مهدت الحرب العالمية الأولى لتغييرات سياسية كبيرة كانت وراء ثورات في دول عديدة (غيتي)
تابعنا

يُحيي العالم الأحد الذكرى 107 لبداية الحرب العالمية الأولى التي أسفرت عن مقتل 8 ملايين جندي و13 مليون مدني، إذ كانت الرصاصتان اللتان انطلقتا من طالب صربي لا يتجاوز العشرين وأردتا وريث عرش النمسا فرانز فرديناند وزوجته قتيلين في أثناء زيارتهما سراييفو، شعلة الحرب التي كانت في بدايتها أوروبية، لتمتدّ وتشمل العالم الذي انقسم بين دول الحلفاء والمحور.

وكانت الحرب العالمية الأولى واحدة من أعنف الصراعات عبر التاريخ، إذ استمرت من عام 1914 حتى 1918، ودفعت العالم إلى أهوال حرب الخنادق والتقنيات الجديدة الفتَّاكة والغازات السامَّة والدبَّابات.

ومهدت الحرب لتغييرات سياسية كبيرة كانت وراء ثورات في دول عديدة، إضافة إلى انهيار الإمبراطوريات النمساوية-المجرية والعثمانية والروسية، المترامية الأطراف التي ظلَّت قائمةً لقرونٍ من الزمن، وتشكَّلَت دول جديدة لتحل محلها، لتغير بذلك وجه العالم.

وكانت الحرب العالمية الأولى نتيجة متوقعة لسلسلةٍ طويلةٍ من الأحداث، امتدَّت جذورها إلى نهاية القرن 19، حسب مؤرخين.

أسباب سابقة للحرب

شكّل التحالف الفرنسي-الروسي عام 1894 عاملاً أساسياً في تغذية الحرب العالمية الأولى، إذ خافت روسيا وفرنسا، اللتان تعرَّضتا للإذلال في الحرب الفرنسية-البروسية 1870-1871، من القوة الصاعدة لألمانيا، التي شكَّلَت بالفعل تحالفاتٍ مع النمسا-المجر وإيطاليا، حسب ما جاء في موقع History Extra.

وقرَّرَت الدولتان توحيد قواهما من أجل الحماية المُتبادَلة أيضاً، وكان ذلك بداية ما سيصبح لاحقاً قوات الحلفاء في الحرب العالمية الأولى.

كما كان للقانون البحري الألماني الأول الذي دعا إليه وزير البحرية الإمبراطورية المُعيَّن حديثاً آنذاك في ألمانيا، الأدميرال ألفريد فون تيربيتز، دور كبير في اشتعال الحرب، إذ كان من بين خمسة قوانين تبني حشداً بحرياً تخيَّل فيه الألمان قوةً مُتفوِّقةً على البحرية الملكية البريطانية، وهو ما يراه مؤرخون محاولة إجبار من ألمانيا لبريطانيا.

وكان للحرب الروسية اليابانية (1904-1905) دور كبير في إشعال الحرب العالمية الأولى، إذ رأى اليابانيون في العدوانية الروسية المتزايدة تهديداً لهم، وبعد معارك، وقفت اليابان التوسُّع الروسي في الشرق، وأدَّى هذا إلى تحويل الطموحات الروسية إلى الغرب، خصوصاً في البلقان، وساعدت تلك المعارك الروسية على إشعال الحرب العالمية الأولى بعد أقلّ من عقدٍ من الزمان.

عوامل سابقة أخرى ساهمت في إشعال الحرب، من بينها إلحاق الإمبراطورية النمساوية-المجرية للبوسنة والهرسك (1908)، والأزمة المغربية الثانية (1911)، وغزو إيطاليا لليبيا (1911)، وحروب البلقان (1912-1913)، إضافةً إلى حادثة اغتيال وريث عرش النمسا التي كانت شرارة إشعال الحرب عام 1914.

اندلاع الحرب ودخول أمريكا

بعد شهر على حادثة اغتيال وريث عرش النمسا، أعلنت الأخيرة الحرب على صربيا، وبدأت الدول الأوربية تدخل تحالفات، إذ ناصرت روسيا صربيا وأعلنت الحرب على النمسا، فأعلنت ألمانيا الحرب على روسيا، وانقسمت الدول إلى "قوات الحلفاء" بزعامة المملكة المتحدة، و"دول المركز" بزعامة ألمانيا، وتوسعت التحالفات مع اتساع دائرة الحرب ودخول عديد من الدول فيها إلى جانب أحد الفريقين.

وخلال الحرب التي دامت أكثر من 4 سنوات، والتي تحولت من أوروبية إلى عالمية، تطورت المواجهة بين الدول من حرب الحركة إلى حرب الخنادق، وحفرت الجيوش المتقابلة على الجبهات الخنادق وحصّنوها وجهزوها، واستخدموا أسلحة جديدة مثل الدبابات والطائرات.

واستطاع الألمان عام 1915 تحقيق عدد من الانتصارات على الحلفاء، فألحقوا الهزيمة بالروس في معركة جورليس تارناو، واحتلوا بولندا ومعظم مدن لتوانيا، وحاولوا قطع خطوط الاتصال بين الجيوش الروسية وقواعدها للقضاء عليها.

ورغم أن الروس حقّقوا بعض الانتصارات الجزئية على الألمان فإن خسائرهم الباهظة (نحو 325 ألف أسير) لم تسمح لجيشهم باسترداد قواه، وأدى النجاح الألماني على الروس إلى إخضاع البلقان، وعبرت القوات النمساوية والألمانية نهر الدانوب لقتال الصرب وألحقوا بهم هزيمة قاسية.

وفي عام 1916 ازدات حدة المعارك ودخلت أمريكا بحرب الغواصات، نتيحة لمحاولة الألمان إغراق أي سفينة تجارية لتجويع بريطانيا وإجبارها على الاستسلام.

في تلك الأثناء استفاد الألمان من نجاح الثورة البلشفية في روسيا في أكتوبر/تشرين الأول 1917 وتوقيع البلاشفة اتفاقية صلح برست ليتوفسك في الثالث من مارس/آذار 1918 التي خرجت بموجبها روسيا من الحرب.

وقد شجع خروج روسيا من الحرب القيادة الألمانية على الاستفادة من قواتها التي كانت على الجبهة الروسية وتوجيههم لقتال الإنجليز والفرنسيين، فاستطاع الألمان تحطيم الجيش البريطاني الخامس في مارس 1918، وتوالت معارك الجانبين العنيفة التي تسببت في خسائر فادحة في الأرواح والأموال.

في المقابل استفاد الحلفاء من الإمكانيات والإمدادات الأمريكية الهائلة في تقوية مجهودهم الحربي، واستطاعوا تضييق الحصار على ألمانيا على نحو أدى إلى إضعافها، فبحلول صيف عام 1918 كان عشرة آلاف جندي يُرسَلون يومياً إلى فرنسا.

في النهاية انهارت قوات "دول المركز" بسرعة، وكانت بلغاريا أول مَن وقّع الهدنة في 29 سبتمبر/أيلول 1918 في سالونيك، وتوالت الانهيارات وتوقيع اتفاقيات الاستسلام، لتوقع ألمانيا هدنة كومبين مع الحلفاء داخل إحدى مركبات السكك الحديدية في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1918 الساعة الخامسة مساء، ويدخل وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في الساعة الحادية عشرة من اليوم الحادي عشر من الشهر الحادي عشر.

وتسببت الحرب في خسائر بشرية كبيرة وفقد ملايين، كما خلفت خسائر اقتصادية كبيرة، فانتشر الفقر والبطالة، كما عرفت الدول المتحاربة أزمة مالية خانقة بسبب نفقات الحرب الباهظة، فازدادت مديونية الدول الأوربية وتراجعت هيمنتها الاقتصادية لصالح الولايات المتحدة الأمريكية واليابان.

وتغيرت خريطة أوروبا بعد الحرب، فتفككت الأنظمة الإمبراطورية القديمة، وسقطت الأسر الحاكمة، كما تغيرت الحدود الترابية للقارة الأوروبية بظهور دول جديدة، وقامت الثورة الروسية التي طبّقَت أول نظام اشتراكي في إطار الاتحاد السوفييتي.

تأثير الحرب في العرب

وكان للحرب أثر كبير في العرب، إذ انضمت الخلافة العثمانية إلى دول المركز في هذه الحرب، وبدأت نهاية التاريخ العثماني، ووضعت هزيمة ألمانيا ومعها الدولة العثمانية مصير المشرق العربي في أيدي بريطانيا وفرنسا.

أما حلم الشريف الحسين بن علي شريف مكة بإنشاء دولة عربية كبرى، مع علاقته السيئة بالدولة العثمانية، فقد ساهم في جذب بريطانيا له إلى جانبها، ودخلت مفاوضات سرية معه، متعهدة بإعطائه دولة عربية كبرى، فدخل الحرب إلى جانبها معلناً ما عُرف بالثورة العربية ضد العثمانيين في يونيو/حزيران 1916 بمشاركة ضابط الاستخبارات البريطاني لورنس، الشهير بـ"لورنس العرب"، واستطاعت الحركة السيطرة على الحجاز بمساعدة الإنجليز.

وعلى الرغم من تلك الوعود، فإن الحلفاء لم يعترفوا به إلا ملكاً على الحجاز وشرق الأردن، وأُجريَت مفاوضات واتفاقيات سرية مع فرنسا وروسيا تناولت اقتسام الأملاك العثمانية بما فيها البلاد العربية، ثم انفردت بريطانيا وفرنسا باتفاقية سرية عُرفت باتفاقية سايكس بيكو (1916) نسبة إلى كل من المندوب البريطاني مارك سايكس والمندوب الفرنسي فرانسوا جورج بيكو.

وبموجب هذه الاتفاقية التي فُضح أمرها بعد الثورة البلشفية في روسيا سنة 1917، تقاسمت فرنسا وبريطانيا البلدان العربية وأُخضِعَت كل مناطقه للاستعمار تحت اسم الانتداب، وفي نفس السنة غدرت بريطانيا بالعرب مرة أخرى، إذ وعدت زعماء الصهاينة بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، في ما عُرف بوعد بلفور الصادر في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1917.

TRT عربي - وكالات