تابعنا
تستمر أزمة الجفاف الحاد التي يشهدها المغرب للسنة السادسة على التوالي، إذ أصبحت التساقطات المطرية في البلاد تتناقص عاماً بعد آخر، وهو ما خلف تداعيات على الاقتصاد، وبالتالي أثّر في القدرة الشرائية للمواطن المغربي.

على الرغم من التساقطات المطرية الأخيرة التي شهدها المغرب مطلع شهر أبريل/نيسان، والتي أنعشت حقينة سدودها، فإن البلاد تعيش أحد أقسى فترات الجفاف في تاريخها، إذ عانت المملكة طوال الموسم الجاري نقصاً حاداً في التساقطات، بلغ أكثر من النصف مقارنة بأرقام العام الماضي، وهو ما يهدد الزراعة في بلد يعتمد اقتصاده بشكل كبير على هذا القطاع، سواء للتصدير الخارجي أو تلبية احتياجات السوق الداخلية.

وتستمر موجة الجفاف التي تضرب المغرب لعامها السادس، وعاماً بعد عام يزيد شحُّ الغيث قسوة، وهو ما تسبب في تداعيات واسعة على الاقتصاد، وبالتالي على القدرة الشرائية للمواطن المغربي بارتفاع أسعار المواد الزراعية، التي تشكل عماد النظام الغذائي السائد في البلاد.

سنة جافة سادسة

مثّلت التساقطات المطرية الأخيرة في المغرب مطلع أبريل/نيسان الجاري لحظة استبشار للمغاربة بعد شهور طويلة من انحباس الغيث، وبالفعل أنعشت تلك التساقطات حقينة السدود والأحواض المائية بالمملكة، إذ شهدت نسب ملئها في ظرف يوم فقط (مطلع أبريل/نيسان) زيادة بـ1.25% لتبلغ 28.94%، أي باحتياطي تعدى 4.66 مليار متر مكعب من المياه.

ومع ذلك تبقى هذه الحصيلة أقل بكثير مما سُجّل في السنوات الماضية، إذ كانت نسبة الملء في اليوم نفسه من عام 2023 تعادل 34.6%، واحتياطي المياه في السدود 5.83 مليار متر مكعب، وهو ما يؤشر على استمرار موجة الجفاف التي يشهدها المغرب، والتي دخلت عامها السادس.

وتعد موجة الجفاف التي يعيشها المغرب هي الأقسى في تاريخ البلاد، الأمر الذي أكّده وزير التجهيز والماء نزار بركة في تصريحات شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، فقال: "دخلنا مرحلة دقيقة بعد خمس سنوات متتالية من جفاف لم تعِشه بلادنا من قبل"، مضيفاً بأن "الأشهر الثلاثة الأولى (للموسم الزراعي) أظهرت أننا نتجه إلى سنة جفاف أخرى، لا قدر الله".

وحسب الأرقام التي أدلى بها الوزير المغربي شهدت الأشهر الثلاث الأولى من الموسم الزراعي عجزاً في التساقطات بلغ نحو 67%، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

ولم تأتِ الشهور التي تلت ذاك بغيث للمغرب، ووصولاً إلى مطلع فبراير/شباط المنصرم ظل الشح في الأمطار مستمراً، إذ رصدت أرقام وزارة التجهيز المغربية تلك الوضعية المقلقة، وسجلت الاحتياطات المائية ما يزيد قليلاً على 3.7 مليار متر مكعب، أي أقل بكثير من 5.14 مليار متر مكعب في الفترة نفسها من عام 2023.

من الإجهاد إلى الفقر المائي

أصبح واقع الإجهاد المائي في المغرب أمراً واضحاً ومَعيشاً للسكان، بل تشهد به تقارير معظم المؤسسات البحثية المغربية والدولية المختصّة في الشأن، إذ أشار تقرير معهد دولي متخصص في دراسة الموارد المائية إلى أن المغرب سيعرف ضغطاً مائياً مرتفعاً جداً ابتداءً من عام 2040، مقدراً نسبة فقدان البلاد مواردها المائية بـ80% على مدى 25 عاماً قادمة.

في المقابل، تحمّل التقارير المغربية المسؤولية في هذا الواقع للسياسات العمومية الخاصة بإدارة الشأن المائي، وفي تقرير حديث له قال معهد مغربي لتحليل السياسات العمومية إن "المغرب يعيش في الوقت الراهن أزمة ندرة مياه (...) تتعلق بشكل وثيق بطبيعة الاستخدامات المائية في ميدان الري، إذ يُستهلك 80% من الموارد المائية في المغرب سنوياً".

وأضاف المعهد أن "سياسات الري سواء السابقة أو الحالية تُعَدّ سياسات غير متوازنة لكون التنمية القروية والاقتصادية تستوجب السير في نهج شامل، في حين أنه جرى حالياً في سياق الجفاف الهيكلي وتغير المناخ تفضيل تصدير المياه على حساب الفلاحين المعيشيين، في وقت تُفاقِم فيه السياسات المطبقة ندرة المياه التي تصيب الضعفاء أولاً".

لكن من ناحية أخرى يذهب محللون إلى أبعد من هذا التشخيص، إذ أصبحوا يتحدّثون عن وجود "فقر مائي" في المغرب، وهو ما أكدته الباحثة في الشأن البيئي والتنمية المستدامة أميمة خليل الفن، وقالت إن "المغرب اليوم يعيش ليس فقط إجهاداً مائياً، بل يعيش فقراً مائياً مدقعاً، وهذا راجع إلى عوامل عدة، تتنوع بين ما هو طبيعي وما هو بشري".

ويشير مصطلح الفقر المائي إلى حالة عدم توفر المياه النظيفة والصالحة للشرب والاستخدام اليومي، وتحدد منظمة الأمم المتحدة عتبته في 1000 متر مكعب من المياه للفرد الواحد.

وأضافت أميمة لـTRT عربي أن "حقينة المغرب تظل متواضعة مقارنة بحجم الضغط الذي تعرفه بفعل الطلب المتزايد نتيجة النمو الديموغرافي، وأيضاً الأنماط الاقتصادية والفلاحية المتبناة، والتغيير الجذري الذي شهدته أنماط المعيشة اليومية للمغاربة"، وبالتالي "كل هذه العوامل ساهمت في هذا الوضع".

وتوضح أن هذه الحالة المائية التي يعرفها المغرب هي "تراكم لسنوات من سوء تدبير (الموارد المائية) وغياب الحكامة المائية في البلاد"، لكون "المغرب يعرف في السنوات الأخيرة تغيرات مناخية كبيرة، مدفوعة بالتغيرات المناخية العالمية وارتفاع درجة حرارة الكوكب بسبب الاحتباس الحراري (...). مع الأسف كل هذه العوامل المناخية لم تؤخذ بعين الاعتبار خلال تدبير هذا المورد الحيوي بطريقة مستدامة وتضمن استمرارية استغلاله بشكل عادل".

وشددت الباحثة في الشأن البيئي والتنمية المستدامة على أن "غياب العدالة المائية دفعنا إلى مرحلة الطوارئ المائية (...)، فنحن تخطينا مرحلة الاستباق، وانتقلنا إلى مرحلة إدارة المخاطر المرتبطة بشح الماء".

تأثير في القدرة الشرائية

يُعَدّ المغرب بلداً زراعياً بامتياز، إذ يساهم قطاع الفلاحة بنحو 13% من الناتج الداخلي الخام، كما تمثل صادرات القطاع نحو 21% من مجمل الصادرات المغربية، وهو ما يمثل 8% من الناتج الخام (على اعتبار أن التصدير يساهم بـ40% في الناتج الخام المغربي)، وفق ما توضحه أرقام الخزينة العامة للمملكة.

هذا بالإضافة إلى أن الفلاحة تمثل نحو 38% من مناصب الشغل في المغرب، وترتفع هذه النسبة لتصل إلى 74% في العالم القروي.

وبالتالي فإنّ تأثر الفلاحة المغربية بأزمة شح المياه، وهي التي تستهلك نحو 80% من الموارد المائية، له تداعيات وخيمة على اقتصاد البلاد ككل، وهو ما يؤكده عبد الرزاق الهيري المحلل الاقتصادي المغربي، ويقول إن "هذه الأزمة تؤثر أيضاً في نسبة نمو القيمة المضافة الفلاحية، مما يؤثر بالتالي في نسبة النمو الاقتصادي بشكل عام (...)، وهو ما يمكن أن يؤثر في نسبة التضخم في البلاد بالنظر إلى ارتباطه بارتفاع أثمنة المواد الغذائية التي تدخل ضمن المنتجات الفلاحية".

ويحس المغاربة بهذا التأثير عميقاً خلال السنوات الأخيرة، الذي ينعكس سلباً على قدراتهم الشرائية، خصوصاً أن الموائد المغربية تعتمد بشكل رئيسي على المنتجات الفلاحية غير المصنّعة، الأمر الذي يوضحه الباحث في علم الاجتماع محمد امباركي، ويقول إن "تأثير أزمة الجفاف في القدرة الشرائية للمغاربة هي مسألة بديهية، على اعتبار أن الاقتصاد المغربي مرتبط بشكل هيكلي بالتساقطات المطرية".

ويضيف امباركي لـTRT عربي أن "التأثير الأكبر لسنوات الجفاف كان في العالم القروي والمزارعين الصغار، الذين يوردون بشكل أكبر السوق المحلية، على عكس الفلاحين الكبار المجهزين بإمكانيات كبيرة للري، وهم في الأغلب يقومون بالزراعة التصديرية (...). يبقى انعكاس الجفاف شاملاً لكل الفلاحين، لكن تأثيره الأكبر يكون في الفلاحين الصغار (...)، وهو ما يؤدي أيضاً إلى تفشي ظاهرة الهجرة القروية التي يستمر تدفقها على المدن".

أما بخصوص القدرة الشرائية، فيبيّن الباحث المغربي أن "هناك معاناة بفعل تأثيرات الجفاف، خصوصاً لدى المواطنين البسطاء (...)، وفي ظل إنتاج زراعي محدود وطلب مرتفع، من الطبيعي أن ترتفع أسعار المواد الغذائية".

ويشير امباركي أيضاً إلى عدم التوازن بين التصدير والتوريد للسوق الداخلين، وأنه "في حين كانت السوق الداخلية للمنتجات الزراعية تعاني من التضخم، كنا نشاهد تلك المنتجات تصدر إلى الخارج (عوض ضخها في السوق الداخلية لتخفيض الأسعار)".

وفي هذا الصدد تحركت السلطات المغربية خلال السنة الماضية لتقنين تصدير المنتجات الفلاحية من أجل مكافحة تضخم السوق الداخلية بفعل الجفاف، بل منعت في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023 تصدير الزيتون وزيت الزيتون إلى الخارج بهدف خفض أسعاره داخلياً، التي وصلت إلى مستويات قياسية هذا الموسم.

وتؤكد الباحثة المغربية أميمة خليل الفن أن "الجفاف يمس بالفعل القدرة الشرائية للمواطنين وتنعكس تداعياته على جيوبهم، وبالتالي فإن تدبير الموارد المائية للبلاد يجب أن يكون بطريقة تضمن لنا استقراراً اقتصادياً واجتماعياً في البلاد، التي تحافظ ليس فقط على حصة المواطن من ماء الشرب، بل على توفير مواد غذائية تحترم القدرة الشرائية للمواطن".

TRT عربي
الأكثر تداولاً