تتصاعد المطالب بضرورة توثيق الطلاق والابتعاد عن الطلاق الشفهي وذلك حفاظاً على حقوق المرأة والأولاد. (Others)
تابعنا

هذا ما قالته ندى أحمد لموقع TRT عربي وهي تحكي لنا موقفاً عايشته بنفسها بين أخيها وزوجته منذ شهور، فيما بعد ردّ أخوها زوجته إلى عصمته بنفس الطريقة التي وقع بها الطلاق، أي شفهيّاً.

في معظم البلاد العربية تكون مرجعية قانون الأحوال الشخصية هي الدين الإسلامي، وأغلبية الدول كانت منذ سنوات قريبة تُقِرّ وقوع الطلاق شفهيّاً، وصارت مؤخراً، مع تعديل كثير من بنوده، تجرّم الطلاق الشفهي وتغرّم الزوج إذا لم يوثّق طلاقه، وذلك للحفاظ على حقوق الزوجة، وهو الأمر الذي يرى نشطاء مدنيون أنه ينبغي أن يُعمَّم في كل الدول العربية حيث ما زال بعض الدول يتحفظ على مثل هذه الإجراءات ويُقِرّ الطلاق الشفهي.

في تونس ينص الفصل 30 من قانون الأحوال الشخصية التونسي على أن الطلاق لا يقع إلا لدى المحكمة، ويكون الطلاق إما بتراضي الزوجين، وإما بناءً على طلب أحد الزوجين بسبب ما حدث له من ضرر في الزواج. القانون يقضي لمن تَضرَّر من الزوجين بتعويض عن الضرر المادّي والمعنوي الناجم عن الطلاق، بخاصة حال وجود أطفال بين الزوجين يكون للصلح بينهما مجال، لهذا فإن منطوق الحكم في هذه القضايا يأخذ فترة زمنية طويلة في محاولة من القاضي توسيع الجلسات بين الطرفين للصلح والتراضي بينهما من أجل الأطفال وتجنُّب إتاحة أي فرصة للتفكك الأسري.

بوضوح، ليس في تونس أي طلاق شفوي، لأن العرف والتقاليد لا يسمحان به، والقانون يُلزِم الزوج الطلاق الكتابي ولا يعترف بسواه، ولا استثناءات على الإطلاق، حتى إنه في حال وجود الزوجين خارج تونس، فعليهما التزام القانون التونسي، ولا بد من إتمام إجراءات الطلاق كتابةً لا شفهيّاً، إما في السفارة التونسية بالدولة الأجنبية الموجودين فيها، وإما برفع الدعوى في تونس. كما أنه مع البحث وجدنا أن قانون الأحوال الشخصية التونسي مِن أسبق القوانين في منع الطلاق الشفهي، إذ إن الفصول 40 و41 و42 من القانون الثالث المتعلق بتنظيم الحالة المدنية الصادر عام 1957 تقول بوضوح: "لا يقع الطلاق إلا لدى المحكمة".

في المغرب أيضاً لا يُعترف بالطلاق الشفهي، إذ تنصّ المادتان 79 و114 من مدوَّنة الأسرة الصادرة في 5 فبراير/شباط 2004، على أنه على من يريد الطلاق أن يطلب الإذن من المحكمة بالإشهاد به لدى عدلَين منتصَبين لذلك، بدائرة نفوذ المحكمة التي بها بيت الزوجية، أو موطن الزوجة، أو محلّ إقامتها، أو التي أُبرمَ فيها عقد الزواج، حسب الترتيب، وبعد أن تحاول المحكمة الإصلاح بين الزوجين ما أمكن، فإذا تعذر الإصلاح أذنت بالإشهاد على الطلاق وتوثيقه، أما الرجعة فلا يقع إثباتها وتوثيقها من طرف قاضي التوثيق إلا بعد قبول الزوجة المرتجعة، وهو ما يُعَدّ نقطة بالغة الأهمية لمعاملة المرأة إنسانياً بما يعطيها حقّ الموافقة على الرجعة من عدمها، فيما ترجع في بعض الدول إلى عصمة الزوج دون أن يؤخذ رأيها.

أما في الأردن فالوضع أشدّ صرامة بتغريم من يطلّق خارج المحكمة ولا يوثّق طلاقه، فالمادة 97 من قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم 36 لسنة 2010، والمادة 281 من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960، تقول إنه يجب إثبات الطلاق والرجعة أمام الجهات الرسمية المختصة، وعلى الزوج أن يسجّل طلاقه ورجعته أمام القاضي، وإذا طلق زوجته خارج المحكمة ولم يسجل الطلاق فعليه أن يراجع المحكمة لتسجيل الطلاق خلال شهر، وكل من يتخلف عن ذلك يعاقَب بالعقوبة المنصوص عليها في قانون العقوبات، وهي الحبس مدة لا تزيد على شهر واحد، أو بغرامة من ثلاثين ديناراً إلى مئة دينار، وعلى المحكمة تبليغ الزوجة الطلاق الغيابي والرجعة خلال أسبوع من تسجيله.

حتى في موريتانيا يُغرَّم المخالف، فعلى الزوج الراغب في الطلاق أن يمثل أمام القاضي من أجل تدوينه، يستدعي القاضي الزوجة لمحاولة الصلح بينهما، وإذا أصرّ الزوج على الطلاق سجّل القاضي طلاقه، وسجّل مستند الطلاق في سجلات الحالة المدنية طبقاً لأحكام المادة 69 من القانون الصادر سنة 1996، وذلك في ظرف ثلاثة أشهر من تاريخ الطلاق، ويتعرض الأشخاص المكلَّفون بالتصريح بالطلاق والزوج إذا لم يبلغ زوجته الغائبة بطلاقها، لغرامة 20.000 أوقية.

أما في لبنان، فالمادة 110 من قانون حقوق العائلة، والمادة 15 من نظام المعاملات الإدارية المتعلقة بقانون حقوق العائلة، والمادة 27 من قانون 1951 المتعلق بقيد وثائق الأحوال الشخصية، تنصّ على أنه لدى الطائفتين السُّنيّة والشيعيّة، على الزوج الذي يطلّق زوجته أن يُخبِر المحكمة الشرعية خلال خمسة عشر يوماً اعتباراً من تاريخ الطلاق إذا كان بائناً، وإن كان الطلاق رجعياً فمن تاريخ انقضاء مدة العدة.

وفي مصر ينصّ قانون الأحوال الشخصية على أن يكون الزوج أو من يمتلك العصمة عاقلاً بالغاً ومختاراً، ولا يقع الطلاق من مُكرَه أو نَاسٍ أو سكرانَ أو فاقد التمييز أو مجنون، وتنص المادة 21 من القانون المصري لسنة 2000 بشأن تنظيم إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية في فقرتها الأولى على أنه «لا يُعتدّ في إثبات الطلاق عند الإنكار إلا بالإشهاد والتوثيق»، بما يعني صعوبةً تواجهها النساء في إثبات وقوع الطلاق، لأنه لا يزال يُقِرّ الطلاق الشفهي.

ياسمين علي، زوجة منذ 8 سنوات وأم لطفلين، واجهت مشكلة مع الطلاق الشفهي، ففي إحدى المشاجرات الزوجية طلّقها زوجها شفهيّاً بلا شهود، وترك المنزل لأيام، وحين عاد مارسا العلاقة كأيّ زوجين عاديَّين، فأخبرته أنها بذلك عادت إلى عصمته حسب مذهب أبي حنيفة الذي يقول إنه ما دامت وقعت معاشرة زوجية في أيام العدة فقد عادت الزوجة إلى عصمة زوجها، إلا أن زوج ياسمين أخبرها أنها لا تزال مطلقة. لم يستطع الأهل التواصل مع الزوج، فهو يرفض الحوار والعودة إلى المنزل، وكذلك يرفض توثيق الطلاق، ولا تعرف ياسمين ماذا تفعل.

لمياء لطفي، مديرة البرامج بمؤسسة المرأة الجديدة، قالت لموقع TRT عربي إنه في حالة ذهاب الزوجة إلى المحكمة لترفع قضية إثبات طلاق، سيكون من السهل جدّاً هدّ أركان هذه الدعوى بفتوى صغيرة من شيخ سيقول إن الزوج لم يكن يقصد الطلاق، بل كان يهدّدها فقط أو كان منفعلاً أو في غير وعيه، فهم يتعاملون مع الموضوع بالنيات، فلو كنت تقول إنك لم تكن تقصد الطلاق وكنت تكذب فقد ارتكبت ذنباً يلاحقك مدى الحياة مع زوجتك فيما بعد، ولكن المسألة ليست حلالاً وحراماً، بل يوجد طرف آخر مرهونة حياته بالكامل بكلمة من الطرف الأول لا تُعرف النية من ورائها".

منذ أربع سنوات اقترح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سنّ قانون يمنع وقوع الطلاق الشفهي بين الزوجين في مصر إلا في وجود موثّق عقود زواج (مأذون)، وهو الشخص المخوَّل إليه رسميّاً عقد الزواج والطلاق. وسأل السيسي في أثناء أحد المؤتمرات شيخ الأزهر عن إمكانية إصدار هذا القانون، لكن هيئة كبار العلماء التابعة للأزهر الشريف أقرّت في ما بعد في بيان إقرار الطلاق الشفهي بشكل قاطع.

وورد في البيان أن "هذا هو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبي محمد... أن يقع الطلاق دون اشتراط إشهاد أو توثيق"، إلا أن الهيئة دعت إلى مبادرة "توثيق الطلاق حفاظاً على حقوق المطلَّقة والأبناء"، إذ لا يمنع الرأي الشرعي صدور قانون في هذا الشأن، وقالت في البيان إن "من حق وليّ الأمر (في إشارة إلى النظام الحاكم) اتخاذ ما يلزم من إجراءات لسَنّ تشريع يكفل توقيع عقوبة على مَن امتنع عن التوثيق أو ماطل فيه".

يؤكد عديد من نشطاء حقوق الإنسان أن توثيق الطلاق الشفهي هو أقلّ ما يمكن الحصول عليه امتيازاً ومنحة من هيئة كبار العلماء. إلهام عيداروس، ناشطة حقوقية، تقول إن هذا الأجراء نناضل من أجله منذ أربعينيات القرن الماضي، ويُعتبر الطلاق الشفهي كارثة من كوارث قانون الأحوال الشخصية مثل كارثة ردّ المطلقة غيابيّاً على غير رغبتها، ويجب التعامل مع الطلاق بنفس آلية الزواج، بأن يكون بحضور الطرفين أمام المأذون للتوثيق.

لماذا تُصِرّ مصر على التمسك بالطلاق الشفهي؟ تردّ لمياء لطفي على هذا السؤال قائلة: " لأنها متمسكة بظاهر النص الذي يقول إنه بمجرد لفظ الطلاق فقد وقع، لأنه مثل الزواج، الاثنان يقعان بكلمة: زوّجتُك نفسي، وأنتِ طالق".

يختلف قانون الأحوال الشخصية في مصر عنه في عديد من الدول العربية، ليس فقط في الطلاق الشفهي، بل وفي أمور كثيرة أخرى مثل إلغاء التعدد والتمييز والطلاق الغيابي، تضيف لمياء لطفي أن "دول المغرب العربي تحديداً سبقت كل الدول العربية في تجديد القانون لأنها قرّرت أن تتعامل مع النص بجدية تليق بفكرة مقاصد الشريعة، ففي النهاية التفاسير وشرح الفقهاء للنصّ واسع وبه كمّ كبير من الاختلافات، فالمغرب مثلاً طبّق حقّ الكدّ والسعاية (تَقاسُم الثروة بين الزوجين) منذ أكثر من 20 سنة، أمَّا في مصر فحين تَحدَّث عنه شيخ الأزهر حدثت ضجة كبيرة حول اقتراح تطبيقه".

يرى خبراء أن قانون الأحوال الشخصية المصري في طريقه إلى التغيير، فقد شكّل وزير العدل لجنة من 7 قضاة رجال وقاضيتين وعدد من أعضاء مجلس نقابة المحامين، ومن المحتمَل أن يخلصوا إلى مقترح التعديل خلال أربعة أشهر. تقول لمياء لطفي: "بأي فلسفة سيتغير؟ لا أحد يعرف. هل ستؤخذ محددات المجلس القومي للمرأة في الاعتبار؟ لا نعرف، ولكننا نرجو أن يحدث حوار مجتمعي مع اللجنة يتطلّع إلى المساواة داخل الأسرة وعدم الخوف من الفكر الذكوري للمجتمع".

يرى المتخصصون أن المرأة هي الطرف الضعيف إذا لم يدعمها قانون قوي في مراحل حياتها، زوجةً وأُمّاً ومطلقةً وحاضنةً، وأيضا عاملةً أو طبيبة، فالقانون هو الذي يسوّي بين الأفراد، ويجب أن لا نترك طرفاً تحت رحمة آخَر، يقول كلمة تُنهي الحياة الزوجية ثم يتراجع عنها، أو يقولها ولا يريد توثيقها فتظلّ زوجتَه أمام القانون بينما هي محرمة عليه شرعاً، حتى لا تستطيع الزواج مرة أخرى وحتى لا ينفق عليها وعلى أبنائه منها، فيستمر في حياته فيما تتوقف حياة شخص آخر، وتستمرّ الشكوى والمعاناة في انتظار سَنّ قوانين أقوى حاسمة قد تنعم بها الأجيال القادمة.



TRT عربي