ماذا يعني إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية في المغرب؟  / صورة: Reuters (Abdelhak Balhaki/Reuters)
تابعنا

عمت فرحة واسعة في أوساط كثير من المغاربة، عبرت عنها منشوراتهم على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، بقرار الملك محمد السادس، يوم الأربعاء، ترسيم رأس السنة الأمازيغية عيداً وطنياً، ويوم عطلة رسمية مدفوعة الأجر.

فيما يعود مطلب ترسيم هذا اليوم إلى سنوات طويلة، رفعه فيها الكثير من الفاعلين المدنيين المدافعين عن القضية الأمازيغية في البلاد. كما يعد خطوة أخرى في المسار الذي اختارته المملكة، بإضفاء الطابع الرسمي لهويتها الأمازيغية والاعتراف بثرائها الثقافي.

"قرار تاريخي بكل المعايير"

كشف بلاغ عن الديوان الملكي المغربي، نشرته وكالة أنباء المغرب العربي الرسمية، يوم الأربعاء، قال فيه: "تفضل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، بإقرار رأس السنة الأمازيغية، عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية".

وأضاف البلاغ، بأن الملك محمد السادس "أصدر توجيهاته السامية إلى السيد رئيس الحكومة قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل هذا القرار الملكي السامي". فيما يأتي القرار "تجسيداً للعناية الكريمة، التي ما فتئ يوليها جلالته، للأمازيغية باعتبارها مكوناً رئيسياً للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها"، وفي إطار "التكريس الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية".

وإثر إعلانه، لقي هذا القرار احتفاءً واسعاً في الأوساط المغربية. واعتبر رئيس الوزراء المغربي عزيز أخنوش، القرار بأنه "منعطف تاريخي" تعرفه البلاد. وكتب في منشور على صفحته الرسمية في فيسبوك: "اليوم وبحمد الله، نشهد على لحظة تاريخية في مسار تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في بلادنا (...) نحن فخورون بهذا الإنجاز الذي جاء نتيجة الإرادة الملكية السامية".

ومن جانبه، قال محمد الحموتي، النائب البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة المشارك في الحكومة، بأن هذا القرار "سيكتب بمداد من فخر في سجل تاريخ هذه الأمة المغربية العظيمة؛ وذلك بالنظر إلى ما يكتسيه الموضوع من رمزية وأهمية، ولكونه يشكل استجابة رائعة وإشارة من لدن جلالته، على عزم المغرب على المضي قدماً لأجل تكريس خياره الديمقراطي على المستوى الثقافي الهوياتي، بما يعنيه ذلك من تعزيز للهوية الوطنية القائمة على مبدأ الوحدة في التنوع".

واعتبر حزب جبهة القوى الديمقراطية، ترسيم السنة الأمازيغية "قراراً تاريخياً" تعرفه البلاد. وقدّم الحزب، في بلاغ له يوم الأربعاء، تهانيه لـ"الشعب المغربي الواعي بما يشكله التعدد بأبعاده وتفاعلاته، وبما صهره عبر قرون، من أصول إثنية وحضارية متنوعة، من عصب حي في تشكيل الهوية الوطنية، وبناء كيان الأمة المغربية".

وبدوره أشاد المفكر المغربي ورئيس المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات أحمد عصيد، بقرار الترسيم. واعتبر في تصريحات صحفية، أنه: "قرار تاريخي بكل المعايير، وذو رمزية قوية من الناحية الهوياتية، إذ يجعل المغرب يعود مرة أخرى إلى ذاته وينطلق من أرضه ليحدد هويته في التاريخ كتميز حضاري وإنساني خلاق ومتفاعل مع العالم".

ماذا يعني ترسيم رأس السنة الأمازيغية للمغاربة؟

تؤشر هذه الإشادة الواسعة التي عرفها قرار ترسيم رأس السنة الأمازيغية، على الرمزية الكبيرة لهذا اليوم بالنسبة للشعب المغربي الذي تمثل الأمازيغية أحد أهم مكوناته الهويتية، ورافداً أساسياً من روافد البلاد الثقافية جنباً إلى جنب مع اللغة العربية.

هو ما يؤكده رئيس مختبر استراتيجيات صناعة الثقافة والاتصال والبحث السوسيولوجي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة، الأستاذ يحيى عمارة. وقال عمارة، في تصريحاته لـTRT عربي: "نعتقد بأننا كنا في حاجة إلى جعل السنة الأمازيغية، "إيض يناير"، احتفاءً وطنياً لإتمام الفرح الهوياتي المشترك، لأننا كنا نحس بوصفنا مغاربة بشيء ما يحتاج إلى شمولية هذا الاحتفاء بالوجود الأمازيغي ومن ثم نحتفي بكل ما يُرَكِّب أساس الوجود المغربي".

أما عن ظرفية اتخاذ هذه الخطوة، يضيف المتحدث، أنها بمثابة "إعلان عن بلوغ مرحلة جديدة تُثَمِّن ما نصت عليه المراحل السابقة التي عرفتها المسألة الأمازيغية، حيث بدأت كل الفئات المجتمعية سياسياً واجتماعياً وثقافياً تستوعب حضور المكون الأمازيغي، إلى باقي المكونات الأخرى، في الذات المغربية. وهو ما لا يمكن التغاضي عنه أو التماطل في الاهتمام بقضاياه وعوالمه".

وبالتالي، حسب الأستاذ الجامعي المغربي، يعد هذا القرار "احتفاءً بالوجود الأمازيغي في الماضي والحاضر والمستقبل، كما هو قرار دستوري وطني حكيم يصب في سيرورة ولوج ثقافة الاعتراف بالهوية الثقافية المغربية المتعددة في إطار الوحدة الوطنية المتماسكة"، بالإضافة إلى "ما يحمله من بُعْد ديمقراطي، والتشبث بعنصر متميز من عناصر القوة الناعمة الذي يتجلى في الرفع من قيمة الرأسمال الثقافي الذي سيكون لا محالة درساً وطنياً مُهماً آخر داخل المغرب وخارجه".

"ثمرة نضالات طويلة"

من جانبه، يرى الدكتور في التاريخ والفاعل الأمازيغي المغربي، عبد الله بوشطارت، بأن إقرار رأس السنة الأمازيغية كعطلة رسمية في المغرب تثمين لنضالات الحركة الأمازيغية في البلاد، والتي امتدت على مدار العقود الماضية.

وأوضح بوشطارت، لـTRT عربي، أن قرار الترسيم: "حدث تاريخي مهم جداً بالنسبة إلينا داخل الحركة الأمازيغية، التي ناضلت وضحّت منذ عقود طويلة، وخاضت معارك فكرية وسياسية وثقافية مريرة في ظروف صعبة وقاسية جداً، من أجل الاعتراف بالهوية الأمازيغية في جميع تجلياتها لغة وثقافة وتاريخ وحضارة (...) والتي يشكل الاعتراف برأس السنة الأمازيغية إحدى مطالبها الجوهرية والأساسية بعد ترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور".

ويضيف الفاعل الأمازيغي أن "هذا الإقرار الملكي له رمزية تاريخية وثقافية عميقة، لأنه يربط المغرب بجذوره الممتدة في التاريخ القديم، كما هو عيد مرتبط بالأرض، وبالتالي فإن المغرب تصالح مع تاريخه وتخلص من جميع العقد التاريخية (...) وهذا مهم للغاية في تماسك الهوية المغربية التي تستمد قوتها في التنوع والتعدد، وهو ما كانت تصبو إليه الحركة الأمازيغية برفعها شعار: الوحدة في التنوع".

ويختم بوشطارت حديثه، بأن القرار الأخير جاء "لتنبيه الحكومة وباقي الفاعلين السياسيين بضرورة تطبيق الدستور، وتحقيق جميع المطالب الأمازيغية وتمتيع اللغة والثقافة الأمازيغية بجميع حقوقها الدستورية والتاريخية"، في وقت يعيب فيه الفاعل الأمازيغي "الترجعات الخطيرة" التي شهدها إضفاء الطابع الرسمي للأمازيغي خلال السنوات الأخيرة.

ما رأس السنة الأمازيغية؟

يعد رأس السنة الأمازيغية احتفالاً شعبياً لقطاع واسع من سكان شمال إفريقيا، يقيمونه ليلة 11 يناير/كانون الثاني من كل عام. وتختلف تسمياته من بلد إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى داخل البلد نفسه، ما بين النَّاير أو إيض النَّاير أو الحاكوزا.

ويخلد سكان البلدان المغاربية هذا اليوم بلقاءات بين الأحباب والأقارب، ويتبادلون فيه التبريكات بلغتهم الأم الأمازيغية، قائلين: "أسكاس أمكاز" أو "أسكاس أماينو"، حسب اللهجات التي ينحدرون منها. وتحضر على المائدة مأكولات خاصة بهذه المناسبة، كطبق تاكلا في الجنوب المغربي، وهو عصيدة تتكون من دقيق الذرة الذي يطبخونه بالعسل والسمن أو زيت أركان.

ويتعدد التأصيل لهذا اليوم، ويأخذ طابعاً أسطورياً، ضمنه ما تسرده الحكاية الأمازيغية الشهيرة: أن راعية أغنام عجوزاً تأففت من حلول يناير، فغضب منها واستعار أياماً من فبراير ليمدد ساعات بردِه حتى قضى على كل قطيعها. هكذا يؤول الأمازيغ احتفالهم برأس السنة الأمازيغية، والتي تحل في ليلة 11 يناير/كانون الثاني من كل عام.

أما حساب السنوات الأمازيغية يأخذ مرجعية حدث تاريخي، هو حكم الملك الأمازيغي شيشنق الأول مصر سنة 950 ق.م، وتأسيسه الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين التي حكمت البلاد لقرنين متتاليين.

هذا وكانت الجزائر أول من رسَّم سنة 2018 احتفالات رأس السنة الأمازيغية عيداً وطنياً ويوم عطلة مدفوعة الأجر.

TRT عربي