رقصة المولوية.. أين نشاهد عروض الدراويش في إسطنبول؟ (AA)
تابعنا

ترك التبريزي في حياة الرومي أثراً لم يستطع أحد محوه. وخلال عامين تكوّنت معالم الطريقة الصوفية التي امتزجت فيها العبادة الروحية بالشعر والموسيقى والرقص، تحديداً رقصة المولوية.

وتُسمَّى رقصة السماح أو الدراويش أيضاً. يؤدّيها المولوية بطريقة خاصة، تعكس ما يسمّونه "رحلة الإنسان إلى الله".

ولأن تعاليم الرومي تحكي عن القيم بين الناس مثل الحب والتسامح والإحسان بين جميع أبناء البشر مهما كانت لغتهم، ودينهم، وعرقهم أو جنسهم، فإن رقصة السماح عكست هذه القيم من خلال اتّباع طقوس محددة.

يخلع الدراويش في هذه الرقصة الشهيرة، الثياب السوداء التي ترمز إلى التراب، ويرتدون البيضاء التي ترمز إلى الأكفان، تأكيداً لرحلة الإنسان إلى خالقه.

وكتب جلال الدين الرومي عن رقصة الدراويش التي استلهمها من أستاذه شمس لتعبّر عن قدرة الإنسان على التوحد والذوبان في بحر عشق الإله، وقال: "فرْقٌ بين العشق النابع من الروح وما تنسجه من خيوط حول نفسك".

كما كانت الرقصة حاضرة في كتابات مؤلفين كثر، أبرزها "قواعد العشق الأربعون" للكاتبة التركية أليف شافاك، التي حكت عن الشهور التي جمعت الرومي بشمس، وكيف كان ملهمه الأول في كتابة القصائد والأشعار والحكم الفلسفية والكتابات الوعظية.

وروت شافاك عن أول رقصة سماح أدَّاها الرومي مع شمس ودراويش أُخَر في قونيا بشهر يونيو/حزيران عام 1246. وحين انتهت والحاضرون في ذهول، قال الرومي:

"هذه الرقصة يا أصدقائي هي السمة، وهي رقصة الدراويش الدائرية. من اليوم فصاعداً سوف يرقص الدراويش من كل الأعمار هذه الرقصة".

على وقع صوت الدف والناي، تبدأ الرقصة بالدوران 3 مرات حول محيط قاعة الذكر التي يدخلها الدروايش.

والدوران هذا يرتبط بمنظومة دوران الكون والأفلاك (دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس) فيما يطوف المسلمون حول الكعبة. أما الثياب التي يرتديها الدراويش خلال الرقصة الشهيرة، فمكوَّنة من عدة قطع ولكل منها رمز.

السكة أو القلنسوة: تشبه الطربوش في شكلها، لكنها أطول منه، لونها بنّي وتُصنَع من اللباد أو وبر الإبل. ملمسها خشن في إشارة خشونة الحياة، يرتديها الدراويش دون غيرهم من المولوية. أما الشيوخ فيلفّون على السكة عمامة خضراء تُسمَّى "الدستار".

أما العباءة فقصيرة وتُلبَس بلا إزار، وترمز إلى الحياة القصيرة التي لا تُسمِن ولا تُغنِي من جوع. أما التنورة فلباس أبيض يأخذ الشكل المخروطي ويرمز إلى الكفن. ويرتدي الدرويش فوقه لباساً أسودَ فضفاضاً على شكل جبة، ويرمز لونها الأسود إلى العزوف عن ملذَّات الدنيا والابتعاد عنها. وأخيراً الحذاء، وهو خُفّ أسود خفيف، ينتعله الدرويش في أثناء أداء رقصة الدراويش.

عروض الدراويش في إسطنبول

تُقام سنويّاً في مدينة قونيا فاعليات إحياء الذكرى السنوية لوفاة جلال الدين الرومي بين السابع من ديسمبر/كانون الأول و17 من الشهر نفسه.

ورغم أن قونيا هي الوجهة الرئيسية لمحبي الرومي لمشاهدة عروض الدراويش، فإنها انتشرت في مختلف مدن العالم بما فيها إسطنبول.

فقد اجتهد محبو الرومي لنشر فكره الصوفي حتى انتشرت تكايا الدراويش في أرجاء كثيرة.

ويحرص كثير من السياح على مشاهدة هذه العروض لمعايشة الرحلة الإلهية التي تجسّدها رقصة المولوية. ومن هذه الأماكن التي تعرضها "Hodjapasha" في منطقة سيركجي بإسطنبول.

ما إن يغادر الراكب محطة مترو أنفاق سيركجي، حتى يجد بعد أمتار قليلة أول لافتة تشير إلى قاعة Hodjapasha التي تقدّم عروض الدراويش يومياً الساعة 7 مساءً. ويبلغ سعر التذكرة للكبار 400 ليرة تركية وللصغار 250 ليرة تركية. ومن اللافت أن كل ما يحتاج الزائر إلى معرفته قبل دخوله العرض، تخبره به موظفة الاستقبال عند مدخل Hodjapasha.

تقول في حديثها لـTRT عربي، إن العرض يمتدّ لساعة كاملة من السابعة حتى الثامنة مساءً، ويشمل فقط رقصة الدراويش. وتضيف: "سيتعرَّف المشاهدون الرقص الصوفي، يمكنهم من خلال العرض تَذكُّر جلال الدين الرومي وأول رقصة أدَّاها مع شمس التبريزي".

وتؤكّد موظفة الاستقبال أن التصوير ممنوع كليّاً داخل العرض، وفي القاعة موظفون يشرفون على منع التصوير بالكامل. وفي حال مخالفة البعض فعند مخرج قاعة العرض موظفان مهمتهما حذف أي فيديوهات أو صور التُقطَت!

مرتدين عباءات سوداء غامضة، سُلّطَت عليها أضواء الصالة، يدخل الدراويش. يسجد شيخ المولوية لله أولاً ثم يلحقه الراقصون. وبعد أن يحيِّي بعضهم بعضاً كأنهم على وشك بدء نزال عالمي، يحيُّون الحاضرين، ويخلعون الأسود ويُطِلُّون بعباءاتهم البيضاء الشهيرة، وما إن تُرفَع الأيادي نحو السماء، حتى تبدأ الرحلة.

كما هو الحال في جميع الأذكار الصوفية، فإنها تبدأ بالصلاة على النبي والذكر المولوي. ويبقى شيخ المولوية هو فقط المميَّز بين الدراويش جميعهم، مرتدياً الأسود والدستار.

يباشر الدراويش والشيخ بالدوران دون أن يتوقفوا لأكثر من 30 دقيقة متواصلة، رافعين يداً نحو الأعلى والأخرى نحو الأسفل فيما لا تغيب أنظار الحاضرين لحظة عن مشاهدتهم.

خلال الرقصة، يؤدي الدراويش أربع تحيَّات، الأولى تشير إلى عظمة الله تعالى والعبودية له وحده، والتحية الثانية ترمز إلى الإعجاب بقدرة الله، والثالثة هي الوصول إلى الشعور بالإعجاب والحبّ إلى أعلى مستوى، والتحية الرابعة ترمز إلى عودة الدراويش إلى العبودية.

وبسرعة مفاجئة يتوقفون عن الدوران، يَطوُون أذرعهم إلى صدورهم.

يتنفس المشاهدون كأنهم هم من انتهى من الدوران أيضاً. يحاولون الاستيقاظ من رحلة التسامي الروحي فيما تبدأ أصوات الترانيم الانخفاض رويداً رويداً إلى أن يعمّ الصالةَ موسيقى هادئة.

بعدها يبدؤون تلاوة مقطع من القرآن الكريم، وما ينتهون حتى يغادر الشيخ القاعة ويليه الدراويش واحداً تلو آخَر.

تقول السائحة اللبنانية غنى، التي حضرت عرض الدراويش لأول مرة، إنها كانت متحمسة لرؤيته منذ سنوات. وتضيف: "لم أكن أعرف كثيراً عن الرومي أو الرقص الصوفي، لكن العرض كان رائعاً، والشرح الذي يقدِّمه الموظفون مع البطاقات الترويجية كان كافياً".

أما السائح الإيرلندي مارك فقرر حضور عرض الدراويش في الساعة السابعة مساءً، ثم يليه عرض يبدأ في الثامنة والنصف، يحكي عن حضارة تركيا ويشمل رقصات عديدة بينها الدراويش والباليه والدبكة وغيرها.

يُعَدّ Hodjapasha الأماكن التي تقدّم عروض الدراويش في إسطنبول، وهناك غيره مثل متحف Galata Mevlevi، وفيه قاعة Mervlevi Whirling Dervish ويقع في Galipdede Caddesi بمنطقة تقسيم. وهناك Tekke بمنطقة الفاتح، وشارع ديدي أفندي 17، و"ليس أرت ترك" القريب من صهريج البازيليك في شارع السّلطان أحمد.

TRT عربي - وكالات