صراع الهوية وحلم الدولة.. تعرَّف رحلة حصول مسلمي الفلبين على منطقة حكم ذاتي./الصورة: الأناضول / صورة: AA (AA)
تابعنا

يوم السبت الماضي، احتفلت منطقة بانغسامورو ذاتية الحكم في جزيرة مينداناو ذات الغالبية المسلمة جنوبي الفلبين بالذكرى الرابعة لتأسيسها. وتحتفل بانغسامورو في يوم 21 يناير/كانون الثاني باعتباره "يوم التأسيس" الذي أُجري فيه استفتاء عام 2019 للمصادقة رسمياً على قانون بانغسامورو الأساسي الذي نص على إنشاء الحكم الذاتي.

وتأتي هذه الاحتفالات تتويجاً للانتصار في صراع الأرض والهوية الذي بدأه مسلمو الفلبين منذ النصف الأخير من ستينيات القرن الماضي، والذي تخلله كفاح مسلح قاده المتمردون المسلمون في الجنوب من أجل الاستقلال، خفت حدته في السنوات العشر الأخيرة.

وتدار الحكومة الإقليمية من قبل رئيس الوزراء مراد إبراهيم، الذي جرى انتخابه أول رئيس للوزراء في فبراير/شباط 2019، وذلك بعد عقود من التمرد الذي نفذته جبهة مورو الإسلامية للتحرير (MILF)، والذي قادهم في عام 2018 إلى محادثات سلام مع الحكومة الفلبينية تمخض عنها إنشاء منطقة بانغسامورو ذاتية الحكم في منطقة مينداناو.

مسلمو الفلبين

وصل الإسلام إلى جزر "مانبولاس"، المعروفة باسم الفلبين منذ القرن السادس عشر نسبةً إلى الملك الإسباني "فيليب الثاني" آنذاك، في القرن الثالث عشر بالتوازي على يد التجار والدعاة المسلمين من الخليج العربي وجنوب الهند وأتباعهم من عدة ولايات في أرخبيل الملايو. وقد ترك معظم سكان الجزر الوثنية السائدة، وتحولوا إلى الإسلام الذي بات أول دين توحيدي مسجل في الفلبين.

يعيش معظم المسلمين في أجزاء من مينداناو وبالاوان وأرخبيل سولو وهي منطقة تُعرف باسم بانغسامورو أو منطقة مورو. ومعظم المسلمين في الفلبين من أهل السنة والجماعة على المذهب الشافعي.

وفي أعقاب وصول الإسبان إلى الفلبين في عام 1521 تحت قيادة البحار والمستكشف ماجيلان، بدأت المآسي تصيب مسلمي الجزر، حيث كان الموت مصير من رفض اعتناق المسيحية الكاثوليكية التي فرضها الإسبان بالقوة فور وصولهم، وبهذا باتت المسيحية الكاثوليكية دين الأغلبية السكانية في البلاد.

ولم يكتف المستعمر الإسباني بتنصير سكان الجزر وحسب، بل بذل جهداً لتدمير كل المعالم الإسلامية، مستنسخاً الهمجية ذاتها التي طبقها بالأندلس. فبعد أن دمروا وأحرقوا مدينة "أمان الله" الإسلامية في جزيرة لوزون، أعادوا بناءها دون ترك أي معلم إسلامي، وأعيدت تسميتها وتحريف الاسم لتصبح "مانيلا".

صراع الأرض والهوية

بعد تنازل إسبانيا عن الفلبين لأمريكا مقابل 20 مليون دولار في أواخر القرن التاسع عشر، استمر نضال مسلمي الفلبين ضد الاحتلال الأمريكي طوال الفترة الممتدة من العام 1898 وحتى 1941. يذكر أنه حتى منتصف القرن العشرين كان شعب مورو يعيش في دولة مستقلة خاصة، ومع إلحاقهم بالفلبين من قبل الإدارة الاستعمارية الأمريكية باتوا أقلية في كيان أكبر.

ويطلق على المجتمعات المسلمة التي تعيش ضمن منطقة بانغسامورو في الفلبين اسم "مورو". ويشكل شعب "مورو" حوالي 11 % من سكان الفلبين، ويعتبر المجموعة الدينية الثانية بعد المسيحيين الكاثوليك بالفلبين، ويضم مجموعات عرقية تتحدث 13 لغة مختلفة.

وعلى الرغم من أن المورويين كانوا يعيشون في دولتهم المستقلة حتى القرن الواحد والعشرين، إلا أنهم فقدوا استقلالهم بعد أن تركت مصيرهم الإدارة الأمريكية الاستعمارية لإدارة الفلبين المسيحية في 1946، ومنذ ذلك التاريخ بدأ الشعب الموروي رحلة المفاوضات السلمية، ومن ثم نضالهم المسلح منذ عام 1970، لنيل استقلالهم من جديد.

وأدت الاشتباكات التي استمرت أكثر من 40 عاماً بين الحكومة الفلبينية ومسلمي "مورو" إلى مقتل أكثر من 120 ألف شخص، ولجوء أكثر من مليونين آخرين إلى دول أخرى، وفقاً للأناضول.

حلم الدولة

بعد عقود من النضال، حصل مسلمو مورو، الذين حُرموا طويلاً من الحرية، على الحكم الذاتي الموسع عقب استفتاء شعبي تاريخي على قانون "بانغسامورو"، أجري يومي 21 يناير/كانون الثاني و6 فبراير/شباط 2019، في جزيرة مينداناو الجنوبية.

وحسب الاتفاق مع الحكومة الفلبينية، حصلت منطقة بانغسامورو ذاتية الحكم على فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات، حيث كان من المقرر في الأصل إنشاء الحكومة المستقلة في عام 2022 إلا أن البرلمان الفلبيني قرر تأجيلها وتمديد فترة الحكم الذاتي حتى عام 2025 بسبب جائحة COVID-19، من بين أسباب أخرى.

وسمحت الحكومة الفلبينية في عهد الرئيس السابق رودريغو دوتيرتي لرئيس وزراء بانغسامورو مراد إبراهيم وفريقه بتحقيق جميع الأهداف، بما في ذلك سحب مقاتلي جبهة مورو السابقين من الخدمة.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، حث الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس الابن الجيش على دعم عملية السلام فى منطقة بانغسامورو ذاتية الحكم في مينداناو المسلمة. كما حث على الوحدة في صفوف قيادة بارم، معرباً عن دعمه للحكومة الانتقالية.

TRT عربي