تابعنا
نُشرت ورقة بحثية تسلِّط الضوء على أكبر 15 شركة دوائية في العالم، التي تشكل 60% من الصناعة الدوائية عالمياً. ووجدت الدراسة أنّ صناعة الأدوية أنتجت 48.55 طن من ثاني أكسيد الكربون مقابل كل مليون دولار من الأرباح.

تشير الأرقام إلى أنّ البصمة الكربونية لقطاع الرعاية الصحية تعادل 4.4% من صافي الانبعاثات العالمية، وفي حال عدم اتخاذ أي إجراءات بحلول عام 2050 ستتضاعف الانبعاثات الكربونية أكثر من ثلاثة أضعاف إلى نحو ما يزيد على 6 غيغاطن سنوياً، أي ما يعادل الانبعاثات السنوية لـ770 محطة لتوليد الطاقة تعمل بالفحم.

ووجدت دراسة قُدمت بقمة شرم الشيخ للمناخ المنعقدة العام الماضي (COP27) أنّ 4% فقط من شركات التكنولوجيا الحيوية والأدوية تعمل وفق أهداف خطة اتفاق باريس العالمية لعام 2030.

كما كشفت الدراسة أنّ صناعة التكنولوجيا الحيوية والأدوية على مستوى العالم لها بصمة كربونية أكبر من صناعة أشباه الموصلات وصناعة الورق، وتساوي ما يقرب من نصف الانبعاثات السنوية للمملكة المتحدة.

وتجري الإشارة إلى الانبعاثات المرتبطة بالصناعة بشكل مباشر بانبعاثات النطاق 1 و2، فيما يطلق على الانبعاثات المرتبطة بالصناعة بشكل غير مباشر "انبعاثات النطاق 3".

البصمة الكربونية للصناعات الدوائية أعلى من السيارات

نُشرت ورقة بحثية تسلِّط الضوء على أكبر 15 شركة دوائية في العالم، التي تشكل 60% من الصناعة الدوائية عالمياً. ووجدت الدراسة أنّ صناعة الأدوية أنتجت 48.55 طن من ثاني أكسيد الكربون مقابل كل مليون دولار من الأرباح.

وهذا يعني أن تلك الانبعاثات أعلى من التي صدرت من صناعة السيارات خلال فترة إجراء البحث والتي كانت على مدى أربع سنوات من 2012 إلى 2015.

يشار إلى أنّه من بين أكثر من 200 شركة تمثل سوق الأدوية العالمية، لم يجد الباحثون سوى 25 شركة أبلغت عن انبعاثاتها من النطاق 1 و2 في عام 2015، ولذلك شملت الدراسة فقط تلك التي أبلغت عن انبعاثاتها باستمرار منذ عام 2012.

وفي سبيل المساهمة في الحدّ من الانبعاثات الناتجة عن قطاع الصناعة الدوائية، نجد أنّ خريطة الطريق التي فرضها اتفاق باريس العالمي ترسم دوراً مهماً لقطاع الرعاية الصحية العالمية للوصول إلى انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، وتشير إلى أنّه إذا أوفت البلدان بالتزاماتها باتفاق باريس فإنّه من الممكن أن تنخفض انبعاثات قطاع الرعاية الصحية بنسبة تصل إلى 70%.

كما تفصّل هذه الخريطة سبعة إجراءات من شأنها خفض انبعاثات القطاع بمقدار 44 غيغاطن على مدى 36 عاماً، أي ما يعادل الاحتفاظ بأكثر من 2.7 مليار برميل من النفط داخل جوف الأرض سنوياً.

بدائل أكثر استدامة

إنّ كثيراً من المستحضرات الصيدلانية شائعة الاستخدام يجري تصنيعها باستخدام مواد كيميائية مشتقّة من النفط الخام، ما يمثل تحدياً كبيراً لشركات الأدوية للحدّ من انبعاثاتها والتوصل إلى استخدام بدائل أكثر استدامة.

وفي إطار هذه الجهود وجد فريق من العلماء من قسم الكيمياء ومعهد الاستدامة بجامعة باث البريطانية طريقة لتصنيع اثنين من مسكنات الألم الأكثر شيوعاً في العالم، الباراسيتامول والإيبوبروفين، اللذين يجري إنتاجهما بمعدل 100.000 طن سنوياً عن طريق الاعتماد على مركب متجدد حيوياً يوجد في أشجار الصنوبر يطلق عليه اسم β-pinene، الذي يمكن الحصول عليه أيضاً من زيت التربنتين، وهو يُعَدّ من مخلفات صناعة الورق.

كما نجح الباحثون في تصنيع مجموعة من السلائف الكيميائية الأخرى من زيت التربنتين، التي من الممكن استخدامها لتصنيع أدوية عديدة مثل حاصرات بيتا، وعقارات استنشاق الربو، والسالبوتامول، بالإضافة إلى غيرها من الأدوية الأخرى المستخدمة على نطاق واسع.

يقول الدكتور جوش تيبيتس، باحث مشارك في قسم الكيمياء بالجامعة: "إن استخدام النفط لصنع المستحضرات الصيدلانية أمر غير مستدام، فهو لا يسهم في ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون فحسب، ولكن السعر يتقلب بشكل كبير لأننا نعتمد على الاستقرار الجيوسياسي للبلدان ذات الاحتياطيات النفطية العالية، وسيصبح أكثر تكلفة"، مضيفاً أنه "بدلاً من استخراج مزيد من النفط من الأرض، نريد استبدال نموذج "التكرير الحيوي" بهذا في المستقبل.

ونظراً إلى أن تلك العملية أكثر تكلفة من استخدام المواد الخام القائمة على النفط، فإنّ الباحثين يعتقدون أنّ المستهلكين قد يكونون مستعدّين لدفع سعر أعلى قليلاً للأدوية الأكثر استدامة، المشتقة بالكامل من النباتات.

وإذا ما أخذت الشركات الدوائية على عاتقها عدم رفع الأسعار على المستهلك، سوف تستطيع خفض بصمتها الكربونية مع الحفاظ على ربحية حسب ما تشير إليه أرقام 12 شركة أدوية رائدة لعامَي 2017 و2018.

الطباعة ثلاثية الأبعاد

عند النظر من زاوية أخرى تجد الصناعة التقليدية للأدوية نفسها أمام تحديات عديدة فرضتها تداعيات التغير المناخي الذي يشهده العالم، فقد يواجه عديد من النباتات الطبية خطر تغير تركيبها الكيميائي أو الانقراض بسبب ارتفاع درجات الحرارة على سطح الأرض، ما يهدّد هذه الصناعة لكونها تعتمد بشكل واسع في تصنيع كثير من مستحضراتها على استخلاص مواد كيميائية من هذه النباتات.

ولذلك تجد الشركات نفسها مجبرة على تغيير نهجها، ليس فقط بغية خفض الانبعاثات الكربونية وإنما في سبيل الحفاظ على ديمومتها ورفع أرباحها.

وللتغلب على مثل هذه العقبات بدأت شركات الأدوية تولي التقنيات الحديثة اهتماماً أكبر مثل تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لدورها المتوقع في تسهيل عملية تصنيع الدواء، والمساهمة في تقليل الكلفة بالمجمل، وخفض تأثير الصناعة الدوائية السلبي في البيئة.

وما يميز هذه التقنية هو إمكانية التصنيع عند الطلب فقط، مقابل الصناعة التقليدية التي تتطلب الحاجة إلى امتلاك مخزون من الأدوية قد لا يُستخدم بالكامل بسبب انتهاء صلاحيته، وكذلك يؤدي إلى أضرار بيئية خلال عملية التخلص منه.

كما أن التوجه لتصنيع الدواء حسب الطلب سيقلل الاعتماد على سلاسل التوريد التقليدية، ما يسهم في تقليل البصمة الكربونية.

تتيح هذه التقنية أيضاً إمكانية تصنيع الدواء بالجرعات المناسبة لكل مريض، وتحقيق العدالة في توزيع الأدوية مع وصول هذه الطابعات إلى مناطق نائية في دول فقيرة.

ويعتقد بعض شركات التكنولوجيا الحيوية أن هذه التقنية لن تكون بعيدة وأنها ستكون متوفرة في المستشفيات والصيدليات بالقرب من المريض خلال 5-10 سنوات.

TRT عربي