صراع الرقائق المحتدم.. كيف غيّرت الصين وجهة ألمع العقول من أمريكا إليها؟ / صورة: Getty Images (Getty Images)
تابعنا

لم تؤدِ "حرب الرقائق" الجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى إثارة منافسة شديدة في قطاع التكنولوجيا العالمي فحسب، بل أدت أيضاً إلى تحوّل في وجهة بعض ألمع العقول في هذا المجال. على مدار العقد الماضي، خطت الصين خطوات كبيرة في وضع نفسها كلاعب رئيسي في صناعة أشباه الموصلات، إذ نجحت في جذب أفضل المواهب وتحويل وجهتهم من الولايات المتحدة إليها.

وبُعيد أن أدركت بكين الأهمية الحاسمة للاستثمار في البحث والتطوير لتحقيق التقدم التكنولوجي، أطلقت الحكومة الصينية مبادرات مختلفة لتعزيز الابتكار وتعزيز قدرات أشباه الموصلات. فقد وُجّه التمويل الضخم نحو بناء مرافق بحثية حديثة، وتقديم منح سخية، وتشجيع التعاون بين الأوساط الأكاديمية والصناعة.

خلقت هذه الجهود بيئة جاذبة للباحثين والمهندسين، وأغرتهم لاستكشاف الفرص في الصين. في هذا التقرير نحاول استكشاف العوامل التي مكّنت الصين من تغيير مسار هذه العقول اللامعة وخبراتهم من أمريكا إلى شواطئها. إليكم الحكاية كاملة.

نمو قطاع الرقائق الصيني

لعب تصميم الصين على تقليل اعتمادها على موردي الرقائق الأجانب وتطوير صناعة أشباه موصلات محلية قوية دوراً مهماً في جذب المواهب بعيداً من الولايات المتحدة. وبينما نفذت الحكومة الصينية سياسات وحوافز لتعزيز نمو شركات الرقائق المحلية، عزز إنشاء مرافق التصنيع ومراكز البحوث المتقدمة مكانة الصين كمركز عالمي ناشئ لتصنيع الرقائق، ما وفّر فرصاً هائلة للمهنيين الذين يسعون إلى تحسين وضعهم الاقتصادي وسط المنافسة المحتدمة في هذا القطاع.

ومن خلال وضع وتنفيذ استراتيجيات رائدة، تمكنت الصين من جذب بعض من ألمع العقول من خلال حزم تعويضات تنافسية للغاية. إدراكاً منها بقيمة توظيف أفضل المواهب، تقدم شركات التكنولوجيا والمؤسسات البحثية الصينية رواتب مغرية ومزايا سخية وخيارات أسهم جذابة.

وإلى جانب انخفاض تكلفة المعيشة في مناطق معينة، كانت هذه الحوافز المالية مفيدة في جذب المهنيين الذين يسعون إلى وظائف مجزية ومكاسب مالية كبيرة.

بينما أثارت مبادرات الصين الطموحة القائمة على التكنولوجيا، مثل خطة "صنع في الصين 2025" وتطوير قدرات الذكاء الاصطناعي (AI)، الباحثين ورجال الأعمال. لقد حفز حجم السوق الواسع في الصين وإمكانية الاعتماد السريع للتقنيات المتطورة العديد من الأفراد الموهوبين على استكشاف فرص العمل داخل البلاد.

وكان احتمال أن تكون جزءاً من المشاريع الرائدة وفرصة تشكيل مستقبل التكنولوجيا أمراً مغرياً لأولئك الذين يبحثون عن بيئة ديناميكية وريادية.

سياسات هجرة مريحة

على عكس قوانين الهجرة الصارمة التي تبنتها الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، كانت سياسات الهجرة المتساهلة نسبياً في الصين عاملاً جذاباً للخبراء الأجانب، بمن فيهم الخبراء من الولايات المتحدة، أو أولئك الذين درسوا وعملوا في أمريكا ويحملون بطاقتها الخضراء.

كما نفذت الحكومة الصينية مبادرات مثل "برنامج الألف موهبة" الذي يهدف إلى جذب المهنيين الأجانب للعمل في الصين. سهلت إجراءات التأشيرات المبسطة واللوائح المواتية على الخبراء الأجانب الاستقرار والمساهمة في التقدم التكنولوجي للصين.

وعلى الرغم من أن الصين كانت تشهد هجرات جماعية لأفضل عقولها خلال العقود الماضية، فإن استراتيجية الجذب التي اتبعتها حكومة بكين منذ عام 2011 لم تحدّ من هجرة العلماء إلى أمريكا والدول الأوروبية وحسب، بل عملت هذه السياسات كمغناطيس للأفراد الموهوبين الأجانب الباحثين عن فرص خارج حدود وطنهم الأم.

أين واشنطن من كل هذا؟

مع استمرار حرب الرقائق، بات من الأهمية بمكان أن تعيد الولايات المتحدة تقييم استراتيجيات الاحتفاظ بالمواهب المتميزة واستعادتها، فضلاً عن تعزيز بيئة تُشجّع على الابتكار والبحث والتعاون لتظل في طليعة التطورات التكنولوجية.

في أغسطس/آب الماضي، عندما أقر الكونغرس الأمريكي قانون CHIPS الذي خصّص 53 مليار دولار لتمويل أبحاث وتصنيع أشباه الموصلات في الولايات المتحدة، تسابق مصنعو الرقائق المتقدمون لبناء مصانع أمريكية جديدة، لكنهم رغم ذلك سرعان ما اصطدموا بواقع أن قدرة التصنيع وحدها لن تكون كافية لجعل الولايات المتحدة قوة من أشباه الموصلات.

فبحسب صحيفة فورين أفيرز الأمريكية، ما تفتقر إليه الولايات المتحدة ليس المواد الخام أو رأس المال، العائق الرئيسي هو نقص المواهب. ووفقاً للتوقعات الحالية، سيكون لدى شركات أشباه الموصلات الأمريكية 300 ألف وظيفة شاغرة للمهندسين المهرة بحلول عام 2030، وسيكون من المستحيل استهداف وتدريب مئات الآلاف من المواطنين الأمريكيين في هذا الإطار الزمني المضغوط.

وهو ما دفع الولايات المتحدة في حربها التكنولوجية مع الصين ليس فقط إلى تقييد نقل التكنولوجيا إلى الصين، بل تجاوزتها في المساعي التي تهدف إلى تثبيط تدفُّق المهندسين الأجانب أنفسهم إلى شركات التكنولوجيا الصينية. فبموجب القواعد الجديدة التي أُعلنَ عنها في أكتوبر/تشرين الأول 2022، منعت واشنطن المواطنين الأمريكيين أو حاملي البطاقة الخضراء أو المقيمين من العمل مع الشركات الصينية العاملة في تطوير أو إنتاج رقائق متقدمة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً