تابعنا
تولّت تركيا مطلع يوليو/تموز الماضي رئاسة منظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود (BSEC) لمدّة 6 أشهر، وهي المدّة التي تغطي الدورة الحالية للمنظمة.

تولّت تركيا مطلع يوليو/تموز الماضي رئاسة منظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود (BSEC) لمدّة 6 أشهر، وهي المدّة التي تغطي الدورة الحالية للمنظمة.

وتسلّمت أنقرة رئاسة المنظمة من صربيا أواخر يونيو/حزيران الماضي، وكان من الّلافت إشارة وزارة الخارجية التركية إلى تزامن هذا الحدث مع الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية.

وفي ضوء تأكيد أنقرة عبر بيان الخارجية، أنّها "جاهزة لرئاسة نشطة تساهم في السلام والاستقرار والازدهار التي أصبحت أكثر أهمية اليوم في الحوض الواسع للبحر الأسود"، تبرز أهميّة المنظمة ودورها الإقليمي في ظل الصراع القائم بين دولتين من أعضائها هما روسيا وأوكرانيا.

ماذا تعرف عن المنظمة؟

تأسّست منظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود باسمها الحالي رسمياً في 25 يونيو/حزيران 1992 خلال قمّة إسطنبول، وتضمّ 13 عضواً هي تركيا، وألبانيا، وأذربيجان، وبلغاريا، وأرمينيا، وجورجيا، ومولدوفا، ومقدونيا الشمالية، ورومانيا، والاتحاد الروسي، وصربيا، وأوكرانيا واليونان، وفق الموقع الرسمي للمنظمة.

وتقع الأمانة الدولية الدائمة لمنظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود في مدينة إسطنبول منذ 1994، وتجتمع في العام مرتين، وتتناوب الدول الأعضاء على تسلم رئاسة المنظمة كل 6 أشهر، ويُعتبر وزراء خارجية الدول الأعضاء الهيئة الوحيدة لصنع القرار في المنظمة من خلال "مجلس وزراء الخارجية".

أمّا الأهداف الرئيسية للمنظمة، وفق ميثاقها الذي دخل حيز التنفيذ في 1 مايو/أيار 1999، فهي تعزيز التفاعل والانسجام بين أعضائها، وضمان السلام والاستقرار والازدهار، وتشجيع العلاقات الودية وحسن الجوار في منطقة البحر الأسود.

وينصبّ تركيز التعاون بين الدول الأعضاء على الجانب الاقتصادي لا سيّما الطاقة، إلى جانب التعاون في مجالات التعليم والثقافة والتكنولوجيا والفضاء والسياحة.

وبدأت فكرة إنشاء المنظمة بمبادرة تركية -العضو المؤسس للمنظمة-، نظراً لكون المنطقة تمثّل جسر عبور بين آسيا وأوروبا من جهة، وحاجة دول البحر الأسود لبعضها لخلق تكاملٍ اقتصادي من جهة أخرى، وفق ما أشارت إليه دراسة للمركز التركي الآسيوي للدراسات الاستراتيجية "تاسام" (TASAM).

وتبيّن الدراسة أنّ فكرة التكامل الاقتصادي بدأت منذ أواخر الثمانينيات، عندما تسارعت عملية التغيير في دول أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي الذي تفكّك مطلع تسعينيات القرن الماضي.

ونظرت تركيا إلى دول الاتحاد الروسي وريث الاتحاد السوفيتي كمصدر غني بالطاقة، بينما تمتلك تركيا سلعاً غذائية واستهلاكية في المقابل، مما مثّل بدوره الحاجة المتبادلة بين الطرفين، بصورة يمكن تطبيقها على بقية دول البحر الأسود، حسب دراسة مركز تاسام.

ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، برزت مبادرة تركيا لإنشاء منظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود بمثابة نتاج عملية إعادة الهيكلة السياسية والاقتصادية في العالم نحو العولمة والتكامل الدولي على المستوى الإقليمي بين الدول الأعضاء.

أهمية الدور التركي

يتزامن تسلّم تركيا رئاسة الدورة الحالية لمنظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود مع عديدٍ من التطورات في المنطقة، على رأسها الحرب في أوكرانيا،

ويقول الأكاديمي التركي والأستاذ في علم الاقتصاد، بلال باغيش إنّ الاضطرابات الإقليمية الحاليّة أبرزت دور تركيا، مضيفاً أنّ "تركيا تعدّ دولة رائدة في المنظّمة، وتعمل باستمرار على تعزيز مكانتها كواحدة من الدول المركزيّة في منطقتها سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية، ما مكّنها من لعب دور الوسيط في سلام واستقرار المنطقة".

ويشير باغيش إلى الآثار الاقتصادية العالمية للحرب في أوكرانيا من انقطاع لسلاسل التوريد، وزيادة أسعار السلع الأساسية، وازدياد التضخّم، إلى خطر المجاعة وحركات الهجرة قائلاً "يبدو أنّ هناك حاجة ماسّة لدور وسيط من أجل السلام في أوكرانيا".

ويستكمل في حديثه لـTRT عربي، أنّه "في واقع الأمر يبدو أنّ أوكرانيا، التي تعتقد أنّها لا تحظى بالدعم الكامل من روسيا ولا الغرب، لن تتراجع بسهولة"، مضيفاً أنّ دور الجهات الفاعلة الإقليميّة مثل تركيا، التي يمكنها التفاوض بشكل مباشر مع كلا الجانبين، "أمر حيوي في هذه المرحلة، ومحادثات السلام في عام 2022 تثبت ذلك".

وعن الدور الآخر الذي تلعبه تركيا في المنظمة وفي منطقة البحر الأسود يقول أستاذ الاقتصاد: "إلى جانب روسيا، تُعدّ تركيا أحد مركزي الجذب الرئيسيين في المنطقة من حيث عدد السكان والأرض والحجم الاقتصادي، كما أنّ تركيا تتيح الفرصة للانفتاح على الأسواق الغربية".

ويتابع، روسيا تحتاج بشدّة إلى تركيا في مجالات كتجارة الطاقة والتعاون في آسيا الوسطى والتعاون المحتمل في سوريا والشرق الأوسط وإفريقيا، مؤكّداً أيضاً أنّ تركيا واحدة من أكثر الدول التي يمكن لأوكرانيا أن تعتمد عليها لتجد مخرجاً.

ويعتقد باغيش أنّه لم يكن هناك توقيت أفضل من أن تتولى تركيا رئاسة منظمة تغطّي جميع بلدان المنطقة مثل هذه الفترة الزمنية الحرجة، منوّهاً إلى أنّها فرصة فريدة لكل من دول المنطقة وأطراف الحرب، التي تريد إنهاء معركة تؤثّر على الاقتصاد العالمي بعمق، مستشهداً بالدور الحيوي الذي لعبته تركيا في تمديد اتفاقية الحبوب.

أهمية التوقيت

ويتفق الباحث في العلاقات الدولية جلال سلمي مع أهمية توقيت تولّي تركيا رئاسة منظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود، ويربط ذلك بمحاولات أنقرة التي لم تتوقف بشأن إيجاد حلٍّ لإعادة تمديد اتفاق الحبوب والحفاظ على الأمن الغذائي، مشيراً إلى أنّ دور تركيا من شأنه أن يعزّز خطى الوصول إلى الهدف المنشود.

ويضيف سلمي في حديثه مع TRT عربي، أنّه على المستوى السياسي والاقتصادي يُنظر إلى أنقرة على أنّها "مفتاح العلاقات المتوازنة" بين الدول الأعضاء في المنظمة.

ويلفت الباحث في العلاقات الدولية إلى أنّ "هذه العلاقات أكسبت تركيا عمقاً استراتيجياً رفع من أهميتها الهرمية بين الدول الأعضاء، التي تحرص على توثيق علاقتها مع تركيا كدولة ذات نشاط دبلوماسي وقدرات اقتصادية".

ويؤكد أنّ تركيا تحظى بمشاركة متشابكة مع عددٍ كبير من الدول والمنظمات الإقليمية الأخرى، فضلاً عن دورها في تسيير المفاوضات والوساطة بين أكثر من دولة حول العالم، على رأسها أوكرانيا وروسيا.

وعن دور المنظمة في نمو الاقتصاد الإقليمي، يقول باغيش، إنّ الهيكل الاقتصادي والمالي العالمي المتمركز حول الغرب والذي بدأ في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية بدأ يفقد قوّته، وأنّ ذلك سينعكس على أهميّة التعاون الاقتصادي على المستوى الإقليمي.

ويتابع بالقول، إنّه "في الآونة الأخيرة، ظهرت مخارج بديلة جديدة، مثل إزالة الدولرة والتجارة بالعملات الوطنية، ما أبرز أهميّة العلاقات الإقليمية".

ويختم باغيش حديثه قائلاً: "تؤكد المنظّمة المنافعَ الاقتصادية المتبادلة والفرص المربحة للدول الأعضاء في المنطقة، وقد عززت تركيا بالفعل مكانتها كقوّة اقتصادية وسياسية عالمية، وسينعكس ذلك على التعاون الإقليمي"، مرجّحاً أن يعتمد استقرار وازدهار منطقة البحر الأسود مرة أخرى "على تحركات تركيا في الفترة الجديدة".

TRT عربي
الأكثر تداولاً