صورة تجمع المشاركين في مؤتمر سيفاس الذي عُقد يوم 4 سبتمبر/أيلول 1919 في مدينة سيفاس وسط الأناضول، الذي اتُّفق خلاله على رفض الانتداب والوصاية الغربية، ومثّل شعلة البداية لحرب التحرير الشاملة. (AA)
تابعنا

في معرض خطابه السبت، في أثناء مشاركته في مهرجان "تكنوفيست البحر الأسود 2022"، حذّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليونان من مغبَّة التمادي في ممارساتها الاستفزازية، مؤكداً أن أنقرة لا تعترف باحتلال اليونان بعض الجزر، وأنها قد تأتي على حين غرة ذات ليلة.

وقال أردوغان: "أيتها اليونان، انظري إلى التاريخ، إذا تماديتِ فسيكون ثمن ذلك باهظاً، لدينا جملة واحدة لليونان، لا تنسي (كيف طردناكم من) إزمير". وتابع: "لا نعترف باحتلالكم الجزر، سنفعل ما يلزم في وقته، يمكننا أن نأتي على حين غرة ذات ليلة".

وصادفت تحذيرات أردوغان الأخيرة لليونان الذكرى 103 لمؤتمر سيفاس الذي رسم الأتراك خلاله خارطة الطريق لتحرير بلادهم من الاحتلال الغربي تحت قيادة القائد والمؤسس مصطفى كمال أتاتورك. إليكم في هذا التقرير أبرز محطات حرب التحرير والاستقلال التركية التي استمرت بين عامَي 1919 و1923، وانتهت بهزيمة القوات اليونانية الغازية وإلقاء فلولها في بحر إيجة بعد تحرير إزمير يوم 9 سبتمبر/أيلول 1922.

الاحتلال الغربي

انتهت الحرب العالمية الأولى بخيبة أمل للدولة العثمانية، فلم يكُن عبور طريق الخلاص سهلاً. ففي أعقاب توقيع هدنة مدروس في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1918 بدأت قوات الغزاة تجتاح الأراضي التركية في الأناضول تباعاً. فبعد احتلال مدينة إسطنبول في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1918، احتلت القوات اليونانية مدينة إزمير في 15 مايو/أيار 1919 وأوقعت فيها خراباً كبيراً بعد أن قتلت وذبحت آلاف المواطنين العُزْل.

وبالإضافة إلى مدينة إزمير، احتلت اليونان أجزاء واسعة غرب الأناضول حتى مدينة بورصا وإسكي شهير وكوتاهيا وأفيون. ولم تكتفِ اليونان بالاستيلاء على تلك المناطق، بل تحركت لاحتلال أنقرة، للسيطرة على البرلمان التركي التابع للجمعية الوطنية الكبرى وإغلاقه، وإجبارهم على القبول بشروط معاهدة "سيفر" التي تُقِرّ بالاحتلال الغربي وتمنع جميع أشكال المقاومة.

وردّاً على الاحتلال اليوناني وما ارتكبه من فظائع بحق المواطنين العُزْل، نظّم الأتراك حركات مقاومة من أجل إنقاذ وتحرير وطنهم من الاحتلال الغربي، فيما أخذت حركات المقامة التركية طابعاً مركزياً بعد وقت قصير عندما وطئت قدم مصطفى كمال أتاتورك ميناء صامسون في 19 مايو/أيار 1919، معلناً بدء النضال الوطني التركي في حرب التحرير والاستقلال التي استمرت من عام 1919 حتى تحقيق انتصار دبلوماسي في مدينة لوزان تَمخَّض عنه تأسيس وإنشاء الجمهورية التركية الحديثة 29 أكتوبر 1923.

مؤتمر سيفاس.. شعلة البداية

قبل 103 سنوات بالضبط، تحديداً يوم الرابع من سبتمبر 1919، أشُعلت نار استقلال الأمة التركية من مدينة سيفاس الواقعة وسط الأناضول، فبعد أن رفض الأتراك أشكال الانتداب كافة، وُضعت أسس الجمهورية واتُّفق عليها بالإجماع في مؤتمر سيفاس الذي أعقب رحلة مصطفى كمال أتاتورك إلى صامسون، وبدأ النضال الوطني، والخطوات التي تلته مثل منشور أماسيا ومؤتمر أرضروم.

فيما شهدت مدينة سيفاس المحطة الأخيرة في عملية المؤتمرات والحشد الشعبي تحضيراً لانطلاق حرب التحرير والاستقلال بشكل منظم، وهي المدينة ذاتها التي شُكّلَت فيها البنية التحتية الأولى للبرلمان التركي الذي نُقل إلى العاصمة أنقرة لاحقاً، وكان الضامن لمشاركة جميع أطياف المجتمع في تقرير المصير في أثناء حرب التحرير الشاملة.

انعقد المؤتمر في مدرسة سيفاس الثانوية التي كانت تُعرف آنذاك باسم مكتب سلطاني. وحضر مندوبون من مختلف أنحاء البلاد. كان التركيز على الاستقلال في طليعة القرارات المتخَذة في مؤتمر سيفاس، وذكر أنه لا يجوز تجزئة الوطن داخل حدود الوطن. كما وُحّدَت الجمعيات الوطنية التي أُسّسَت لمقاومة الاحتلال تحت اسم "جمعية الدفاع عن الحقوق - Müdafa-i Hukuk Cemiyeti".

مشيراً إلى أن قرارات تاريخية اتُّخذت في المؤتمر الذي استمر لمدة أسبوع، قال المحاضر المتقاعد نجيب غونايدين، الذي تحدث لموقع TRT Haber: "في القرارات التي اتُّخذت قيل إننا سنقاتل جميعاً ونحافظ على وحدة الوطن، ولن نساوم أبداً على استقلالنا الوطني".

طرد المحتلّ اليوناني من إزمير

في منتصف سبتمبر 1921 تحولت موازين القوى لصالح المقاومة التركية بعد الهزيمة المذلّة للقوات اليونانية في معركة سقاريا بالقرب من العاصمة أنقرة بين 23 أغسطس/آب و13 سبتمبر 1921.

ولمدة عام كامل من التخطيط والتحضير، أعلن أتاتورك بدء الهجوم الكبير في صباح يوم 26 أغسطس 1922، الذي حققت فيه القوات التركية المهاجمة بقيادة أتاتورك انتصاراً كبيراً بمعركة دوملوبينار في 30 أغسطس 1922، إذ سقط نصف عدد جنود الجيش اليوناني بين أسير وقتيل.

وعقب الانتصار في معركة دوملوبينار، أمر أتاتورك الذي رفض عقد هدنة مع اليونانيين، قواته بمطاردة الفلول اليونانية باتجاه إزمير غرباً، مطالباً إياهم بعدم التوقف إلا إذا رأوا البحر. وخلال المطاردة الحثيثة وتحرير أوشاك وباليكشير وبيلجيك، أُسر القائد العام للجيش اليوناني الجنرال تريكوبس، ودخل سلاح الفرسان التركي مدينة إزمير في 9 سبتمبر 1922 وسط دموع فرح أهلها الذين كانوا في حداد منذ أكثر من ثلاث سنوات، معلنين بذلك تحريرها من الاحتلال اليوناني بعد رفع العلم التركي على مقر الحكومة.

وفي أعقاب الانتصارات المتوالية التي حقّقها الأتراك على مدار فترة حرب التحرير بين عام 1919 ونهاية 1922، وُقّعَت هدنة مودانيا في 11 أكتوبر 1922 التي أعلنت فعلياً نهاية حرب التحرير والاستقلال التركية التي كُلّلت بتحرير البلاد وإعلان قيام الجمهورية التركية الحديثة يوم 29 أكتوبر 1923، بعد تمزيق معاهد سيفر وتوقيع معاهدة لوزان، التي تجاوزت ما أقرَّته معاهدة سيفر من بنود وشروط مجحفة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً