تابعنا
كانت كاميرا TRT عربي حاضرة منذ الأيام الأولى، ترصد هذه الفاجعة المريرة وتوثق جهود الهيئات المعنية بالإنقاذ والدعم. كما وثقت أعين المراسلين العديد من المشاهد الإنسانية من خلال الكاميرا، حُفرت أخرى في ذاكرتهم إلى الأبد.

تعيش تركيا على وقع العديد من الزلازل، فمع فجر يوم الاثنين السادس من فبراير/شباط ضرب زلزال مدمر منطقة بازارجيك بولاية قهرمان مرعش، مسجلاً 7.7 درجة. لتمر سويعات قليلة حتى ويضرب زلزال آخر، هذه المرة مركزه منطقة البستان، الولايةَ نفسها بقوة 7.6 درجة.

ومنذ ذلك اليوم شهدت أرض تركيا ما يقرب من 9 آلاف و990 هزة أرضية، بمعدل هزة كل ثلاث دقائق بحسب هيئة إدارة الكوارث والطوارئ أفاد. وتعد أقوى هذه الهزات، تلك التي ضربت مدينة هاطاي الأسبوع الماضي بقوة 6.4 و5.8 درجة. وقد تأثرت 10 ولايات في جنوب تركيا بتلك الزلازل ونتج عن هذه الكارثة 44.374 قتيلاً.

كانت كاميرا TRT عربي حاضرة منذ الأيام الأولى، ترصد هذه الفاجعة المريرة وتوثق جهود الهيئات المعنية بالإنقاذ والدعم. كما وثقت أعين المراسلين العديد من المشاهد الإنسانية من خلال الكاميرا، حُفرت أخرى في ذاكرتهم إلى الأبد.

مراسل TRT عربي أحمد سعيد والذي كان في موقع الحدث مع الساعات الأولى للكارثة قال "من المشاهد التي بقيت في ذاكرتي، مشاركة سكان قهرمان مرعش الناجين من الزلزال والذين هم بدورهم مكلومون أيضاً، في عمليات الحفر داخل المباني لمساعدة فرق الإنقاذ في الساعات الأولى لحين وصول باقي الوحدات، والتي وصلت إلى المدينة تباعاً بعد ذلك رغم تساقط الأمطار والثلوج في الطرقات المؤدية إلى الولاية وتدمير عدد منها بفعل الزلزال".

يشير سعيد إلى الأمل الذي كان يغمر العائلات التي كانت تنتظر ذويهم ممن كانوا عالقين تحت الركام والذي عززه صبر ودأب فرق الإنقاذ.

لم تغادر هذه الفرق العائلات المكلومة حتى آخر نفس، فهناك امرأة لازمتهم على مدار أربعة أيام على أمل أن تنقذ أمها العالقة تحت الركام، ولكن مع الأسف ورغم العمل الدؤوب والصبر الكبير، فقد أخرجت في نهاية المطاف وقد فارقت الحياة.

وعن التضامن الذي رآه سعيد بين ضحايا الزلزال يقول "كان هناك رجل يقف أمام أحد المباني في وسط قهرمان مرعش، مردداً "الحمدلله، نجوت من تحت الركام مع زوجتي وابنتي" وبعد ذلك كنت أراه يأتي يومياً الى المبنى المنهار ليواسي العائلات الأخرى التي ما زالت لا تعرف مصير ذويها".

ويستكمل سعيد، حين كان يجري إنقاذ شخص على قيد الحياة من مبنى ما، يبكي الجميع فرحاً وتُجدد الآمال بالعثور على ناجين جدد. كما تحول الناس الذين ينتظرون أمام المباني والذين هم بالغالب أقارب العالقين تحت الأنقاض، إلى ما يشبه العائلة الواحدة، ففي الليل يوقدون النار أمام المنازل المنهارة، يتدفؤون سوياً ويواسي بعضهم بعضاً في تلك الليالي الباردة، في مشهد تذوب فيه كل الروابط إلا رابطة الأخوّة الإنسانية.

وعن الجَلَد وتقبل الصدمة، يقول سعيد "من خلال مشاهداتي، رأيت كيف يتقبل الناس الصدمة على مراحل، ففي الأيام الأولى ومع وجود أمل للعثور على ناجين، كانت عيونهم لاتفارق عمل فرق الإنقاذ والآلات التي تحفر في الركام، وفي اليوم السابع والثامن ومع زيادة أعداد الضحايا الذين يخرجون من تحت أنقاض المباني، أصبح البعض يقول إنه فقط يريد أن يحظى بنظرة الوداع الأخيرة لمحبيه، ودفنهم"

صور وأوراق خاصة بضحايا الزلزال (TRT Arabi)

أما مراسلة TRT عربي رشا الحلبي فتروي أن واحدة من أرق المشاهد التي رأتها أثناء تغطيتها في المناطق المنكوبة بالزلزال، ما يفعله عمال الإنقاذ والإغاثة أثناء تنقيبهم في الأبنية المهدمة أو المتضررة.

إذ يعمدون إلى إزالة ما يصادفون من ممتلكات خاصة أو أغراض ويضعونها جانباً، لعل أصحابها المتضررين يعودون إلى المكان ويأخذون ما يخصهم. من ضمن هذه الأغراض، أشياء ثمينة كالمجوهرات والأموال، وأشياء ذات قيمة معنوية مثل ألبومات الصور والأوراق الخاصة. وتقول الحلبي "لعل الأخيرتين أكثر ما يحتاجه المتضررون من الزلزال، فهما تشكلان الذكريات واللحظات المميزة".

وفي هذا السياق تتابع الحلبي "في بلدة البستان التابعة لولاية قهرمان مرعش، حيث كان مركز الزلزال الثاني، كنت في طريقي للتجهيز من أجل البث المباشر، ولاحظت وجود عمال إغاثة كانوا قد أشعلوا النيران بالحطب للتدفئة واستحدثوا أمامهم مكاناً صغيراً للاستراحة بين الفينة والأخرى. استرعى انتباهي ما وضعه العمال في هذا المكان، كانت شهادات التقدير لإحدى الطالبات، تدعى "ميرال أصلان". ويعود تاريخ تلك الشهادات إلى ما قبل عقدين، من إحدى المدارس الابتدائية، إلى جانبها كانت أوراق العلامات ونتائج الامتحانات التي تدل على تفوق الفتاة في مراحل دراستها".

وتكمل الحلبي: "احتفظ العمال بهذه الشهادات كاملة، وحين سألتهم عنها قالوا إنهم انتشلوا الأوراق هذه من بين ركام المنزل. سألتهم "هل من أنباء عن هذه الفتاة؟ هل هي على قيد الحياة؟" لم يمتلكوا إجابة. لكن الأمل كان يحدوهم أن تنجو صاحبة الأوراق، ليستطيعوا تخفيف الكارثة عنها برد هذه الشهادات لها"

وتستكمل الحلبي "لفتني أن شهادات التقدير مغلفة بعناية. لا أعلم مصير العائلة. لكنني أعلم جيداً أنهم كانوا يحبون أطفالهم ويفخرون بهم إلى حدّ أنهم حرصوا على تجميع شهادات تقديرهم التي استحقوها من مدارسهم عن جدارة وحفظها بأمان طيلة أكثر من 20 عاماً. ثم أتى الزلزال المدمر الذي لم يكن بالحسبان".

عدت أدراجي بعد البث المباشر وفي ذهني سؤال واحد: هل ميرال أصلان على قيد الحياة؟"

أما مراسل TRT عربي أديب عبدالله فيصف ما رآه وما صاحبه من مشاعر حينها قائلاً "مع تقادم عداد الساعات التي تدق عقاربها مع دقات قلوب من يبحث عن ذويه بين ركام الإسمنت في مواقع الأبنية المهدمة في الولايات التي ضربها الزلزالان، عملت فرق الإنقاذ بنسق وتتابع ليس فيهما للنوم والراحة مكان، ولا لليأس سبيل".

وتابع حديثه "وأنا أجول بين الأبنية المهدمة وأرى فرق الإنقاذ تحاول رفعها بالآلات بعد أن تهاوت إلى الأرض، وأشعر ببرودة الإسمنت الرابض على صدري، تساءلت أي أمل يبحث عنه رجل الإنقاذ بين هذه الطبقات الصلدة؟"

جزء من ممتلكات ضحايا الزلزال التي انتشلتها فرق الإنقاذ (TRT Arabi)

ويستكمل عبدالله "رغم حجم الدمار، وشعوري باليأس حينها، فإن دفئاً انبعث في داخلي وأنا أرى حرص الفرق المختصة بالبحث والإنقاذ وهي تحفر بروية وبطء شديدين خشية أن يلحق أي أذى بجسد ما زال على قيد الحياة أو حتى فارقها". كانت المهنية في التعاطي مع جسد الإنسان تذكيراً عميقاً لي بكرامة الإنسان من بين جميع المخلوقات.

ويتابع عبدالله "فما أن يفتح عمال الإنقاذ أي فجوة في الكتل الإسمنتية تصلهم بتجويف غرفة داخلها يبدأ الحفر بالمعاول بل وبالأيادي المجردة، بهدف إخراج روح معلقة بالأمل دون ألم، أو إكرام جثمان بتسليمه إلى ذويه ليصل إلى مثواه الأخير دون عطب"

ويختم عبد الله بالقول "على قارعة الطرق وبين الأبنية المنهارة ترى أيضاً ما أنقذته الفرق من ذكريات الناس فيها. فرأيتهم يستخرجون بكل رفق دفاتر الذكريات وشهادات التقدير التي نالها الأولاد في صفوف الدراسة وبطاقات المعايدات وصور تذكارية التقطها من كان يقطن المنازل في لحظة فرحة أو ساعة صفاء، علها تؤنسهم إذا عادوا"

TRT عربي