سرقة القرن.. كيف يسعى العراق لاستعادة أمواله المنهوبة وما خيارات الحكومة؟ / صورة: AFP (AFP)
تابعنا

محاطاً بأكوام من الدولارات الأمريكية والدينار العراقي، أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الأحد، عن تمكن حكومته من استرجاع 182 مليار دينار (نحو 121.3 مليون دولار) من أصل مبلغ 3.75 ترليون دينار (2.5 مليار دولار) اختفت من حسابات دائرة الضرائب العراقية في عملية وصفت بأنها "سرقة القرن".

وأكد السوداني، أن التحقيق المستمر لن يستثني أحداً متورطاً في القضية، وأن الحكومة تعمل على استعادة كامل المبلغ المسروق، والذي قدر الخبراء أنه يصل إلى نحو 2.8% من حجم موازنة الدولة لعام 2021.

فيما قررت الحكومة الجديدة، التي تشكلت أواخر الشهر الماضي بعد أزمة سياسية طويلة، معالجة القضية التي تشكل اختباراً مبكراً لها عبر مبدأ الإفراج المشروط مقابل استرداد الأموال التي نهبتها شبكة واسعة من المسؤولين وموظفي الخدمة المدنية ورجال الأعمال.

يذكر أن منظمة الشفافية الدولية (هيئة رقابية عالمية) سبق أن صنفت العراق في المرتبة 157 من 180 دولة على مؤشرها لعام 2021 للحوكمة النظيفة.

"سرقة القرن"

صُدم العراقيون بخبر كشف خلاله مدققون مخططاً لسرقة مبلغ قُدر بنحو 2.5 مليار دولار من مصلحة الضرائب في البلاد. ولضخامة المبلغ والمخطط الذي دبرته شبكة واسعة من المسؤولين وموظفي الخدمة المدنية ورجال الأعمال، أطلق العراقيون على السرقة اسم "سرقة القرن".

فيما يشير تقرير مدققي الحسابات، الذي حصلت عليه وكالة أسوشيتد برس ونشرته صحيفة الغارديان البريطانية لأول مرة، الأسبوع الماضي، إلى أن اختراق والتحايل على نظام المحسوبية المتجذر في العراق، غالباً يشير إلى أن المنفذين تربطهم صلات قوية بفصائل سياسية قوية.

ومنذ اكتشافها الشهر الماضي، أطلق العراق أكبر عملية تحقيق للوقوف على جميع تفاصيل الواقعة التي تعد الأكبر من نوعها يُجرى إعلانها في البلاد، فضلاً عن الكشف عن جميع المتورطين فيها. فيما كشف المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني عن تشكيل "الهيئة العليا لمكافحة الفساد" فيما وصف بأنه "تشكيل استثنائي لمكافحة الفساد طبقاً للمنهاج الوزاري وبآليات غير تقليدية تتجاوز السلبيات السابقة".

كيف تمت السرقة؟

في عملية الاختلاس، دفعت الهيئة العامة للضرائب، وهي مكتب تابع لوزارة المالية، نحو 2.5 ، مليار دولار عن طريق الاحتيال إلى خمس شركات. وفقاً لنتائج تحقيق داخلي أجرته الوزارة، قدمت الشركات (على الأقل ثلاث منها تأسست العام الماضي) مستندات مزورة لسحب أموال دون إجراء أي إيداعات.

ودُفعت الأموال من خلال 247 شيكاً بين 9 سبتمبر/أيلول 2021 و11 أغسطس/آب 2022، من حساب العمولة في بنك الرافدين الحكومي. وهو الحساب الذي تودع الشركات التجارية والأفراد الأموال فيه ضماناً لدفع الضرائب بعد الانتهاء من المشاريع بتكليف من الحكومة أو استيراد البضائع، إذ يمكن للشركات والأفراد فيما بعد التقدم بطلب لسحب ما تبقى من ودائعهم بعد خصم الضرائب.

وكُشف عن الاحتيال عندما أجرى القائم بأعمال وزير المالية آنذاك، إحسان عبد الجبار الذي شغل أيضاً منصب وزير النفط، التدقيق عقب تلقيه شكاوى من شركة نفط لم تتمكن من استعادة ودائعها الضريبية، ليتبين له تراجع الرصيد الفعلي من 2.5 مليار دولار إلى 100 مليون دولار فقط.

ما الخيارات أمام الحكومة لاستعادة الأموال المسلوبة؟

حسب السوداني، 182 مليار دينار التي أعلن عن استعادتها مؤخراً هي جزء من مبلغ 1.6 تريليون دينار سرقها رجل أعمال عراقي اسمه نور زهير، يقبع في السجن حالياً بعد اعتقاله على خلفية القضية. فيما كشف رئيس الوزراء العراقي عن التوصل إلى تسوية يمنح بموجبها زهير إفراجاً بكفالة "مصفى يمتلكه" مقابل إرجاعه المبلغ المسروق "خلال فترة أسبوعين" وقال إن القضاء سيشرف على بيع أصول مالية يمتلكها زهير يفترض أن قيمتها "أكبر من المبلغ".

وأكد السوداني أن التحقيق المستمر لن يستثني أحداً متورطا في القضية، وأن الحكومة تعمل على استعادة كامل المبلغ المسروق. مشيراً إلى أن التحقيق لا يزال جارياً، وأنه حدد أشخاصاً آخرين متورطين.

من جهته، صرح القاضي ضياء جعفر لفتة من محكمة النزاهة ببغداد لوكالة الأنباء العراقية، بأن "المحكمة صادرت الأموال النقدية والممتلكات القابلة للتحويل وغير القابلة للتحويل للمتهمين وزوجاتهم وأبنائهم". وتابع قائلاً: "معظم الأموال المسروقة لا تزال داخل العراق وجرى الاستيلاء عليها". وأوضح أن الأصول المحجوزة هي في شكل نقد في حسابات مصرفية وممتلكات..

وفي سياق متصل، دعا السوداني المتهمين الصادرة في حقهم أوامر قبض إلى تسليم أنفسهم وتسليم المبالغ المسروقة، مشيراً إلى أن الحكومة ستعمل مع القضاء لمساعدتهم وفق القانون، مبيناً أنهم سيتابعون المتهمين حتى استرداد المبالغ المسروقة، وحتى تلك التي هُربت إلى الخارج. وأضاف: "معيار علاقاتنا مع جميع الدول بمدى الاستجابة في استرداد أموال الشعب المسروقة".

TRT عربي