انتخب الخميس الروائي الفرنسي اللبناني أمين معلوف أميناً عاماً للأكاديمية الفرنسية. وهي سابقة تاريخية في تاريخ الأكاديمية، إذ يعد معلوف أول شخص من أصل غير فرنسي سوف يشغل هذا المنصب مدى الحياة. وفاز معلوف (74 عاماً) بهذا المركز بأغلبية 24 صوتاً مقابل 8 لصديقه الكاتب جان كريستوف روفان، الذي لم يدخل الحلبة إلا في اللحظة الأخيرة.
وعقب انتخابه، أصبح معلوف الرئيس الـ33 للأكاديمية الفرنسية التي تأسست قبل 388 عاماً لتكون الوصية على اللغة الفرنسية ومروجتها. ويخلف في هذا المنصب هيلين كارير دانكوس التي وافتها المنية يوم 5 أغسطس/آب، وفق فرانس برس.
يتطرق هذا التقرير إلى حياة أمين معلوف ومساهماته الأدبية، وهو كاتب لا تزال أعماله تلقى صدى لدى القراء في جميع أنحاء العالم. كما يستعرض الأكاديمية الفرنسية ودورها في الحفاظ على اللغة وترويجها.
أمين معلوف: جسر بين الثقافات
ولد أمين معلوف في 25 فبراير/شباط 1949 في العاصمة اللبنانية بيروت لأم كاثوليكية من الأقلية الملكية اليونانية وأب بروتستانتي، وهو حفيد امرأة تركية متزوجة من ماروني مصري. نشأ معلوف على اللغة العربية، وتحدث الإنجليزية في المنزل، والتحق بالمدرسة اليسوعية الفرنسية.
وبسبب نشأته في عائلة تجسد ملتقى الطرق بين الشرق والغرب، امتلك معلوف من صغره خلفية ثقافية غنية ومتنوعة. لعب هذا التعرض المبكر للتنوع الثقافي موطنه لبنان دوراً محورياً في تشكيل رؤيته للعالم وقدرته على سرد الموضوعات الشائكة التي تتخلل أعماله الأدبية لاحقاً.
وفي سن الثانية والعشرين، أصبح صحفياً مثل والده، إذ كان يغطي سقوط النظام الملكي الإثيوبي والثورة الإيرانية. وبسبب عدم رغبته في العيش في بلد بحالة حرب، انتقل إلى فرنسا عام 1976 بعد اندلاع الحرب الأهلية في بيروت عام 1975، وفقاً لما نقلته صحيفة لوموند الفرنسية.
في عالم الأدب، يقف أمين معلوف بمنزلة شهادة على قوة رواية القصص في تجاوز الحدود وتوحيد الناس من خلفيات متنوعة. كما أن جلّ أعماله الأدبية تعمل تقويض وهدم الحواجز التي تفصل الغرب عن الشرق، وهو الأمر الذي ركز عليه في خطاب قبوله أمام الأكاديمية الفرنسية عام 2011، إذ أشار إلى أنه عازم على هدم "جدار الكراهية-بين الأوروبيين والأفارقة، بين الغرب والإسلام، بين اليهود والعرب".
يذكر أن نيته هذه بدت جلية منذ نشر مقالته الأولى "الحروب الصليبية بعيون عربية (1983)، التي أظهرت براعة قلم كاتب قادر على بناء الجسور بين الثقافات والولاءات. ولا يزال استكشافه للهوية والتبادل الثقافي والسرد التاريخي يتردد صداه لدى القراء، ما يجعله شخصية دائمة في الأدب المعاصر.
أعمال أدبية بارزة
تعتبر مساهمات أمين معلوف الأدبية كنزاً لأولئك الذين يسعون إلى فهم أعمق للحالة الإنسانية وتعقيدات التفاعلات بين الثقافات. ومن أبرز أعماله ما يلي:
- "الحروب الصليبية بعيون عربية" (1983): هذا العمل الأساسي هو رواية تاريخية تعيد النظر في الحروب الصليبية من منظور عربي. ألقت معرفة معلوف ومهارته السردية ضوءاً جديداً على هذه الفترة المحورية في التاريخ.
- "ليو الأفريقي" (1986): في هذه الرواية، يروي معلوف القصة الآسرة لحسن الوزان، الرحالة المغربي الذي عاش في القرن السادس عشر والذي اعتنق المسيحية وأصبح الأسد الإفريقي. يستكشف الكتاب موضوعات التحول الثقافي والهوية.
- "سمرقند" (1988): تدور أحداث هذه الرواية التاريخية في بلاد فارس وآسيا الوسطى خلال الحقبة السلجوقية في القرن الـ11، وتروي قصة العالم والفيلسوف والشاعر عمر الخيام. وتروي أيضاً قصة الشاعر في بلاط سمرقند ورباعيات الخيام الشهيرة، بالإضافة إلى التفاعلات مع الشخصيات التاريخية كالوزير نظام الملك وزعيم الحشاشين حسن الصباح.
- "صخرة طانيوس" (1993): الحائزة جائزة غونكور المرموقة، تأخذ هذه الرواية التاريخية القراء إلى لبنان في القرن التاسع عشر. إنه ينسج قصة مقنعة عن القوة والمكائد وصراع الثقافات.
- "حدائق النور" (1991): تحكي هذه الرواية قصة ماني، مؤسس المانوية، وهي ديانة تمتد بين حدود الشرق والغرب. يستكشف معلوف حياة ماني وتعاليمه في رواية مكتوبة بشكل جميل.
تجدر الإشارة إلى أن معلوف، الذي فاز بالجائزة الأدبية المرموقة في فرنسا، جائزة غونكور، كان يعتبر الخيار الأبرز لشغل منصب رأس الأكاديمية الفرنسية، ذلك نظراً لمشاركته النشطة للغاية في المؤسسة منذ انتخابه للانضمام إليها في عام 2011.
الأكاديمية الفرنسية: حارس اللغة والثقافة
تأسست الأكاديمية الفرنسية عام 1635 على يد الكاردينال ريشيليو، رئيس وزراء الملك لويس الثالث عشر. كان الدافع وراء إنشائها هو الرغبة في تنظيم وتوحيد اللغة الفرنسية، التي كانت آنذاك عبارة عن نسيج معقد من اللهجات والاختلافات الإقليمية. جرى تكليف الأعضاء المؤسسين للأكاديمية بمهمة إنشاء قاموس وقواعد نحوية من شأنها أن تكون المرجع الرسمي للغة الفرنسية.
وفي حين أن الأكاديمية الفرنسية، التي يشار إليها غالباً باسم "الخالدون"، ملتزمة بالحفاظ على جوهر اللغة الفرنسية، فإنها تدرك أيضاً الحاجة إلى تطور اللغة والتكيّف مع السياقات المعاصرة، وذلك من خلال دمج المصطلحات الجديدة والتكيّف مع العولمة، فضلاً عن تنظيم مهمة الترويج الثقافي لاستخدام اللغة الفرنسية في الأدب والفنون والإعلام.
ومنذ تأسيسها في ثلاثينيات القرن السابع عشر، لم يشغل منصب الأمين العام للأكاديمية الفرنسية سوى 32 شخصاً. بينما تضم الأكاديمية 40 مقعداً، يشغل 28 منها رجال و7 تعود لنساء-المعروفين باسم "الخالدين" في إشارة إلى شعارهم (A l'immortalite)، بينما ثمة 5 مقاعد شاغرة في انتظار الانتخابات. ومن بين الأعضاء السابقين شخصيات بارزة مثل مونتسكيو وفولتير وفيكتور هوغو، وفقاً لما نقلته فرانس برس.