رسم تصويري يمثل معركة عين جالوت التي وقعت بين المماليك والمغول، وانتهت بانتصار المماليك بقيادة قطز. (Others)
تابعنا

تعتبر معركة عين جالوت من أهم المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي بشكل عام والمملوكي بشكل خاص، كيف لا وقد حولت مجرى الهزائم الإسلامية إلى انتصار حقيقي على المغول الذين غزوا العالم الإسلامي واستباحوا عاصمة الخلافة العباسية بغداد وقتلوا الخليفة المستعصم بالله، فضلاً عن الدور المحوري الذي لعبه الانتصار في إقرار شرعية سلطة المماليك على العالم الإسلامي في مصر والشام والحجاز لاحقاً.

فبعد احتلال القائد المغولي هولاكو للعراق وبلاد الشام كان احتلال المغول لمصر ما هو إلا مسألة وقت فقط، خصوصاً مع كثرة الصراعات الداخلية داخل صفوف المماليك طمعاً في اعتلاء عرش السلطنة المملوكية الجديدة تزامناً مع قتل المعز عزّ الدين أيبك على يد زوجته شجرة الدر عام 1257، واعتلاء ابنه نور الدين علي بن أيبك عرش الحكم رغم صغر سنه، وتولى سيف الدين قطز الوصاية الكاملة على السلطان الطفل، الأمر الذي ساهم في إخماد بعض الفتن داخل السلطنة المملوكية.

وفي عام 1259، في أعقاب سقوط مدن الشام التي كانت تابعة للمماليك بيد قوات المغول الغازية تباعاً، قرر سيف الدين قطز تنصيب نفسه سلطاناً للمماليك بدل الطفل نور الدين، وذلك استعداداً لإيقاف توغل المغول باتجاه مصر وتحرير ممالك ومدن الشام التي احتلها المغول، وذلك من خلال حشد العدد والعدة وإصدار عفو عام بحق الأمراء وقادة الجيش المملوكي الذين فروا إلى الشام بعد مقتل أيبك، فضلاً عن عقد التحالفات مع القبائل العربية والكردية والتركمانية في المنطقة، وتوقيع اتفاق هدنة مع الصليبيين.

الظروف التي سبقت المعركة

تبع سقوط بغداد عاصمة الخلافة العباسية على يد المغول عام 1258 سقوط كبرى مدن الشام حلب ودمشق في العام التالي، ولم يكتف المغول بذلك، فقد تحركت جيوشهم باتجاه مدينة غزة استعداداً لدخول مصر.

وبعد احتلاله لمدينة دمشق، قام هولاكو بترك قيادة الجيش المغولي لنائبه كتبغا تزامناً مع عودته إلى منغوليا عقب وفاة شقيقه الخان الأعظم مونكو خان. وأُوكل إلى كتبغا مهمة إكمال الفتوحات المغولية باتجاه مصر وصولاً إلى مدن شمال إفريقيا، وخلال فترة قصيرة تمكن كتبغا من احتلال جميع المدن الفلسطينية عدا تلك التي كان يحتلها الصليبيون شمالي ساحل البحر الأبيض المتوسط.

وخلال الفترة التي سبقت زيارته إلى منغوليا، أرسل هولاكو رسالة تهديد ووعيد إلى السلطان المملوكي سيف الدين قطز، لم يطالبه فيها بالاستسلام والخنوع للحكم المغولي وحسب، بل أيضاً بالقدوم من أجل تقديم فروض الولاء والطاعة وتقديم الجزية بنفسه، وإن لم يفعل ذلك فعليه الاستعداد للقتال.

على إثر هذه الرسالة، أمر قطز بقتل الرسل الأربعة الذين أرسلهم المغول عملاً بنصيحة مستشاره بيبرس، وأعلن النفير العام. ولأجل تعزيز وتقوية الجيش طالب العز بن عبد السلام بالإفتاء من أجل جمع التبرعات وأموال الزكاة مقدماً مقابل أن يتخلى الأمراء والحكام المماليك عن أمور البذخ والرخاء.

التحرك بالجيوش نحو فلسطين

في أغسطس/آب 1260 خرج قطز من مصر باتجاه فلسطين على رأس الجيش المملوكي الذي انضمت إليه بعض القبائل العربية والجنود القادمون من الشام وغيرهم من الجنود، رافقه القائد بيبرس الذي تقدم بمجموعة من الجنود ليكشف أخبار المغول، والذي اشتبك مع طلائع منهم بالقرب من غزة، وألحق بهم هزيمة كان لها عظيم الأثر في نفوس الجنود المسلمين.

وبعد أن أقام السلطان قطز في غزة يوماً واحداً، تحرك على طول الساحل باتجاه مدينة عكا التي كانت لا تزال تخضع لسيطرة الصليبيين. وختمت المباحثات مع الصليبيين بتوقيع اتفاق سلام مؤقت يقضي بعدم مشاركة الصليبيين في الحرب إلى جانب المغول، وإلا فسيترك المماليك الحرب مع المغول ويقومون بفتح عكا. وافق الصليبيون على شروط الاتفاق الذي ينتهي بانتهاء الحرب.

وما إن أمن جانب الصليبيين، حتى وافى السلطان قطز القائد بيبرس عند عين جالوت بين بيسان ونابلس، وتحركت الجيوش المغولية التي كانت متمركزة بالقرب من سهل البقاع إلى أرض المعركة.

المعركة وما نتج عنها

في 3 سبتمبر/أيلول 1260 وصلت الجيوش المغولية التي كان يبلغ تعدادها قرابة 20 ألفاً بقيادة كتبغا إلى سهل عين جالوت، حيث كان جيش المماليك البالغ تعداده أيضاً نحو 20 ألفاً بقيادة قطز في انتظارهم.

ولأجل تحقيق النصر، أعد المماليك خطة محكمة كانت السبب في انتصارهم، بعكس المغول الذين اعتمدوا على العدد والعدة فقط. وتمثلت خطتهم العسكرية بأن يقود قطز طليعة الجيش فقط من أجل خداع المغول بأن هذه الكتيبة هي الجيش بأكمله، في حين تم تقسيم بقية الجيش إلى كتائب صغيرة اختبأت خلف التلال. وما بدأ القتال حتى بدأت الفرق العسكرية بالظهور من خلف التلال بشكل متوالٍ حتى تمكنوا من الإحاطة بجيوش المغول وإلحاق الهزيمة بهم بعد قتل قائدهم كتبغا.

ولم يكتف قطز بإعداد الخطط وحسب، بل بعث برسالة تهديد وترغيب لأمير حمص الأشرف موسى الذي انضم إلى جيوش المغول لمحاربة المسلمين، يوبخه ويهدد بعقابه لفعلته هذه، ويغريه بإعطائه ولايتي حمص وتدمر إذا ما انسحب عن المغول، نجح قطز من خلال هذه الرسالة في إقناع جيش حمص بالانسحاب، الأمر الذي كان له أثر عظيم في هدم معنويات الجيوش المغولية، والذي انعكس إيجاباً على سير المعركة لمصلحة المسلمين وتحقيق النصر المؤزر.

وما إن انتهت معركة عين جالوت بانتصار المماليك، حتى أوكل قطز مهمة تحرير مدن بلاد الشام إلى القائد المملوكي الظاهر بيبرس، الذي بدوره حرر المدن الكبرى المتمثلة في دمشق وحلب وحمص في غضون أسابيع قليلة، لتعود بذلك بلاد الشام ومصر موحدة تحت حكم المماليك كما كانت في وقت سابق، وتنضم إليها مدن الحجاز في وقت لاحق.

TRT عربي