رحلة اللقاح الخيرية الملكية بقيادة دي بالميس (Prisma Archivo/Alamy)
تابعنا

استخدم فرانسيسكو خافيير دي بالميس أطفالاً للحفاظ على لقاح الجدري طازجاً أثناء رحلاته الطويلة إلى مستعمرات إسبانيا بأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا. وهذا ما يسرده ستيفن بورغن في مقاله بصحيفة الغارديان البريطانية، وفقاً لما فحصه من وثائق كُشِف عنها مؤخراً بمعرض الأرشيف العام بمدينة إشبيلية الإسبانية.

كانت أوروبا في القرن الثامن عشر تعاني الأمرَّين جراء وباء الجدري الذي راح يفتك بالملايين. وفي عام 1796 اكتشف الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر لقاحاً للجدري عبر "نسخة بقريّة" من المرض. وأقنع الطبيب الإسباني دي بالميس ملك إسبانيا كارلوس الرابع الذي توفيت ابنته بفعل الجدري، بتمويل بعثة اللقاح الملكية إلى مستعمرات إسبانيا المترامية بأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا.

ولم يكن هدف دي بالميس تطعيم السكان فحسب، بل إنشاء مراكز التطعيم للسيطرة على أي تفشٍّ للمرض في المستقبل.

انطلقت البعثة من ميناء لاكورونيا شمال غربي إسبانيا متجهة إلى المكسيك، وعلى متنها 22 طفلاً يتيماً. وكان من بينهم ابن إيزابيل زندال البالغ من العمر تسع سنوات التي كانت تدير دار أيتام محلية، وعملت زندال ممرضة وراعية في الرحلة.

وكان دي بالميس قد اختبر اللقاح ليكتشف أن بالإمكان الحفاظ عليه لمدة 12 يوماً فقط، بينما تستغرق الرحلة وقتها من شمال إسبانيا إلى أمريكا اللاتينية قرابة الشهرين. لذلك كانت تقنية بالميس خلال الرحلة هي إصابة طفلين كل 10 أيام بالنسخة البقريّة من الجدري ثم أخذ المصل من بثورهما لإصابة طفلين آخرين، وهكذا دواليك حتى وصلوا إلى وجهتهم حاملين مصلاً طازجاً يصلح للتطعيم.

الطبيب العسكري الإسباني فرانسيسكو خافيير دي بالميس (1753-1819) (Spanish Military)

مرض الأطفال خلال الرحلة لكن لم يمت منهم أحد، وعلى الرغم من ذلك الفعل الذي قد يبدو اليوم "بربرياً"، فإنه في ذلك الوقت كان يعتبر أمراً طبيعياً تماماً. وكان الطبيب البريطاني مُكتشف اللقاح قد اختبر لقاحه لأول مرة على صبي يبلغ من العمر ثماني سنوات.

وبقي الأطفال الأصليون البالغ عددهم 22 في المكسيك، حيث جنّد بالميس 26 طفلاً آخراً في الرحلة من أكابولكو المكسيكية إلى الفلبين، تظهر الوثائق أن الأطفال الجدد كان جميعهم من المكسيكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و14 عاماً، وجرى تسليمهم من قبل والديهم مقابل مبلغ من المال.

بحلول نهاية الحملة تلقَّى نحو 300 ألف شخص اللقاح مجاناً في جزر الكناري وبيرو والإكوادور وكولومبيا وفنزويلا والمكسيك والفلبين والصين.

ويقول ألبرتو غارسيا باستيرو عالم الأوبئة والأستاذ في جامعة برشلونة: "كانت الاستراتيجية التي اعتمدها بالميس حلاً رخيصاً ورائداً ومتبكراً لضمان وصول اللقاح إلى الأمريكتين في حالة جيدة".

وأردف عالم الأوبئة: "من المحتمل في الوقت الحاضر أن يجري انتقاد استراتيجية استخدام الأطفال لنقل اللقاح على أسس أخلاقية، ولكن لا يمكن إنكار تأثير تلك البعثة وفوائدها".

وتُظهِر الوثائق لأول مرة أسماء الأطفال الذين شكّلوا "ربما أول مهمة إنسانية دولية ممكنة"، وأعمارهم، وذلك بتعبير مقال صحيفة الغارديان.

ويصف مانويل ألفاريز منسق معرض الوثائق بإشبيلية بأن المعرض يُعتبر بمثابة: "تكريم لجميع العاملين الصحيين الذين كافحوا ضد وباء كوفيد-19".

يذكر أن مستشفى مدريد الذي يحمل اسم إيزابيل زندال، الممرضة التي شاركت مع ابنها في بعثة دي بالميس، لعب دوراً رئيسياً خلال جائحة كورونا.

وفي عام 2020 أطلقت الحكومة الإسبانية اسم "بالميس" على عملية إرسال 2500 جندي إلى مدريد لتطهير دور الرعاية بها.

TRT عربي
الأكثر تداولاً