تابعنا
لم يعد المغرب يشهد اعتدالاً في المناخ، بل حدثت تغيرات كثيرة على هذا المستوى في البلد الواقع على ضفتي المتوسط والأطلسي، وكان تعاقُب سنوات الجفاف من مظاهر التغيرات المناخية، وفق منسّق الائتلاف المغربي من أجل المناخ عبد العزيز الجناتي.

لم يعد خافياً أزمة المياه التي يشهدها المغرب، والتي أصبحت جزءاً من النقاش العمومي منذ تأكيد الحكومة أن المغرب يعيش "حالة طوارئ" مائية بعد توالي سنوات الجفاف، واستنزاف الخزانات المائية الجوفية في عدد من مناطق البلاد.

وتواجه المملكة تحدياً مائياً كبيراً، دفع العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى التدخل أكثر من مرة، عندما ترأس جلسات خُصّصت لإشكالية الماء، في إطار التتبع المستمر لهذه المسألة الاستراتيجية، لا سيما في السياق الحالي الذي يسجَّل فيه عجز ملحوظ على مستوى التساقطات وضغط قوي جداً على الموارد المائية في مختلف جهات البلاد.

ضعفُ ملء السدود

يكشف هذا التحرك من أعلى سلطة في البلاد مدى تأزم الوضع المائي الذي تعكسه بشكل أساسي النسب الضعيفة المسجَّلة مع بداية العام، في نسب الملء على مستوى حقيقة الأحواض المائية وسدود المملكة من دون استثناء.

ويؤكد رئيس قسم الماء والظواهر القصوى بوزارة التجهيز والماء، عصام الغراري، أنه "لا يخفى على جميع المواطنين المغاربة، أن الوضعية المائية صعبة وحرجة بعد توالي عدة سنوات من الجفاف، وأحجام المياه المتواضعة جداً مقارنةً مع ما كانت تستقبله المملكة من واردات مائية".

ويكشف الغراري في حديثه مع TRT عربي أنه "حتى منتصف فبراير/شباط الماضي، قُدّرت نسبة ملء السدود بـ24.7%، وهو ما يشكّل مخزوناً مائياً على مستوى السدود يقدَّر بنحو 4 مليارات متر مكعب".

ويضيف المسؤول في وزارة التجهيز والماء: "إذا قارنَّا النسب المسجَّلة مع ما سُجل في اليوم نفسه من السنة الماضية، نجد أن نسبة الملء تبلغ 32% وهو ما يبيّن التراجع الكبير بين ما سُجل هذا العام وبين السنة الماضية".

ويلفت الغراري إلى أن "هذا الوضع المائي الاستثنائي تتساوى فيه جُل الأحواض المائية على مستوى المملكة بتفاوت بسيط، ولو أن هناك أحواضاً مائية تشهد وضعية جد حساسة؛ وهما حوضا أم الربيع وسوس ماسة، وبنسبة أقل أحواض اللوكوس وسبو وملوية".

ويوضح رئيس قسم الماء والظواهر القصوى بوزارة التجهيز والماء، أن "هذه الوضعية المائية التي تُعزى إلى قلة التساقطات، كان لها تأثير في الأحجام المائية الموجَّهة إلى الري، إذ أُعطيت الأولوية لتزويد المواطنين بالمياه الصالحة".

الجفاف مظهر للتغيرات المناخية

لم يعد المغرب يشهد ذلك الاعتدال في المناخ، بل حدثت تغييرات كثيرة على هذا المستوى في البلد الإفريقي الذي يقع على ضفتي المتوسط والأطلسي، وكان "تعاقب سنوات الجفاف من مظاهر التغيرات المناخية التي تعانيها المملكة في السنوات الأخيرة"، وفق منسق الائتلاف المغربي من أجل المناخ (غير حكومي) عبد العزيز الجناتي.

ويبيّن الجناتي في حديثه لـTRT عربي أنه "في الأعوام الأربعين الأخيرة هناك ارتفاع في درجات الحرارة في المغرب بزيادة تُقدَّر بـ1.8 درجة مئوية، وتقلّص مستوى التساقطات بنسبة سالب 66%، وسُجل تقلص على مستوى الأيام الماطرة أو أيام التساقطات بما يعادل 34%".

ويرى الناشط في مجال المناخ أن "التغيرات المناخية ساهمت في التسريع بإبراز الأزمة المائية فقط؛ لأن أزمة الماء التي يعيشها المغرب ليست بسبب قلة التساقطات أو شح الأمطار فحسب، بل أيضاً بسبب سوء تدبير المغرب للمياه، وهو ما أُعلن في مخرجات الحوار الوطني لإعداد التراب عام 1999".

مظاهر سوء التدبير المائي

في سياق تدبير الموارد المائية لاحظ المجلس الأعلى للحسابات (مؤسسة دستورية عليا للرقابة) الاستغلال المفرط للمياه الجوفية، إذ تبلغ كمية الموارد المائية المستنزفة وغير القابلة للتجديد 1.1 مليار متر مكعب، مقابل كمية تناهز 1.7 مليار متر مكعب سنوياً من المياه السطحية المعبأة مسبقاً بواسطة السدود من دون أن تُستعمل.

وكشف تقرير المجلس حول الوضعية المائية في المغرب عن أن السدود تعاني ظاهرة التوحل التي تؤدي إلى تناقص سعتها التخزينية الإجمالية للمياه بما يقدر بـ75 مليون متر مكعب سنوياً.

كما سجل تقرير المجلس أن الوضع المائي في المغرب الذي يتوفر على موارد مائية تقدر بنحو 22 مليار متر مكعب في السنة، يتسم بتوزيع بنيوي غير متوازن بين الأحواض المائية من حيث الإمدادات السنوية بالمياه.

وأشار إلى وجود فائض في بعض الأحواض المائية تُصرّف أحياناً في البحر من دون الاستفادة منه، في المقابل يعاني بعض المناطق الأخرى صعوبة توفير موارد مائية من أجل السقي وفي بعض الحالات من أجل الشرب.

مشاريع استعجالية لتجاوز الأزمة

انتبهت السلطات الحكومية مؤخراً إلى هذه النقاط وسارعت إلى ربط مياه حوض سبو بحوض أبي رقراق، وهي المياه الفائضة التي كانت تُهدر في السابق. وهو مشروع ضخم يهدف إلى تخفيف أزمة المياه التي تعيشها المدن المغربية الكبرى، خصوصاً الدار البيضاء والرباط.

وأكدت وزارة التجهيز والماء في بيان لها ساعة وصول الأمتار المكعبة الأولى من مياه سبو إلى أبي رقراق، أن المشروع يؤمّن تزويد نحو 12 مليون نسمة في محور الرباط-الدار البيضاء بالماء الصالح للشرب، وكذلك تخفيف الضغط على سد المسيرة، الذي يزود العاصمة الاقتصادية للمملكة (الدار البيضاء) باحتياجاتها من المياه.

إلى جانب هذا المشروع، تشتغل السلطات على مشاريع كبرى تتعلق بمحطات تحلية مياه البحر، والاعتماد على الموارد المائية غير الاعتيادية، علاوة على تشييد سدود جديدة في بعض مناطق المملكة.

بدوره يرى الخبير في السياسات المائية عمر الودادي، أن المغرب كان يعتمد على التساقطات المطرية لتأمين المياه بالأساس رغم بوادر أزمة الجفاف التي كانت واضحة وجليّة.

ويقول الودادي لـTRT عربي إن "المغرب يقع على ساحلَي البحر المتوسط والمحيط الأطلسي ويمكنه استغلالهما من أجل تحلية الماء، من خلال تخصيص موارد مالية واستثمارات لتوفير الوسائل اللوجيستية والتغلب على مشاكل الطاقة التي تحتاج إليها مشاريع التحلية".

ويضيف: "إذا تجاوز المغرب التكلفة المالية لتحلية المياه يمكنه أن يتجاوز هذه الأزمة المائية، بل أكثر من ذلك سنفكّ الارتباط بالتساقطات المطرية، وسنمضي قدماً في مسار التنمية بموارد مائية عالية".

ويشير الباحث في السياسات المائية إلى أن "مدينة أكادير (وسط) تمكنت من تجاوز الأزمة التي وصلت إليها منذ سنتين، بفضل محطة التحلية المُنجزة التي زوّدت السكان بالمياه الصالحة للشرب بكميات معقولة، إلى جانب مياه الري للمزارعين".

TRT عربي
الأكثر تداولاً