"عيد الميلاد الدامي".. عندما ذبح اليونانيون مئات المسلمين الأتراك في قبرص / صورة: AA (AA)
تابعنا

شهد يوم 21 ديسمبر/كانون الأول 1963 ارتكاب مقاتلو منظمة (EOKA) القبرصية اليونانية الإرهابية مجزرة دموية بحق المسلمين الأتراك في جزيرة قبرص، سجلها التاريخ باسم "عيد الميلاد الدامي". وبينما استشهد في الهجمات 364 شخصاً، اُخليت 103 قرية تركية من سكانها بالكامل.

وعقب إخفاق المساعي الدبلوماسية في حل الأزمة القبرصية طوال عقد من الزمن، أطلقت أنقرة عملية عسكرية في الجزيرة بتاريخ 20 يوليو/ تموز عام 1974 سمّتها "عملية السلام القبرصية"، وذلك بعد أن شهدت الجزيرة انقلاباً عسكرياً قاده نيكوس سامبسون ضد الرئيس القبرصي مكاريوس، وبعد فترة من استهداف المجموعات المسلحة الرومية لسكان الجزيرة من الأتراك.

ورغم ارتكاب مقاتليها مجاز دموية بحق المدنيين الأتراك في الربع الأخير من القرن الماضي، ما زال الكثير من السياسيين القبارصة يتغنون بمنظمة (EOKA) الإرهابية، ففي بداية شهر أبريل/نيسان الماضي أشاد نيكوس أناستاسياديس، زعيم إدارة قبرص الرومية في جنوب قبرص، بمنظمة (EOKA) العنصرية الإرهابية ومقاتليها.

الطريق إلى المجزرة

تهجير الأتراك القبارصة تحت تهديد السلاح. (AA)

كانت جزيرة قبرص أراض عثمانية لأكثر من ثلاثة قرون بعد أن دخلت مظلة الحكم العثماني في عام 1571، إلى أن تغير كل شيء عندما هزم الروس العثمانيين في حرب 93 (1877-1878). ورغبة كليهما في الحصول على دعم إنجلترا، وقعت الإمبراطورية العثمانية معاهدة برلين عام 1878، والتي بموجبها منحت إنجلترا حق إدارة الجزيرة التي بقيت ملكيتها للعثمانيين، ولكن مع هزيمة الإمبراطورية العثمانية، التي حاربت إلى جانب ألمانيا ضد إنجلترا وحلفائها في الحرب العالمية الأولى، أعلنت إنجلترا ضمها للجزيرة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 1914.

وشهدت سنوات خمسينيات القرن الماضي، زراعة بذور "عملية السلام القبرصية" التي نفذتها تركيا لاحقاً في عام 1974 عندما استشعرت أنقرة محاولات أثينا الجدية الرامية لضم قبرص، والتي جابهتها تركيا وقتها من خلال اتخاذ إجراءات لإنشاء دولة ذات طائفتين على الجزيرة. وفي عام 1959 قُبِلَ إنشاء دولة قبرص، التي سيحكمها الشعبان التركي واليوناني بشكل مشترك، تحت ضمانة كل من تركيا واليونان وإنجلترا.

ومع تأسيس دولة قبرص، لم يأتِ السلام المأمول قط. لأن السياسيين في الجنوب لم يتخلوا أبداً عن هدفهم في الاتحاد مع اليونان، فلم يمض وقت طويل حتى بدؤوا بالتنظيم واتخاذ الإجراءات على هذا الطريق. فقد بدأت الهجمات على أتراك الجزيرة من منظمة القبارصة الجنوبيين (EOKA)، التي تأسست تحت قيادة مكاريوس، الذي انتخب أول رئيس لجمهورية قبرص. وشهد شهر ديسمبر/كانون الأول عام 1963 أكثر الهجمات دموية، وكان الهجوم وحشياً لدرجة أنه سُجل في التاريخ باسم "عيد الميلاد الدامي"، حيث ذُبح المئات من الأتراك في ليلة واحدة.

"عيد الميلاد الدامي"

بدأت العصابات اليونانية وعلى رأسها منظمة (EOKA) الإرهابية، يوم 21 ديسمبر/كانون الأول 1963، في تنفيذ خطة أُطلق عليها اسم " أكريتاس" كانت تهدف إلى إخلاء جزيرة قبرص من الأتراك كلياً، إمّا بالقتل وإما التهجير القصري.

خلفت الهجمات الأولى لليونانيين مقتل 92 تركياً وجرح 146 في نيقوسيا وحدها. فيما نفذ مسلحو منظمة (EOKA) الإرهابية أول مذبحة كبرى ضد القبارصة الأتراك في قرية (Ayvasıl) في نيقوسيا في 23 ديسمبر/كانون الأول 1963، حيث قُتل 21 من القبارصة الأتراك الذين أُسروا من هذه القرية ودُفنوا أحياء في مقبرة جماعية بعد تقييد أيديهم.

وبلغت حصيلة الشهداء الأتراك بعد توقف الهجمات عام 1964 نحو 364 شهيداً، فيما تعرضت 103 قرية تركية لتدمير كامل دفع لتهجير سكانها بالكامل والبالغ عددهم أكثر من 25 ألف قبرصي تركي. كما لم تسلم المساجد والأضرحة وغيرها من أماكن العبادة القبرصية التركية من التدنيس خلال تلك الفترة.

عملية السلام القبرصية

في أعقاب تصاعد الهجمات ضد أتراك الجزيرة، حصلت حكومة عصمت إينونو على إذن البرلمان التركي للتدخل العسكري، لكن رسالة التهديد التي بعثها الرئيس الأمريكي ليندون جونسون إلى عصمت إينونو في 5 يونيو/حزيران 1964 حالت دون التدخل العسكري.

ومع تخلي تركيا عن العملية العسكرية في الجزيرة، أصبحت أنشطة (EOKA) أكثر جرأة ودموية. فمنذ عام 1967، ازداد الضغط على الأتراك تدريجياً، حيث بدأت المجازر من جديد، وتبعها هجرة قسرية الأتراك الجزيرة، نتج عنها حشر أتراك قبرص في رقعة أقل من 3% من مساحة الجزيرة الإجمالية، بالإضافة لمساعي ضم الجزيرة للأراضي اليونانية بعد عملية الانقلاب التي دعمتها حكومة الطغمة اليونانية في الجزيرة. الأمر الذي كان القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة إلى تركيا.

ورداً على المحاولات اليونانية لضم الجزيرة وما كان سينتج عنه من إبادة جماعية للأتراك القبارصة، أطلقت تركيا عملية السلام القبرصية في الساعة 06:05 من صباح يوم 20 يوليو/تموز 1974. وبينما انتهت الحملة في 22 يوليو/تموز من العام نفسه بوقف لإطلاق النار، أطلق الجيش التركي حملة ثانية يوم 14 أغسطس/آب 1974، نجحت في تحقيق أهدافها، حيث رُسمت الحدود الحالية لقبرص بشكل رسمي، وأُعلن عن تأسيس دولة شمال قبرص التركية الفيدرالية، بتاريخ 13 فبراير/شباط 1975، التي تحولت لتصبح جمهورية قبرص الشمالية (KKTC) اعتباراً من 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1983.

TRT عربي