لا يحكي المتحف بصوره ليلة انقلاب 15 يوليو/تموز 2016 فحسب. بل يتضمن معلومات عن الانقلابات التي شهدتها دول مختلفة حول العالم، ما بين أعوام 1950 و2016، وتسع محاولات انقلاب شهدها تاريخ الجمهورية التركية.

UNUTMA.. لا تنسَ

وفي المتحف تجد جناحاً يستعرض معلومات عن أبرز القادة العالميين الذين ناضلوا ضد الاستعمار، وأبرزهم مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، والسلطان العثماني عبد الحميد الثاني، والزعيم البوسني علي عزت بيغوفيتش، والزعيم الهندي المهاتما غاندي.

كانت كل زاوية في المتحف تظهر الدفاع الذي أظهره الشعب ضد الانقلابيين، دفاعاً عن الديمقراطية وكذلك التضحية التي قدمها كثيرون في تلك الليلة.

ولعل عبارتان كُتبتا بالخط العريض ستذكران دائماً كل زائر للمتحف بقوة ما حصل في تلك الساعات.

الأولى آيات من القرآن الكريم، "أفلا تعقلون.. أفلا تتفكرون".

وأخرى علت جدار الطابق السفلي من المتحف كُتب عليها "UNUTMA.. لا تنسَ".

المتحف الذي يتألف من طابقين، افتتحه أردوغان في 15 يوليو/تموز 2019 (TRT Arabi)
من متحف 15 تموز بإسطنبول (TRT Arabi)
يأخذك المتحف، حتى لو لم تكن ممن عايشوه على الأرض، إلى تفاصيل ساعات عصيبة أخمد فيها الشعب انقلاباً عسكرياً (TRT Arabi)
مدخل متحف 15 تموز (TRT Arabi)
جذب المتحف خلال الأشهر الثلاثة والنصف بعد افتتاحه 191 ألفاً من الزوار المحليين والأجانب (TRT Arabi)
علت جدار الطابق السفلي من المتحف عبارة كُتب عليها "UNUTMA.. لا تنسَ (TRT Arabi)
لم يكن يخطر ببال من نزلوا الشوارع تلبية لدعوة الرئيس رجب طيب أردوغان فيتلك الليلة، أن 49 منهم سيصبحون ذكرى يخلّدها المتحف (TRT Arabi)
العبارة الأولى التي كتبت بالخط العريض في المتحف آيات من القرآن الكريم، "أفلا تعقلون.. أفلا تتفكرون". (TRT Arabi)
إلى جانب المدنيين الـ49، راح ضحية الانقلاب 90 من قوات الجيش التركي و41عنصراً من الشرطة وعسكريَّين اثنين (TRT Arabi)
صورة لسيارة دمرتها دبابات الانقلابيين (TRT Arabi)
كانت تركيا قد شهدت منتصف يوليو/تموز 2016، محاولة انقلاب فاشلة نفذتها عناصر محدودة من الجيش، تتبع لتنظيم "كولن" الإرهابي (TRT Arabi)
TRT عربي
الأكثر تداولاً