مجموعات الأمهات (Getty Images)
تابعنا

قد تبدو مجموعات الأمهات كمنتديات نسائية لتبادل وصفات الطعام لكنها مؤخراً باتت محركاً، ولو بشكل بسيط وغير مباشر، لقرارات وزارة التربية والتعليم في مصر.. فماذا حقاً يحدث في هذه الغروبات المغلقة؟ ثرثرة.. حراك.. دعم.. إشاعات؟

في عام 2009 أي منذ 12 سنة تأسس تطبيق "واتساب" على يد الأمريكي بريان أكتون والأوكراني جان كوم وهو الرئيس التنفيذي أيضاً للشركة، وكلاهما من الموظفين السابقين في موقع ياهو، ويقع مقرها في سانتا كلارا بكاليفورنيا، ثم استحوذ عليه "فيسبوك" في فبراير/شباط 2014 مقابل 19.3 مليار دولار أمريكي تقريباً. بحلول عام 2015 أصبح "واتساب" التطبيق الأكثر شعبية وتداولاً، فلديه أكثر من ملياري مستخدم حول العالم اعتباراً من فبراير/شباط 2020.

"560 رسالة معلقة أُرسلت إلى هاتفي من غروب المدرسة من أمهات زميلات ابنتي بمجرد أن غفوت لمدة ساعتين" هكذا قالت حبيبة يحيى عضوة بغروب للأمهات، وأضافت لـTRTعربي: "كان هذا بسبب المناقشات حول قرار وزير التربية والتعليم الأخير بخصوص كيفية إجراء امتحانات منتصف العام للتعليم الأساسي، وهذه الدفعات الكبيرة من الرسائل دائماً ما أُفاجأ بها على هاتفي في وقت قصير حين لا أكون بالقرب منه، في البداية كنت أتوقع كارثة ما حدثت، ولكن مع الوقت أصبح لدي خبرة ما وربط بين الأحداث ومؤتمرات الوزير أو قرارات خاصة بالمدرسة وبين هذه الرسائل الكثيرة".

الشائع أن أي ملتقي للنساء هو جلسة نميمة وثرثرة أو تبادل لوصفات التخسيس والتجميل، بل الأكثر أنها توصم بأنها بوتقة للإشاعات ومصدر رئيسي لنقل معلومات مغلوطة، خاصة منذ بدء تطبيق الحظر مواكبة لانتشار كورونا بداية العام الماضي وإغلاق المدارس.. ولكن أعداد الرسائل التي تُلقى يومياً في الغروبات ليست فقط مناقشات أوتعليقات ساخرة أو مؤيدة لقرارات المدرسة أو الوزير بل هي أحياناً كثيرة تدعم وتُساعد.

الشائع أن أي ملتقي للنساء هو جلسة نميمة وثرثرة أو تبادل لوصفات التخسيس والتجميل (Getty Images)

صفاء أم عزباء لطفل في المرحلة الابتدائية قالت لـTRT عربي إن هذا بالفعل ما يحدث معها من خلال تواصلها مع بقية الأمهات على غروب المدرسة: "أنا أعمل لساعات أطول من المعتاد كوني صحفية تتابع الأخبار المحلية على مدار اليوم بينما بقية الأمهات يعملن لساعات أقل أو ربات بيوت، لذا فدائماً ما أعتمد عليهن في معرفة الواجبات ومستجدات قرارات المدرسة وما الأحداث التي فاتتني. وحيث إن طبيعة الأولاد في التركيز والإلمام بالتفاصيل أقل من الفتيات فأيضاً ألجأ إليهن في معرفة تفاصيل ما يخص سيف ابني إذا حدثت له مشكلة ما أو شكوى منه هو تحديداً".

وربما التأثير الطفيف لهذه المجموعات وإحساس كثيرات بأهمية آرائهن، دفع بعضهن إلى إنشاء مجموعات من هذه الغروبات الصغيرة، والمكونة في الأساس من مجموعة وليات أمور لصف واحد من مدرسة واحدة فقط، نشأت غروبات مُجمعة كبيرة تضم بها الآلاف من الأمهات، على سبيل المثال هبة علام لجأت إلى تأسيس غروب يحمل اسم «أمهات مصر لإصلاح التعليم» خاص بوليات الأمور، ويضم 13 ألف عضوة.

ومنذ أيام قالت أميرة محمود المنسقة والمتحدثة باسم غروب أمهات مصر للنهوض بالتعليم، لإحدى الصحف المحلية، إن قرارات وزير التربية والتعليم الأخيرة بخصوص استكمال العملية التعليمية كانت جميعها جيدة، ولكن في ما يخص الصف الثالث الإعدادي فهناك انزعاج لدى عدد من أولياء الأمور بخصوص الامتحان والمناهج: «لو أمكن نعيد النظر في الموضوع ده».. وعلى ما يبدو فإن هذه الاقتراحات تصل إلى الوزير بشكل ما كما أشار هو بنفسه في مؤتمر في نهاية العام الدراسي السابق.

بجانب التأثير الذي قد يكون بالفعل يحدث، أوعلى الأقل ترجوه الكثير من الأمهات أن يحدث، حين يطالبن المدرسة أو الوزاة ببعض المقترحات، فعلى الجانب الإنساني هناك تفاعلات أخرى متبادلة يومياً حتى في أيام الإجازات السنوية ونصف السنوية. العديد من الأمهات يخططن للقاء بعيداً عن المدرسة ويتجمعن بالأبناء للتعارف على أرض الواقع، كما تقول حبيبة وهي أم لفريدة: "العام قبل الماضي قبل تطبيق الحظر خططنا من خلال الغروب لنتجمع في حديقة عامة، واستجابت بعض الأمهات وجئن بالحلوى وعلب الطعام المعد منزلياً وبالأبناء، وتحدثنا وأكلنا وازددنا تعارفاً، والتقطنا صورة جماعية نعتز بها كأيقونة للمجموعة".

وتضيف أيضاً صفاء في سعادة وفخر: "أحياناً تكون هناك أيام عطلات غير رسمية مثل عيد الغطاس أو عيد السعف، ولم تكن لدي إجازة تسمح لي بالاعتناء بطفلي، فكانت الأمهات يعددن لنزهات بأطفالهن ويتطوعن باصطحاب ابني مع أبنائهن والاهتمام به طوال اليوم.. حدث ذلك أكثر من مرة، على عكس ما كنا عليه في أول سنة دراسية من خلال تجمعنا على الغروب (المجموعة) كانت علاقاتنا غير جيدة وواضحة.. فنحن مع مرور الوقت اكتسبنا خبرة سواء مع كيفية تلقي قرارات المدرسة والوزارة، أو على مستوى علاقاتنا التي أصبحت أفضل وأكثر تفاهماً ودعماً".

ربما التأثير الطفيف لهذه المجموعات وإحساس كثيرات بأهمية آرائهن، دفع بعضهن إلى إنشاء مجموعات من هذه الغروبات الصغيرة (Getty Images)

سميرة أم لطفلين تؤكد كلام صفاء، وقالت لـTRT عربي: "طبعاً أول مرة بتدخلي فيها غروب الأمهات بيحصل بعض الخلافات بين الأمهات، لأننا نكون في بداية تعارفنا على بعض وعلى طباعنا وأسلوبنا المختلف. ومن هنا بتحصل الخناقات التي لا تتعدى دقائق لأنها دائماً تكون مجرد سوء فهم بين الطرفين، لكن في النهاية فهي غروبات مهمة خاصة في مراحل رياض الأطفال، فمتابعة الصغار في المرحلة يحتاج دعمنا لبعضنا وتواصلنا الدائم..

مثلاً في حالة تغيب ابنتي عن المدرسة بمجرد ما اسأل عن واجبات اليوم والدروس التي تلقوها في المدرسة تتسابق الأمهات في كتابة كل الشرح لكل المواد مصحوب بصور لما تم حله في كتاب المدرسة، وكذلك كتابة أرقام صفحات الفروض.. أو صور لصفحات الكراسات اذا كان مهماً لكتابة بعض الكلمات أو الأرقام". وعن الثرثرة والنميمة تضحك سميرة وتقول: "أحياناً بنقعد نرغي ونضحك ما أحنا بشر عادي.. وغالباً بيبقى ضحكنا على تصرف حصل من ولد أو قرار غريب يخص الدراسة". كما أنهن يقدمن النصائح المتعلقة بوصفات الطبخ وكذلك ترشيح أفضل صالونات التجميل كطبيعة النساء.

هل اختلف الوضع مع الاعتماد على الدروس الـ"أون لاين" وحضور الدروس من خلال تطبيقات مثل "زووم"؟ هل زاد الدعم والاحتياج إلى المتابعة وفهم المستجدات والقرارات المتعاقبة السريعة من المدارس أو الوزارة؟

حبيبة تقول: "مع بداية فيروس كورونا العام الماضي وتوقف الدراسة في المدارس واللجوء إلى التعليم الإلكتروني أصبحنا نتبادل الدعم بشدة، من خلال إرسال بعض الفيديوهات التعليمية للأطفال على الغروب وبعض الأوراق لسهولة التعليم.

وفي حال عدم معرفة إحدى الأمهات بمواعيد الحصص الأونلاين وروابط التشغيل على موقع زووم ترسلها الأمهات على الغروب، حتى يدخل جميع الطلاب ولا يتخلف أحد عن زملائه.

ومع استمرار التعليم الإلكتروني بدأنا نبحث عن أجهزة الطباعة.. وشاركنا أسماء وأنواع وأسعار بعض منها لمعرفة وشراء الأفضل لمساعدتنا في طباعة أوراق الدراسة التي يتم إرسالها من قبل المدرسين".

على عكس جميع الأمهات اللاتي تحدثن لـTRT عربي، تقول سمر وهي أمّ: "كثيراً ما أتعصب لأنهن يثرثرن كثيراً وفي أشياء تافهة، مثل الجدل حول لون الجلاد المناسب لتغليف الكراسات أو المناقشة حول نوع أقلام التلوين المطلوبة، بجانب الأسئلة التي تتكرر، فمثلاً لو سألت أم عن شيء وتمت الإجابة بعدها يتم إرسال نفس السؤال من أم أخرى، وأيضاً يقمن بمقارنة الأطفال بعضهم ببعض، هذا خطه سيء وهذا درجاته أفضل، بينما من الطبيعي أن هناك فروقاً فردية بين الأطفال.. هذا يزعجني كثيراً وألجأ إلى تطنيش كم الرسائل حين يكون هناك مناقشة ما فأنتظر حتى يتم حسم المشكلة وأتدخل لأعرف الخلاصة.. ربما هن مزعجات بالفعل وربما أنا التي "خُلقي ضيق" لا أعرف.. لكن عموماً حتى الآن تجربتي غير لطيفة".

حبيبة تؤكد العكس تماماً: "أنا في مجموعة كلها دعم سواء في هذا العالم الافتراضي بإرسال الواجبات أو روابط اجتماعات "زووم"، أو حتى في الواقع حين أطلب أن تتطوع إحدى الأمهات بمساعدتي بطباعة رزمة أوراق، فأجد الأوراق طُبعت وغُلفت وبعثتها لابنتي في اليوم التالي مع ابنتها.. نجد دائماً رسائل الاطمئنان والمكالمات الخاصة إذا كنت ذكرت عرضاً أني مريضة، أو إذا طلبت أم أخرى شراء كتاب لابنتها من مكتبة قريبة من مكان سكن أم أخرى فتبعث هذه لها الكتاب".

في 13 يونيو/حزيران 2013 أعلنت "واتساب" أن سجلاتها اليومية الجديدة وصلت إلى تبادل 27 مليار رسالة يومياً عبر تطبيقها، وفي مايو/أيار 2017 تم الإبلاغ عن أن مستخدمي "واتساب" ينفقون أكثر من 340 مليون دقيقة على مكالمات الفيديو كل يوم على التطبيق، في يناير/كانون الثاني 2020 سجل واتساب أكثر من 5 مليارات عملية تثبيت على متجر "جوجل بلاي"، ممَّا يجعله ثاني تطبيق غير تابع لجوجل يحقق هذا الإنجاز، واعتباراً من فبراير/شباط 2020 كان لدى واتساب أكثر من ملياري مستخدم على مستوى العالم.. هي رسائل قد تُصنف ثرثرة أومشاجرة أو حباً أو دعماً، أو كل ذلك جميعاً.

TRT عربي
الأكثر تداولاً