كيف تنامى الفقر في أوكرانيا بسبب الحرب؟ / صورة: AP (Natacha Pisarenko/AP)
تابعنا

خطت الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ اندلاعها في فبراير/شباط 2022، معاناة يومية لشعب ذلك البلد. لا تتلخص هذه المعاناة بمجابهة الموت كل لحظة، أو الدمار الهائل الذي عم المدن، بل أيضاً في فقدانهم قوت يومهم وتدني مستوى المعيشة، مع تفشي الفقر بشكل واسع.

وأمام هذا الواقع، يلجأ الأوكرانيون إلى حلول ترقيعية لمواصلة الحياة، في وقت فقد فيه معظمهم مصدر دخله، كرهن أثاثهم المنزلي وممتلكاتهم الخاصة من أجل قدر من المال يكفيهم فقط للمأكل والدفء في شتاء البلاد. كما أصبحت طوابير الخبز مشهداً مألوفاً ومعيشاً يومياً لأولئك المدنيين.

رهن من أجل الأكل وطوابير الخبز

في تقرير أخير لصحيفة "الغارديان" البريطانية يقودنا إلى حد دكاكين الرهن وسط العاصمة كييف. يقول صاحبه، ويدعى ألكسندر بتروف، إن الازدحام أمام واجهة دكانه أصبح مشهداً مألوفاً منذ اندلاع الحرب، حيث يستدين منه نحو 50 شخصاً في اليوم، نصفهم فقط استطاع دفع المبالغ المستدانة واسترداد ممتلكاته التي رهنها.

وتختلف المرهونات من أثاث منزلي، ومعدات طهي، وماكينات خياطة، وحتى هواتف محمولة وساعات يد. ومن بين هؤلاء كانت أولكسندرا، التي التقت بها الصحيفة البريطانية في الدكان المذكور، وهي تحاول تخليص رهن ماكينة خياطة كانت تركتها هناك.

قبل اندلاع الحرب، كانت أولكسندرا تعمل كمحاسبة في شركة محلية، وكان ذلك مصدر دخلها الوحيد. وبعد أن خسرت عملها، كافحت للعثور على بديل، مع نفاد كل مدخراتها، مثل عديدين في كييف، لجأت إلى رهن ممتلكاتها للعيش. فيما اليوم، تعد أولكسندرا نفسها محظوظة، إذ نجحت في إيجاد وظيفة، بعد عام من البطالة، مما سمح لها باستعادة أجهزتها.

ويتزامن فقدان الأوكرانيين وظائفهم ومصادر دخلهم، مع ارتفاع صاروخي في الأسعار. وهو ما يكشفه صاحب دكان الرهن، قائلاً: "قبل الحرب كانت زوجتي تذهب إلى السوبر ماركت للتسوق وكان ذلك يكلفها 200 هريفنا، أما الآن فيبلغ سعر نفس تلك المشتريات من نفس المصدر المتجر ما بين 400 و500 هريفنا".

ويوضح ألكسندر بتروف، بأن أسعار الغذاء "هي الأغلى"، ثم يليها وقود السيارات، فيما بلغ ارتفاع أسعار بعض المواد الأساسية "من 40% إلى 50%".

وفي بلدة إربين، حسب نفس المصدر، يوجد مظهر آخر لهذا البؤس الذي يعيشه الأوكران. إذ يصطف نحو 500 من سكان البلدة، أمام الكنيسة التي توزع عليهم الخبز بالمجان، بالإضافة إلى ملابس مستعملة وأحذية ومستلزمات أخرى بكميات ضئيلة. وأنشأت كنائس أوكرانيا نقاط توزيع مماثلة، كجزء من نشاطها الإحساني.

وإحدى هؤلاء المعوزين في إربين، كانت فيرونيكا برافيك، التي تواصلت معها الصحيفة البريطانية وهي تبحث في طاولات الملابس، محاولة العثور على حفاضات مجانية وحليب أطفال لرضيعها، لكن دون أن تجد ما يلبي حاجتها.

وشرحت برافيك وضعها، قائلة: "أنا لا أعمل. ورغم عمل زوجي لا يمكننا تحمل تكاليف احتياجاتنا اليومية، وهذا راجع لأن كل الأسعار ارتفعت بسبب الحرب وراتب زوجي يشتري أقل مما كان عليه في السابق بسبب انخفاض سعر صرف الدولار". وتضيف متأثرة: "لم أتخيل أبداً أننا سنعيش هكذا. قبل الحرب كنا ندير كل شيء. الأمر صعب للغاية والجميع يعاني نفس الشيء".

فيما تكشف العاملة المتطوعة في الكنيسة، لاريسا كوزيل، بأن الشباب هم الأكثر تضرراً من هذه التبعات الاقتصادية للحرب، "فعلى الأقل يحصل المتقاعدون على دعم يعادل 50 دولاراً في الشهر، صغير لكنهم يحصلون عليه. عكس الشباب، فهم الذين فقدوا وظائفهم وهم الذين يعانون حقاً".

مستويات فقر عالية وتضخم أكثر

جراء اندلاع الحرب، تضرر الاقتصاد الأوكراني بشكل كبير، سواء عبر تعطيل عجلة الاقتصاد، أو عبر محاصرة مواني البلاد على البحر الأسود، إذ تعتمد كييف بشكل كبير على صادراتها عبر البحر. وخلال عام من الاقتتال، فقدت أوكرانيا نحو 30% من ناتجها المحلي.

هذا وبلغ معدل التضخم في أوكرانيا شهر فبراير/شباط الماضي نحو 25%، وانخفض صرف العملة المحلية مقابل الدولار بـ20%. ومقارنة بما قبل الحرب، ارتفعت أسعار الغذاء 31.8%، وأسعار النقل 33.6%، والمعدات المنزلية وصيانة المنزلية الروتينية 28%.

كل هذه الأرقام، تنعكس على الأرض، في انحدار قطاع واسع من الأوكرانيين إلى ما دون خط الفقر. وشهدت معدلات الفقر ارتفاعاً صاروخياً، إذ انتقلت من 5.5% ما قبل الحرب إلى 24.2%. وانهار نحو 7.1 مليون أوكراني تحت خط الفقر في عام 2022، كما سجلت نسب البطالة 36%.

وحسب المدير الإقليمي لأوروبا الشرقية بالبنك الدولي، أروب بانيرجي، فإن عدداً أكبر بكثير من الأوكرانيين معرضون لخطر الانحدار إلى ما دون مستوى الفقر عام 2023.

وكان برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة دق ناقوس الخطر بشأن تدهور الأوضاع الإنسانية في أوكرانيا. وحسب مدير البرنامج ديفيد بيزلي، فإن "واحدة من كل ثلاث أسر في أوكرانيا تعاني من انعدام الأمن الغذائي، ويحتاج 18 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية".

TRT عربي