تابعنا
تؤكد الدراسات أنّ للتعرض للحرارة المفرطة كثيراً من التأثيرات السلبية فسيولوجياً، وغالباً ما يؤدي إلى زيادة سوء الظروف الحالية للشخص، وكذلك زيادة معدل الوفيات لحديثي الولادة، إضافةً إلى حدوث الإعاقات بأنواعها.

تُعتبر الموجات الحارة السمة الأبرز حول العالم لصيف 2023، إذ أصبحت متكرّرة بشكل كبير وغير اعتيادي في معظم الدول تبعاً للتغيرات المناخية، ومن المؤكد أنّ الجو الحار بشكل متزايد لا يُعتبر محبباً، لا سيّما لغير المُعتادين عليه ولمواطني الدول الفقيرة نسبياً والفقيرة في مصادر الطاقة، إضافةً إلى أثره على مختلف مجالات الحياة أبرزها السياحة والاقتصاد والأمن الغذائي والصحة العامة.

ووفق منظمة الصحة العالمية (WHO)، فإنّ تعرض الأشخاص للحرارة يتزايد بسبب التغيّرات المناخية التي أدّت إلى تصاعد درجات الحرارة القصوى حول العالم في حجمها ومدّتها وتواترها، حيث ازداد عدد الأشخاص المعرّضين لمعايشة الموجات الحارة بنحو 125 مليون شخص بين عامَي 2000 و2016.

ما الموجات الحارة؟

وفي تعريف الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، فإنّ الموجة الحارة هي عبارة عن فترة جو حار غير طبيعي، يجري تحديدها بناءً على درجات الحرارة الأعلى نسبياً، وتستمر من يومين إلى أشهر.

أما المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، فتعرّف الموجة الحارة بأنّها تحدث عندما تتجاوز درجات الحرارة المتوسطة اليومية 5 درجات مئوية لمدّة خمسة أيام متتالية.

وبشكل عام، لا يمكن علمياً وضع تعريف محدّد وعام للموجات الحارة، إذ إنّ التعريف يختلف من دولة إلى أخرى بناءً على عوامل عديدة أهمها الطبيعة الجغرافية والمناخية للمنطقة، فمثلاً دولة هولندا عرّفت الموجة الحارة بأنّها تجاوز الحرارة للقيمة القصوى بمقدار 25 درجة في خمسة أيام متتالية منها ثلاثة أيام تتجاوز بها الحرارة القيمة القصوى بمقدار 30 درجة.

بينما في الدنمارك جرى تعريف الموجة الحارة بأنّها تحدث عندما تتجاوز درجات الحرارة القيمة القصوى بـ28 درجة لمدة ثلاثة أيام على الأقل في 50% من الولايات أو المدن، بينما في دول العالم الأكثر حرارة قد تُعتبر هذه الفترات اعتيادية ولا تُعتبر موجة حارة.

ومن الأسهل تعريف الموجة الحارة بأنّها الأيام التي تتجاوز فيها الحرارة القصوى الظروف الحرارية الاعتيادية في الدولة، في فترة زمنية معينة ولمدّة لا تقل عن 3 إلى 5 أيام متتالية.

تأثير الموجات الحارة

تؤثر الموجات الحارة المستمرة لأيام على المجتمع -وفق منظمة الصحة العالمية، ومن ضمن تأثيرات الموجات الحارة ارتفاع معدل الوفيات الناتجة عن الحرارة حول العالم، حيث عدّت المنظمة الموجات الحارة بأنّها من أخطر الظواهر الطبيعية ولكنّها نادراً ما تحظى بالاهتمام الكافي، بسبب عدم وضوح أعداد الوفيات والدمار الذي تسبّبه هذه الموجات.

وتوفي أكثر من 166 ألف شخص في الفترة بين 1998 و2017؛ بسبب الموجات الحارة، من بينهم أكثر من 70 ألف شخص تُوفوا خلال الموجة الحارة التي اجتاحت أوروبا بين يونيو/حزيران وأغسطس/آب عام 2003، بينما حدثت 56 ألف وفاة في الاتحاد الروسي بسبب الموجة الحارة التي استمرت لمدة 44 يوماً عام 2010.

وتؤكد الدراسات أنّ للتعرض للحرارة المفرطة كثيراً من التأثيرات السلبية فسيولوجياً، وغالباً ما يؤدي إلى زيادة سوء الظروف الحالية للشخص، وكذلك زيادة معدل الوفيات لحديثي الولادة، إضافةً إلى حدوث الإعاقات بأنواعها.

وللموجات الحارة تأثيرات صحية مباشرة تتمثل بالأمراض الناتجة عن التعرض لحرارة عالية فترة من الزمن، وتشتمل هذه الأمراض التشنجات الحرارية، والإغماء، والوذمة الحرارية (احتباس السوائل في الجسم)، والطفح الجلدي، والإنهاك الحراري (الشعور بتعب مفرط وفقدان للطاقة والقدرة على أداء المهام اليومية)، بالإضافة إلى ضربات الشمس التي قد تتطلب تدخلاً طبياً مباشراً.

وترتبط الموجات الحارة أيضاً بالمضاعفات أثناء الحمل ومن ضمنها الولادة المبكرة وانخفاض في أوزان المواليد عند الولادة، ومشاكل في الكلى، وتدهور في حالة مرضى القلب والشرايين والأمراض المزمنة كالسكري، وكذلك مرضى الجهاز التنفسي، إضافةً إلى تأثيرات صحية نفسية أخرى ترتبط بصعوبات النوم وانخفاض جودته، وزيادة الشعور بالضيق والتوتر، والاكتئاب، وارتفاع معدلات العنف والغضب، حسب المركز السعودي لتعزيز الصحة النفسية.

أثر تغيير نمط الحياة والنظام الغذائي

تدعو جميع المنظمات المعنية ومنها الصحة العالمية والمنظمات المعنية بالتغيرات المناخية، إلى اتخاذ خطوات تساعد على التخفيف من الأثر السلبي للموجات الحارة على الصحة الجسدية والنفسية، وتسارع الحكومات حول العالم إلى اتخاذ إجراءات تساعد على التخفيف من هذا الأثر خلال فترة الموجات الحارة، مثل تعطيل المدارس والجامعات، وتأخير فترة عمل العمّال الذين يتطلب عملهم التعرض لأشعة الشمس المباشرة مثل عمال البناء وعمال التنظيف.

ومن الهام جداً السعي إلى اتخاذ تدابير معينة في نمط الحياة على الصعيد الشخصي، مثل تجنب الخروج والتعرض لأشعة الشمس المباشرة في ساعات الذورة الحرارية وهي ساعات الظهيرة، ومحاولة تبريد الجسم قدر المستطاع من خلال الاستحمام بالماء البارد واستعمال أجهزة التبريد والتكييف بحرارة معتدلة.

ومن الضروري أيضاً إغلاق النوافذ والستائر ومصادر الإضاءة العالية خلال ساعات النهار وفتحها ليلاً للاستفادة من برودة الهواء في ساعات المساء، كما يُمكن تعليق قطعة قماش مبلّلة ومنفذة للهواء للاستفادة من الهواء مساءً في تبريد المنزل، وتنصح منظمة الصحة العالمية بارتداء ملابس قطنية باردة خلال الموجات الحارة وتجنب آداء جهد بدني عالٍ.

أما النظام الغذائي، فمن الجلي أنّ تروية الجسم تُعتبر أساسية جداً لتجنب الجفاف ونقص التروية، لا سيّما لمرضى الأمراض المزمنة والأطفال والرضع والحوامل وكبار السن، والأشخاص الذين يعملون تحت أشعة الشمس المباشرة أو في مهن ترافقها مصادر إضافية للحرارة مثل الطبخ والعمل بالقرب من الآليات، ولتروية الجسم بالشكل الكافي يجب شرب الماء والسوائل بشكل منتظم لتحقيق أكبر استفادة من خلال شرب 2 كوب ماء كل ساعة مثلاً، وبمعدل يومي لا يقل عن 16 كوباً/ 4 لترات للشخص البالغ.

أما الأصناف الغذائية التي يجب تجنبها، فأبرزها مصادر البروتين الغذائية كاللحوم والدواجن والبيض؛ لأنّ هضمها يتطلب جهداً حرارياً في الجسم ويرفع حرارته، إضافةً إلى إرهاق الجهاز الهضمي والشعور بتعب مضاعف وخمول إضافي، وغالباً ما يؤدي استهلاكها خلال الموجات الحارة إلى زيادة حدّة أعراض الجهاز الهضمي كالانتفاخ والارتجاع المريئي، بينما يمكن استهلاك الحليب البارد وحليب جوز الهند لدورهما في خفض حرارة الجسم.

وخلال الموجة الحارة من الضروري تجنب الكربوهيدرات منها النشويات مثل الحبوب والأرز، والسكريات بخاصة السكر الأبيض والمحليات، مع ضرورة تناول الطعام على شكل وجبات صغيرة متكرّرة على مدار اليوم وتجنب تناول وجبة دسمة تمنح شعوراً بالتخمة وارتفاع حرارة الجسم بشكل مضاعف.

ووفق صحيفة الإندبندنت، فإنّ تناول الطعام الحار بخاصة الفلفل الغني بمركب الكابسيسين يساعد على تبريد الجسم من خلال إصدار إشارات للدماغ بأنّ الجسم يشعر بحرارة عالية، والتعرّق بعد تناول طبق من الشوربة مساءً يساعد على تبريد الجسم، إضافةً إلى أصناف أخرى مثل السبانخ والبطيخ والخيار والشمام، والأطباق المضاف إليها الكركم والنعناع.

TRT عربي
الأكثر تداولاً