إطلالة لمنطقة جزيرة عمر في شرق تركيا (Others)
تابعنا

وفقاً للقصص القرآني، استقرت سفينة نوح على جبل الجودي، ويُعتقد على نطاق واسع أنه يقع في منطقة "جزيرة" (أو ابن عمر) الحدودية في التقاطع الحدودي بين تركيا وسوريا والعراق.

بعد آلاف السنين من الحدث الملحمي الذي يُعتقد أنه أعاد ضبط النظام العالمي، تسعى منطقة "جزيرة" لتجاوز حدث الطوفان الذي غمرها، بحثاً عن نظام اقتصادي جديد وحيوي.

عُقدت ورشة عمل لتقييم مدى التقدم الذي تحقّق، وهي ورشة جمعت عديداً من الخبراء إلى البوابة الحدودية بين تركيا والعراق في منطقة خابور، وهي من أكثر مناطق العبور ازدحاماً في تركيا، لصناعة الشحن. عندما وصلنا إلى خابور لحضور ورشة "جزيرة" التي تهدف إلى تشخيص المشكلات الحرجة في المنطقة، رأينا صفّاً طويلاً من الشاحنات أمام البوابة الحدودية، في دليل قاطع على الأنشطة الاقتصادية الكثيفة.

"أكثر من 2000 شاحنة و300 صهريج نفط تمر عبر بوابتنا الحدودية كل يوم"، يقول جوخان سامسونلو، مسؤول الجمارك الذي كان مُوجِزاً قدر الإمكان في خطابه، مما يعطي انطباعاً بأنه لا يريد أن يضيع وقته. بالإضافة إلى الشاحنات والصهاريج، يعبر ما يقرب من 800 سيارة و30 حافلة البوابة الحدودية.

في العام الماضي غادرت 28 في المئة من مجمل الشاحنات التركية عبر البوابة الحدودية، فيما دخلت 70 في المئة من جميع ناقلات النفط التركية من معبر خابور، مما يدلّ على أهمية المعبر لأنقرة. عام 2021 مرت 10 في المئة من تجارة تركيا مع العراق عبر مقاطعة سيرناك حيث تقع منطقة "جزيرة".

"جزيرة" (ابن عمر) هي منطقة تقطنها غالبية كردية على طول نهر دجلة الذي يمرّ من تركيا إلى العراق قبل أن يصب في البحر في الخليج العربي. هي مدينة حدودية استراتيجية كان سكانها منذ فترة طويلة تجاراً مَهَرة، ويستفيدون من التجارة الحدودية. لطالما كان العراق أحد أكبر خمسة شركاء تجاريين لتركيا.

يرغب بعض التجار الصغار في الحديث مع أحد الخبراء، هو ديليك دميرباس، أستاذ الاقتصاد بجامعة إسطنبول الذي يُعَدّ أحد المنظمين المشاركين لورشة العمل، جنباً إلى جنب مع الهلال الأحمر التركي وغرفة تجارة وصناعة "جزيرة" ومؤسسة المحمية.

تستمع ديميرباس إليهم بعناية وتخبرهم أنها ستأخذ اقتراحاتهم بعين الاعتبار خلال الفاعلية التي استمرت يومَي 22-23 أكتوبر/تشرين الأول.

عمر فاروق يلدريم، وهو مواطن من منطقة "جزيرة" ورجل أعمال بارز ورئيس غرفة التجارة والصناعة بالمنطقة، يلتفت إلى الأستاذة وتبدو عليه السعادة بوضوح من حضور المشاركين في ورشة العمل، بدءاً من الأكاديميين إلى رجال الأعمال.

تنامي الآمال

بعد يومين من الجلسات المكثفة من ورشة العمل، التي قُسّمَت إلى ثماني مجموعات دراسية فرعية مختلفة تناقش مسائل من الخدمات اللوجستية إلى المالية والتنمية الحضرية والبنية التحتية والتعليم والسياحة والمجتمع المدني، أبدى يلدريم سعادته أكثر من أي وقت مضى.

"تحمل ورشة العمل هذه أهمية قصوى لنا، لأنها شيء لم ترَه منطقة جزيرة منذ فترة طويلة. إنها ورشة العمل الأولى بمثل هذه الكثافة الأكاديمية الشاملة. بعد ورشة العمل هذه سيكون لدينا تحليل أكاديمي حقيقي يعتمد على البيانات والأبحاث حول مشكلاتنا" وفق تصريحات يلدريم لـTRT World.

بينما حاول تنظيم PKK الإرهابي منذ فترة طويلة تحويل الطبيعة التجارية للمدينة إلى منطقة نزاع، سعى رجال الأعمال المحليون في "جزيرة" مثل يلدريم لإيجاد مخرج من هذه المعضلة. والآن توفّر لهم ورشة العمل فرصة مثالية لتطوير خطة تنمية اقتصادية، وجلب مزيد من الاستثمارات إلى المنطقة.

يدرك يلدريم جيداً هذه الفرصة، معتقداً أن كبار المسؤولين في أنقرة سيُبلَغون أيضاً نتائج ورشة العمل، التي ستضع في النهاية خارطة طريق للتنمية الاقتصادية في "جزيرة". يقول: "سيُعقَد مؤتمر متابعة لنتائج ورشة العمل".

فكرة ورشة العمل طوّرها صايم يورجن، عميد كلية الاقتصاد بجامعة إسطنبول، بعد إفطار رمضاني في الهواء الطلق مع السكان المحليين قبل عدة أشهر في ساحة مسجد نوح في "جزيرة". يقول يورجون لـTRT World: "أخبرني أحد الحاضرين أن وجودنا نافع بما يكفيهم، مما ألهمني تنظيم ورشة عمل".

ويضيف: "شعرنا بمسؤولية تجاه فعل شيء بخصوص جزيرة سيزر، وقررنا تنظيم ورشة العمل هذه بمساعدة زملائنا وأصحاب المصلحة الآخرين من الهلال الأحمر والأعمال التجارية ومجموعات المجتمع المدني".

يشعر العميد بالسعادة أيضاً حول مجريات سير ورشة العمل. يقول: "عندما راجعت مجموعات الدراسة في نهاية الجلسة الأخيرة لليوم الأول، لم أرَ أي شخص يبدو أنه فقد التركيز في موضوعه الخاص".

تشعر دميرباس، التي أمضت جزءاً كبيراً من مسيرتها الأكاديمية في المملكة المتحدة، بالراحة بعد ورشة العمل، لكنها لا تزال تتذكر التجار الصغار عند بوابة خابور الحدودية. قالت لـTRT World: "وعدت أحد التجار الصغار بمساعدته على متابعة طموحاته الأكاديمية"، وتضيف: "لو لم أكن هنا لما عرفت المشكلات بالمعنى الحقيقي".

القدوم الثاني للجزيرة

بارباروس جيلان، رجل الأعمال التركي البارز أحد المنظمين الرئيسيين لورشة العمل، كان يشعر بالإلهام من قصة نوح و"جزيرة". التزمت مؤسسة محمية جيلان، التي اشتركت مع الهلال الأحمر، جعْلَ الحياة أفضل في "جزيرة" منذ عام 2016 عندما اجتاحت حملة الإرهاب المميتة لتنظيم PKK الإرهابي المنطقة.

يقول جيلان لـTRT World: "عندما أفكر في (جزيرة) يغلب عليّ عديد من المشاعر، أشعر بإعادة ميلاد الإنسانية، بعودة ظهورها وتألقها. هنا أشعر بالحماسة".

لكن في الوقت نفسه تجلب المنطقة إلى ذهنه إسماعيل الجزري، وهو من مواليد "جزيرة"، معروف عالميّاً باختراعاته في مجال الهندسة الميكانيكية. ينتمي جيلان أيضاً إلى خلفية مماثلة لجزري، إذ كان في الأصل مهندساً صناعيّاً.

مثل سفينة نوح التي استوت مرتاحة على جبل الجودي، يشعر أن "جزيرة" يمكن أن تبشّر ببداية جديدة للمنطقة الجنوبية الشرقية لتركيا، التي عانت لفترة طويلة من عنف تنظيم PKK الإرهابي.

بهذا المعنى فإن ورشة العمل التي جلبت بُعداً جديداً متطوراً لجهود المساعدة المستمرة التي يبذلها جيلان، تُعتبر أمراً حاسماً لتمهيد الطريق لبداية جديدة لـ"جزيرة". يقول: "أعتقد أن التقرير النهائي لورشة العمل سيكون مفيداً في جذب الاستثمار إلى (جزيرة) من غرب تركيا".

"في الماضي كانت (جزيرة) مركزاً تجاريّاً، بسبب موقعها الاستراتيجي. لذلك فإن بها إمكانات كبيرة للنهوض مرة أخرى"، كما يقول جوخان أوفينك، الأكاديمي في كلية الاقتصاد بجامعة إسطنبول، الذي كان مخططاً لفاعليات ورشة العمل.

يقود أوفينك حاليّاً جهود وزارته لتقرير ورشة العمل. يقول لـTRT World: "من المحتمَل وجود ثلاثة مقترحات رئيسية: بناء مركز لوجستي، وفتح مدرسة ثانوية للزراعة، ومتحف للتراث الثقافي للمنطقة بما في ذلك إرث نوح". لدى "جزيرة" أراضٍ زراعية كبيرة في وسط سهول مناطق ما بين النهرين الخصبة.

يقول أوفينك: "أعتقد بشدة أننا سنخرج بمشاريع واقتراحات ملموسة مهمة للغاية من شأنها أن تجعل المنطقة مركز جذب".



TRT عربي
الأكثر تداولاً