وكان يازجي أوغلو قد توفي عقب حادث سقوط لطائرة مروحية كان يستقلها برفقة 5 أشخاص أخرين بالقرب من مدينة كهرمان مرعش، في 25 مارس/ آذار 2009، قبيل أيام قليلة من عقد الانتخابات المحلية.
وفي ذكرى وفاته، تتصدر جمل النعي لمحسن يازجي أوغلو من قبل القادة السياسيين وعامة الشعب مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا، ويشارك الالاف صور ومقولات يازجي أوغلو، الذي أشتهر بقصائده الشعرية وفصاحته إلى جانب كونه أحد أشهر القادة السياسيين في تاريخ تركيا الحديث.
وترحم المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، على السياسي الكبير بمناسبة الذكرى الـ 13 لوفاته. وكتب على صفحته الرسمية على تويتر: "إنسان جميل، رجل شجاع، قلب كبير.. ستبقى دوماً في الذاكرة بالحب والاحترام والرحمة، عسى أن يكون مكانك الجنة، مكانتك عالية، فلترقد روحك بسلام".
يرى كثيرون أن محسن يازجي أوغلو ذهب ضحية الإهمال والغدر والخيانة، في الوقت الذي كان يتوقع ليازجي أوغلو بأن يتبوأ مناصب سياسية مهمة في البلاد، بسبب ما ملكه من قدرة على التأثير في الجموع وقدرته على مخاطبة الأتراك ذو النزعات القومية والمحافظة.
حادث عرضي أم عملية اغتيال سياسي
قبيل أيام قليلة من موعد الانتخابات المحلية لعام 2009، وفي 25 مارس/ آذار استأجر يازجي أوغلو طائرة مروحية لأول مرة، وذلك للذهاب إلى أحد المؤتمرات الانتخابية في مدينة يوزغات وسط الأناضول. سقطت المروحية التي كان يستقلها في منطقة جوكسو الوعرة بالقرب من مدينة كهرمان مرعش، وبعد 3 أيام من البحث عن حطام الطائرة، عثر على جثته وجثث خمسة مرافقين له بين الثلوج في منطقة جبل كاش.
حيث انه وبعد وقوع المروحية، بقي الصحفي المرافق إسماعيل قونيش على قيد الحياة، والذي كان قد اتصل أكثر من مرة على فرق الإسعاف والشرطة لطلب النجدة ولإرشادهم إلى موقع الحطام، إلا أن ذلك لم يعجل من عملية إنقاذهم، بل على العكس وصلت فرق الإنقاذ إلى موقع الحطام بعد 3 أيام ليجدوهم جثث هامدة، في الوقت الذي كان بالإمكان تحديد أماكنهم من خلال هواتفهم. الأمر الذي قد يشير إلى وجود إهمال متعمد.
حيث يؤكد كمال يافوز محامي عائلة يازجي أوغلو، على أن تأخير عملية الإنقاذ والإهمال المتعمد، والبحث في أماكن بعيدة عن مكان وقوع الحادث، وما لحقه من إخفاء وتدمير للأدلة، كانت محاولة لطمس الأدلة عن تورط جماعة غولن الإرهابية. ويقول "نحن على يقين بأنه حينما يتم إجراء تحقيقات متعددة الأطراف، وحين تفكيك الهيكل العسكري داخل منظمة غولن، سيتم إدراك أن ما حدث كان من تخطيط منظمة غولن الإرهابية".
وأكد وزير الداخلية التركي سليمان صويلو من خلال تصريحاته الأخيرة، بأن الأمور بيد المحكمة الآن وقطعا ستصل إلى نتيجة للكشف عن الغموض الذي يتعلق بحادث سقوط المروحية، وعن إمكانية وجود إهمال متعمد، قال صويلو "لدينا القدرة التقنية والتكنولوجيا للوصول إلى أي شيء الآن".
وللمفارقة، بعد العثور على جثة يازجي أوغلو بين الثلوج بعد تحطم مروحيته، تذكره معجبيه بقصيدته "أشعر بالبرد -Üşüyorum "، والتي كتبها في فترة سجنه بعد انقلاب 1980، والتي تبدأ بهذه الأبيات: "في داخلي سلام، أفكر بالخلود، يا صاحب الخلود، أريد الوصول إليك، توقّف لا تغلق نوافذي، لا تغلق شمسي، فالأرض باردة جدا، وأنا أبرد..."
نشأته
ولد محسن يازجي أوغلو في 31 ديسمبر/ كانون الأول 1954 في قرية إلمالي بولاية سيواس وسط الأناضول، وأنهى تعليمه الابتدائي والثانوي ببلدة شاركيشلا التابعة لولاية سيواس، وبعد ذلك انتقل إلى العاصمة أنقرة ليلتحق بكلية الطب البيطري في جامعة أنقرة عام 1972.
وخطى يازجي أوغلو خطوته الأولى نحو السياسة في عمر مبكر جدا، بالانضمام إلى حركة الشباب القومي في بلدة شاركيشلا عندما كان يبلغ من العمر 14 عاما، وبعد قدومه للدراسة في أنقرة عام 1972، عمل في المقر العام لحركة الشباب القومي، ليبدأ بشغل منصب نائب الرئيس ومن ثم منصب الرئيس في حركة الشباب القومي.
في عام 1978 أسس جمعية الشباب القومي، حيث كان يحث ويشجع الشباب باستمرار على الاهتمام بالقراءة والعلم لخدمة وطنهم وشعبهم، وظهر ذلك جليا من خلال رسالته التي بعثها إلى رئيس الجمهورية التركية فخري كوروتورك والتي قال فيها: "يجب أن تحمل الأيدي قلما وليس بندقية".وجرى تعيينه بعد ذلك مستشارا عاما في حزب الحركة القومية (MHP) عام 1980، حيث كان يمثل الجناح الإسلامي المعتدل داخل حزب الحركة القومية.
حياته السياسية
بالرغم من صغر سنه إلا أن يازجي أوغلو نجح بحجز موقعا له على منصة المسرح السياسي التركي، حاله كحال قادة وزعماء الأحزاب السياسية. ولمع أسمه مع استيقاظ تركيا صباح 12 سبتمبر/ أيلول 1980 على وقع الانقلاب العسكري بقيادة كنعان إفرين، عندما تسلم العسكر قيادة البلاد، ليعلنوا بعدها حالة الطوارئ وإغلاق جميع الأحزاب وحظر العمل السياسي بالمجمل، والقبض على كافة زعماء الأحزاب ومن ضمنهم محسن يازجي أوغلو.
وأمضى يازجي أوغلو سبعة أعوام ونصف في السجن، خمسة أعوام ونصف منها في الحجز الانفرادي، وكتب وقتها قصيدته الشهيرة "أشعر بالبرد -Üşüyorum "، وعند محاكمته لم تتم إدانة ولم يتلق أي عقوبة في نهاية المحاكمة. وعقب الإفراج عنه، استمر من حيث توقف في العمل السياسي، حيث شغل منصب نائب الأمين العام لحزب العمال القومي (MÇP).
وفي الانتخابات العامة التي أجريت عام 1991 تم انتخابه نائبا عن حزب العمال القومي ممثلا عن ولاية سيواس. وبسبب اختلاف وجهات النظر السياسية، انفصل برفقة مجموعة من أصدقائه عن حزب العمال القومي عام 1992، ليأسسوا في 29 يناير/ كانون الثاني 1993حزب الاتحاد الكبير (BBP)، كحزب سياسي قومي محافظ برئاسة محسن يازجي أوغلو. وعاد يازجي اوغلو إلى البرلمان التركي من خلال تحالفه مع حزب الوطن الأم (ANAP) في انتخابات عام 1995، وفي عام 2007 دخل البرلمان التركي بعد انتخابه نائبا مستقلا عن ولاية سيواس.
وقف يازجي أوغلو إلى جانب الديمقراطية دائما، وكان من أشد المعارضين للانقلابات العسكرية وحكم العسكر للبلاد، وقد قال عند وقوفه في وجه انقلاب 28 فبراير/ شباط 1997 "الجيش في مقلتينا، لكننا لا نرحب بالدبابة التي أدارت فوّهتها إلى شعبها". ومن بين تصريحاته البارزة أيضا، "لا يكفي معارضة فرعون، من الضروري أن نكون مع موسى" و "لسنا امة تحب سفك الدماء، ولكن إذا كان الوطن موضع تساؤل فسنقطع أوردة العالم".